«يدا أبي» لغة الإشارة أبلغ من الكلام
أصدر مشروع «كلمة» للترجمة التابع لهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة رواية جديدة بعنوان: «يدا أبي» للكاتب الأميركي مايرون أولبرغ، نقلها إلى «العربية» مازن معروف. وفي هذه الرواية اختار أولبرغ شظايا من عالمه الخاص طفلاً، ليسلط من خلالها الأضواء على الفواصل التي تقف بين عالم الصم والبكم، والعالم الصوتي، وهي فواصل اجتماعية وبيئية ونفسية، قبل أن تكون تقنية تتعلق بحاستي النطق والسمع. واعتمد الخط الزمني التقليدي في معالجة الحدث الروائي وتطويره، فالرواية تبدأ مع ولادة الكاتب عام ،1933 لتشير من خلال ظروف هذه الولادة إلى أبويه الأصمين، وخلفيتهما الاجتماعية في باقة من المفارقات. وفي خضم أزمات على المستوى اليومي، عاشها الفرد الأصم تلك الفترة، نتيجة لسوء فهم المحيط له، واعتباره «معطوباً».
يجد والد أولبرغ وظيفة وسط ضجيج آلات الطباعة، من هنا تبدأ الحياة بالتأرجح، مرة لمصلحة الأب العنيد والمثابر والمصر على تساويه في الحقوق مع الآخرين، ومراراً لمصلحة مجتمع خرج من الحرب العالمية الثانية، كما دخلها: غير مؤمن بحقوق الصم والبكم وبلغتهم الخاصة، وهي لغة الإشارة التي يعتبرها أولبرغ الأبلغ من لغة اللسان، لتَدَخلِ الجسم كله، فيها. وبخفة حكواتي محترف، ننفذ إلى عالم المؤلف الشخصي، عالم جدير بعمقه وبساطته وغرابته وخصوصيته، لكنه جدير كذلك بأن نتقاسمه جميعاً، وأولبرغ الكاتب المعروف بمؤلفاته للأطفال، التي نال عنها جائزة تقديرية، يعتمد أسلوباً توصيفياً مباشراً، سردياً، حميمياً يحول المادة التي بين يدي القارئ، إلى ملكية شخصية، كما يحول عالمه «المنمنم» والخاص، إلى حديقة من المعاينات التي تسير فيها الفكاهة والتأمل جنباً إلى جنب. ولأنه وُلد لأبوين أصمين، خلال الثلث الأول من القرن المنصرم، فإن ذلك لا يمر مرور الكرام أمام ناظري المجتمع المحيط به، إذ إنّ الأشخاص المصابين بعاهة خلقية، كان يُنظر إليهم أناساً لا تتوافر فيهم شروط الإنسان «الطبيعي» وكانوا يُنبذون أو يُستغلون في أحسن الأحوال.
ولادة الصبي مايرون تشكّل خشبة الخلاص للأب صاحب سوء الفهم المزمن مع محيطه القائم على الصوت، إذ يولد الابن سليماً قادراً على النطق والسمع، وهو ما يشكل إغراء وجودياً للوالد، فيعمل بكل السبل على تعزيز «ذاكرة الصوت» لدى الطفل، مرعوباً من احتمال تحوله مستقبلاً إلى مثيل مصغر له. ينفذ أولبرغ، من خلال هذه الأحداث الدقيقة إلى أزمنة أبعد، مكملاً إطار صورة أبيه، مذ كان طفلاً، ثم شاباً وأخيراً رجلاً متزوجاً ووالداً، ورغم توزّع الرواية بين أبيه وأمه وأخيه إروين، غير أن مايرون أولبرغ يقرب المجهر أكثر من صورة الأب مقارنة بالآخرين، فهو، بُعيد بلوغه السنوات الأولى من حياته، تتحتم عليه ملازمة والده، كـ«قناة صوتية»، أو مجرد أداة للاتصال مع العالم الخارجي والتفاهم معه، يصبح الولد مطلوباً، بشكل أو بآخر، للعمل، ويتم استدعاؤه للقيام بتفسيرات كما لتبليغ رسائل، فالوالد يرى فيه الترجمان السريع، والمؤدي دوره من دون اعتراض.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news