المناظرة.. خطوة على طريـــــق الديمقراطية

المناظرة بين عمرو موسى وعبدالمنعم أبوالفتوح بداية إيجابية. أ.ف.ب ــ أرشيفية

في سابقة هي الأولى من نوعها في الإعلام العربي، تابع المشاهدون المناظرة التلفزيونية التي عقدت بين اثنين من مرشحي انتخابات الرئاسة المصرية، عمرو موسى والدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح، عرضت على قناتي «دريم» و«أون تي في» في بث مشترك.

الاهتمام الكبير الذي حظيت به المناظرة من المشاهدين في مختلف الدول العربية، ومن وسائل الإعلام العربية والأجنبية، لا يعود في المقام الأول إلى تأثيرها في حسم آراء الناخبين المصريين لمصلحة أحد المرشحين او غيرهما، ولكن الأهمية الحقيقة للمناظرة تكمن في كونهــا السابقــة الاولى التي يجلس المشاهد العربي يتابع مرشحاً رئاسياً يحاول ان يكسب تأييده، ويعرض عليه ما لديه من خطط وبرامج.

صحيح أن هناك كثيراً من الأخطاء التي شابت المناظرة التي تعد خطوة على طريق الديمقراطية، لكن يشفع لها وللقائمين عليها والمشاركين فيها كونها اولى التجارب العربية في هذا المجال، ومن الصعب ان تخرج بالمستوى نفسه المتعارف عليه في الانتخابات الرئاسية في اوروبا وأميركا ذات التجارب المتعددة في الممارسة الانتخابية والديمقراطية.

من السلبيات التي شابت المناظرة الرئاسية التي عقدت الخميس الماضي، توقيتها، وهو أمر خارج عن نطاق المنظمين إلى حد ما، نتيجة لتأجيلها اسبوعا عقب «احداث العباسية». هذا التأجيل ربما جعلها اقل فائدة بالنسبة للمصريين المقيمين في الخارج، والذين بدأوا الادلاء بأصواتهم صباح اليوم التالي. أيضاً تأجيل المناظرة قلل من مساحة الجديد الذي تحمله للمشاهد بعد ان ظهر المرشحان، مثل غيرهما من المرشحين الآخرين، في أكثر من قناة فضائية ووسيلة إعلامية، وقدما كل ما لديهما من آراء وأفكار وبرامج، ولذلك فقدت كثيراً من الاسئلة التي ألقاها مديرا المناظرة منى الشاذلي ويسري فودة بريقها بالنسبة للمتابع لأنه سمعها وسمع اجابات المرشحين عنها من قبل في اكثر من برنامج ولقاء.

كما افتقدت المناظرة إلى اسئلة عدة عن محاور اساسية من المفروض ان يتضمنها البرنامج الانتخابي لأي مرشح رئاسي، من بينها وضع المرأة في المجتمع، وتحديد خطوات واضحة لحل المشكلات الرئيسة بناء على معطيات الواقع، وعدم الاكتفاء بإجابات تطمينية غير محددة من حيث امكانية تطبيقها فعليا وملاءمتها الواقع الاقتصادي والاجتماعي في مصر. والملاحظ ان الاسئلة الأكثر سخونة وحرجاً كانت تلك التي تبادلها المرشحان في ما بينهما، وهو ما يشير إلى المجهود الكبير الذي بذله اعضاء حملة كل منهما، وربما كان اعضاء الحملتين اكثر توفيقاً من فريق اعداد البرنامج، إذ نجحوا في وضع اسئلة حرجة، وفي الوقت نفسه توقع اسئلة الآخر، ولعل هذا ما فتح المجال امام المرشحين لمهاجمة بعضهما بعضا في فقرة التراشق بالاسئلة، والتي حاول فيها كل منهما اظهار عيوب الآخر او نقاط ضعفه. وظهر عمرو موسى أكثر احترافية، ساعدته على ذلك خبرته في الظهور الاعلامي ومخاطبة وسائل الاعلام خلال مشوار عمله وزيراً للخارجية المصرية ثم اميناً عاماً لجامعة الدول العربية، فاتخذ اسلوباً هجومياً خلال المناظرة التي اعتمد فيها على تلقي سؤال ابوالفتوح، والرد عليه بسؤال آخر حتى لا يتمكن الاخير من الرد ما يخلق حالة من الشك لدى جمهوره.

وهو الاسلوب الذي كان سبباً في حالة من القلق في كواليس المناظرة، حيث حاول مقدم المناظرة يسري فودة ان يلفت نظر موسى إلى الالتزام بالإجابة عن الاسئلة بإجابات واضحة وليس بأسئلة اخرى. ولكن موسى رفض تغيير اسلوبه وكاد الامر يتسبب في مشكلة كبيرة. وفي النهاية اشار أبوالفتوح الى انه قادر على التعامل بالأسلوب نفسـه، وظهر أكثر هدوءا وعفوية، مع التوجه في خطابه إلى القوى الثورية.

من جهة أخرى، ربما كان تأثير المناظرة سيكون أكبر إذا ما ضمت عدداً اكبر من المرشحين من ذوي الشعبية في الشارع المصري، حتى تتيح خيارات اوسع امام المشاهد، خصوصاً ان بعض الآراء وجدت ان اقتصار المناظرة على المرشحين فقط عكس حالة من عدم التوازن او العدل. وكشفت المناظرة، في رأي البعض، مناطق الضعف لدى المرشحين، فقرر التصويت لمرشح آخر، وربما لو شارك هذا المرشح في المناظرة لكان اكتشف المشاهد نفسه نقاط ضعف في شخصية المرشح او في برنامجه تصرفه عنه.

من سلبيات المناظرة كذلك طول وقتها، واستمرارها إلى وقت متأخر حتى الساعات الاولى من اليوم التالي، وهو راجع إلى رغبة القنوات المشاركة في البث لاستغلال الفرصة لأطول فترة ممكنة، في حين كان يمكن اختصار الجزء الاول منها الذي سبق المناظرة وتضمن شرحاً لآلية سير البرنامج، والمناظرات الانتخاببية في العالم.

بشكل عام تمثل «المناظرة» مظهراً صحياً يثري الممارسة الديمقراطية في الوطن العربي، ووقوعها في بعض الاخطاء والسلبيات لا يعني مهاجمتها او التسليم بعدم اهميتها، لكن ذلك وسيلة لتطويرها والارتقاء بها حتى توازي المناظرات التي تُجرى في دول العالم ذات التجارب الديمقراطية العريقة، فطريق الألف ميل يبدأ بخطوة.

تويتر