دراما «المسكوت عنه» تعود إلى «شاشة رمضان»
حالة الترقب لمسلسلات شهر رمضان المقبل تختلف عنها في السنوات الماضية، فما قبل ثورات الربيع العربي يختلف عما بعدها، إذ إن الحياة العربية بكل تفاصيلها، ومن بينها الدراما التلفزيونية، دخلت مرحلة تأريخ جديدة، ما قبل «الربيع العربي» وما بعده. والقطاع الفني مثل اي قطاع آخر، أثر وتأثر بما حدث في بلدان عربية اسقطت انظمتها، بدءا من تونس حتى ليبيا، مرورا بمصر واليمن، كما أن الثورة السورية لاتزال تواصل حراكها ولم يزهر «الربيع السوري» بعد.
توقعات رصدتها «الإمارات اليوم» حول الشكل والمحتوى الجديدين، اللذين سيطل بهما الفنانون والمخرجون وحتى المنتجون في اعمالهم الدرامية التلفزيونية الجديدة التي يواصلون تصويرها لتعرض على «الشاشة الرمضانية»، خصوصا أن الربيع العربي أنتج أشكالا مختلفة من الابداعات العربية، وأصبح مفردة أساسية في النتاج الفني والثقافي، مع اتساع فضاء الحرية، بوصفه ثمرة لانتصار التغيير، وبالتالي من المتوقع عودة «دراما الوعي واحترام عقل المشاهد وكشف المسكوت عنه» الى مسلسلات رمضان، بعدما كان هذا المحتوى مغيبا طوال عقود من الزمن، علاوة على توقع أعمال درامية تتجاوز الممنوعات التقليدية، وتفتح الباب أمام طرح قضايا مهمة في المجتمعات العربية، كانت مغيبة أو مهمشة أو موضوعة في قائمة «المسكوت عنه».
حول التغيرات المتوقعة في دراما رمضان، أكد ممثلون ومخرجون أن الفنانين الشباب سيكون لهم دور كبير في تلك الأعمال، إذ من المتوقع أن يتعرف المشاهد العربي إلى نجوم جدد، من غير المكرسين منذ سنوات، لذلك ستزخر الشاشة في رمضان المقبل بوجوه وطاقات جديدة، في التمثيل والاخراج والجوانب الفنية الأخرى.
وتوقع فنانون أن تدخل بعض الأعمال التلفزيونية مجال السيرة الذاتية، بشكل أو بآخر، وستتناول في جوانب منها، تصريحا أو تلميحا، سير الرؤساء الذين أسقطت الثورات أنظمتهم، وهم زين العابدين بن علي وحسني مبارك ومعمر القذافي وعلي عبدالله صالح، وستكون ملامحهم موجودة في المسلسلات التي يتوقع أن تستقطب كثيرا من المشاهدين. وأشاروا إلى أن ملامح من شخصيات الرؤساء المخلوعين ستكون حاضرة دراميا خلال السنوات المقبلة أيضا، وبأشكال متعددة.
إنقاذ الدراما المخرج اسماعيل عبدالحافظ، قال ان الربيع العربي سيصاحبه ازدهار للدراما التلفزيونية من خلال ترسيخ وتطبيق قواعد الديمقراطية التي تمنح كل انسان حق التعبير عن نفسه، وعن رأيه في حدود الاحترام، اضافة الى تراجع الاعمال السطحية التافهة التي تتعمد الاستهتار بعقلية المشاهد وتضليله. وشدد على ضرورة وجود تعاون كبير من المنتجين الباحثين عن الاعمال الجادة والهادفة من أجل إنقاذ الدراما التلفزيونية، لأن الجميع شاهد في الفتره الاخيرة زيادة عدد المسلسلات المعروضة الى أن أصبح المشاهد غير قادر على المتابعة، وعلى الرغم من كثرة العدد إلا أن معظمها «معدومة الفكر». وأضاف عبدالحافظ ان «الثورات العربية تحتاج الى كثير من الاعمال الدرامية التي تتناول تفاصيلها من جميع الزوايا». وأكد أن «الثورات لم تنته بعد، خصوصًا لوجود الكثير من الجوانب والاسرار التي لا نعرف عنها شيئاً حتى الآن، فلا يمكن أن يقوم أحد الآن بعمل يجسد الثورة، ولكن يمكن أن يكون هناك بديل بعمل يتحدث عن روح الثورة». |
كما توقع فنانون آخرون تعزيز التعاون والإنتاج المشترك والمشاركة بين الفنانين العرب من مختلف الدول في الاعمال الدرامية، معبرين عن تفاؤل بما سموه «وحدة عربية فنية» تجمع عددا كبيرا من الفنانين العرب من اقطار عدة ليعبروا في اعمالهم عن المرحلة الجديدة، موضحين أن الدراما السورية، هذا العام، ستكون أقل حضورا من السنوات الماضية، مع استمرار الثورة السورية التي انطلقت في منتصف شهر مارس من العام الماضي، إذ يتعذر ان يكون الانتاج الدرامي السوري بحجمه الذي شهدته سنوات ما قبل الثورة، لكنهم أوضحوا أن ممثلين ومخرجين توجهوا إلى تصوير أعمالهم في الإمارات، التي تحولت إلى مركز لإنتاج الدراما.
في حين ذهب البعض الى انهم يتوقعون تراجع حضور فنانين وقفوا ضد ثورات بلادهم على الشاشة هذا العام، لان شعبيتهم تراجعت لدى المشاهدين العرب، اذ ان ظهور اي منهم مجازفة كبيرة من قبل صناع العمل. واضافوا ان الصدراة في شاشة رمضان ستكون ستكون للأعمال الخليجية والمصرية.
ديمقراطية الدراما
الفنان الاماراتي حبيب غلوم قال «يجب علينا الفصل بين ما هو كائن وما يجب أن يكون»، موضحا ان «الدراما العربية حاليا غير قادرة على قراءة وتحليل أثر ثورات الربيع العربي، لأن ما يحدث من ثورات، لم تظهر ثماره الى اللحظة بشكل واضح ومتبلور».
وأضاف ان معظم المسلسلات التلفزيونية «ستعالج القضايا المتعلقة بالربيع العربي بشكل سطحي لن تخدم المتلقي كثيرا»، مشيرا الى ان هناك كتابا حاولوا كثيرا أن يرصدوا الحالة بشكل درامي، لانهم «يريدون توظيف هذه النقلة الاجتماعية والسياسية، لكنهم سيكونون مقصرين»، وفق رأي غلوم الذي أكد أن «المبدع لا يتوقف عن الانتاج، مهما تعددت التحديات، والدليل ان هناك أعمالا درامية سورية، وعلى الرغم من قلتها ستعرض في رمضان».
وبعد الربيع العربي استقطبت الإمارات انتاج وتصوير اعمال درامية، خصوصا مع التسهيلات التي تقدمها مؤسسات الانتاج وكذلك تسهيل الحصول على تراخيص للتصوير، علاوة على الاعلان عن مشروع قرية التصوير في الشارقة التي ستوفر بيئة مناسبة للاعمال الدرامية السورية بتفاصيلها كافة، وكذلك للاعمال الاردنية، وقد تلقت القرية طلبات عدة في هذا الشأن قبل استكمال انشائها، اذ من المتوقع افتتاحها العام المقبل.
واستبعد الفنان حبيب غلوم ان يكون معيار المنتجين والمخرجين في اختيار الممثلين مبنيا على مواقف هؤلاء الفنانين من الثورات الشعبية في بلادهم، وقال إن «صانع العمل لن يبحث عن فنانين وقفوا مع ثورات بلادهم ويقصي من وقف ضدها، فالشكل الجديد الذي تطرحه الثورات هو الديمقراطية، اذ ان قبول الرأي والرأي المخالف جزء من الديمقراطية، ولا يجوز ان يعاقب الفنان على رأيه». وأضاف «ما يحدث حاليا أننا بوصفنا فنانين، اقتربنا من بعضنا بعضا أكثر، فالفريق متعدد الجنسيات العربية وكذلك الخبرات، ما يشكل وحدة عربية فنية تسبق الوحدة العربية السياسية».
شكل جديد
الناقدة المصرية ماجدة خيرالله، قالت إن «وجود فنانين من جنسيات عربية متعددة في الدراما العربية سيكون أول نتاج ما بعد انطلاق ثورات الربيع العربي، خصوصا في ما يتعلق بالفنان السوري اذ سيكون استقدامه الى بلاد أكثر أمنا هو واجب للاستفادة من ابداعه واسهامه في الحراك الفني».
وأكدت أن تأثير الربيع العربي سيظهر على طبيعة الدراما التلفزيونية وغيرها، «سنشهد شكلا جديدا كليا في الدراما العربية بشكل عام من قصص وحكايات تروى بشكل مباشر وغير مبطن، إذ أننا اصبحنا في زمن الحرية ولا يمكن التراجع عن التغيير الذي حدث».
سقف السماء
حول الاشكال الجديدة المتوقعة في الدراما التلفزيونية العربية، قال الفنان الاردني جميل عواد «نحن أمام اختبار حقيقي لقيمة الفنان داخلنا، اذ أتتنا الفرصة لان نكون جزءا حيا في حياة الشعوب بنقل الحقيقة لهم مباشرة ومن دون تشويه»، مؤكدا أن «الحرية الإبداعية سقفها السماء وقوتها الأرض، وذلك بعد انطلاق الربيع العربي الذي سيزهر حرية وإبداعا في الحياة العربية».
وأضاف عواد صاحب التجربة الفنية الكبيرة في الدراما الأردنية «توقعاتي أن تحمل الدراما العربية هموم الناس، لتغدو صوت الشارع بشكل حقيقي وأكثر قربا من صورة الناس»، مضيفا ان «الدراما العربية ستشهد حالة متميزة من الوحدة والتعاون والمشاركة والانفتاح، اذ سيشارك كثير من الفنانين العرب في المسلسلات، جنبا إلى جنب، وسيتعرف المشاهد العربي إلى فنانين كان دورهم محصورا في الدراما المحلية في بلادهم»، مؤكدا أن الربيع العربي يستحق أن تقدم له أعمال تلفزيونية وسينمائية تليق به وبشبابه وشعوبه.
احترام العقل
قالت الممثلة الاردنية عهود الزيود، حول دراما رمضان المقبل وتوقعاتها عن المحتوى والاشكال الجديدة «بشكل عام تتوافر الان مواد ثرية للدراما، من خلال قصص انسانية متعددة المجالات، مما يحدث في الشارع العربي، وانعكاسات ذلك اجتماعيا وفنيا». وأضافت «هناك الكثير من القصص التي سترصدها عين الفنان وعين الكاتب، خصوصا خلال ثورات الربيع العربي».
وأضافت أن الربيع العربي حقق فضاء جديدا للابداع وحريته وحرر طاقات الشباب في مختلف المجالات، اذ ان «أهم ما سيحدث أن سقف الجرأة في تقديم الدراما سيكون عاليا ومتناسبا مع جرأة الثورة، وستتناول الدراما كثيرا من الظواهر المسكوت عنها في مجتمعاتنا العربية، بما يعزز احترام عقل المشاهد».
تجار الفن
قال المخرج السوري نبيل المالح ان «الدراما العربية ستشهد تجارة بمشهد الربيع العربي»، مشيرا الى ان من يفعلون ذلك ليسوا فنانين بل تجار في الفن، مضيفا ان «الفنان الحقيقي لا يورط نفسه أبدا في أن يكون جزءا من تجارة موضوع حي ومباشر، خصوصا الفنان في سورية».
وعن واقع الرقابة على الاعمال الفنية، أضاف «قبل الثورة في سورية، كانت الرقابة شديدة جدا على المواد المكتوبة، وكل حرف يمر على الرقيب، وقد ازدادت الرقابة شراسة بعد انطلاق الثورة، إذ إن الاعتقال مصير كل من يكتب سطرا ضد النظام». وأكد أن «الاعمال الدرامية السورية التي ستنتج هذا العام ستكون بعيدة كل البعد عن الواقع المأساوي الذي يعيشه الشعب السوري، في ظل كل هذا القتل الممنهج ضد كل من نادى من اجل الحرية»، موضحا أن الدراما السورية خلال شهر رمضان المقبل «ستكون كوميدية، أو تاريخية، لكنها لن تكون راصدة لواقع تعيشه سورية التي تطالب بحريتها».
وكشف عن أن «فنانين كثرا تم اقصاؤهم عن العمل في مسلسلات سورية بسبب مواقفهم ضد النظام السوري». وقال «أنا شخصيا أكتب عملا عن السنوات الـ40 الماضية في سورية، وما فعله النظام الى يومنا هذا، وأعرف أنه لن ينتج في هذه المرحلة تحديدا».
وعن الدراما العربية، قال المالح ان «المادة الدرامية في ظل الربيع العربي هي مادة رابحة وليست نابعة من هم انساني وواقعي، فلن تكون على مستوى الثورات، خلال المرحلة الحالية».
آراء
قال محمد الدحام (33 عاما)، إنني «اتوقع مشاهدة دراما فيها خليط من الفنانين العرب يقدمون قصصا مما يحدث حولنا من مأساة، خصوصا في سورية التي تستحق عملا دراميا يوقظ من لايزال يدعم نظام الاسد».
ووافقته الرأي محاسن المولى (30 عاما)، وقالت «أنا على يقين أن الدراما السورية هذا العام لن تكون بالزخم الذي نعرفه، وستحرص ان تتوجه إلى الكوميديا اكثر من طرح موضوعات اجتماعية في ظل ما يحدث في موطنها من قتل وتشريد.
وأضافت «لكننا سنرى عددا من الفنانين السوريين في اعمال عربية متنوعة، ومنهم من يصور أعماله في الإمارات التي اصبحت مركزا للانتاج الدرامي والتصوير».
في المقابل، قالت المعلمة سيرين خالد (40 عاما)، «لن يجرؤ صناع الدراما ان يقدموا أعمالا لا تتناسب وعقل المتلقي العربي، وهنا المحك الحقيقي، مع أنني لا ارى أن موضوع الثورة سيأخذ الشكل الواعي والعميق، بل سيكون تجاريا بامتياز لدى عدد من المنتجين». وقالت نها الياسين (19 عاما)، «اذا شاهدت عملا دراميا واحدا يستهين بعقلي ويقدم لي حقيقة ناقصة أو مشوهة، سأتحدث عنه عبر مواقع التواصل الاجتماعي». وأضافت ان «الدراما يجب أن تكون جزءا من واقعنا ومعبرة عن همومنا، وليست ضد الناس».
وقال طارق أبوالهنا (39 عاما)، إن «دراما هذا العام الرمضانية ستكون المحك لا محالة»، موضحا «سنشاهد ما صنعه ثوار الربيع العربي مجسدا عبر حلقات درامية يجب أن تكون على مستواه، حيث قدم الشباب العربي نموذجا للحرية والكرامة، ويجب على صناع الدراما أن يكونوا قد تنبهوا إلى هذه الجزئية».