«دراما الجيب».. الثورة وصلت إلى التمثيل
«الصورة سلاح» هذا ما أدركه الثوار العرب الجدد، الذين باتوا يبحثون عن طريق أخرى لنشر معاناتهم اليومية، فابتكروا نوعاً جديداً منأ الصناعة الدرامية من خلال تصويرها عبر هواتف الجيب بمحدودية إنتاج ضئيلة والاستعانة بموهوبين يريدون أن يكون لهم الدور في نقل الحقيقة، ولو من خلال كوميديا سوداء، اضافة الى مسرح الشارع المتنقل الذي قد يتعرض ممثلوه للقتل أيضاً برصاص من قناص، انتهاء بأفلام قصيرة تحكي الحدث بالتوثيق، هذا النوع من الفن الجديد والمبتكرأ يظهر جلياً بسورية في خضم ثورتها المستمرة، وظهر في الأردن أيضاً التي تحاول جاهدة القضاء على الفساد، وفي مصر منذ بداية ثورتها.
أثر الصورة
الصور الفوتوغرافية المروعة التي تأتي من المجازر التي يرتكبها النظام السوري بحق شعبه، والتي يصرّ على انها نتيجة اعمال عصابات ارهابية، لم تستطع تغيير الموقف الدولي تجاه الثورة السورية، فالحال حسب المخرج السوري نبيل المالح «ليس كحال الثورة التونسية التي غيرت فيها صورة مفجر الثورات العربية محمد البوعزيزي، وهو يحرق جسده ليتناثر شراره الى المنطقة كلها وانتهت بهروب بن علي، وليس كصور التعذيب والقتل التي تعرض لها ثوار ميدان التحرير في مصر، والتي كانت نتيجتها خلع محمد حسني مبارك من منصبه كرئيس، وحتى اليمن كانت الصورة فيها فاعلة في تغيير مواقف واتخاذ قرارات لعزل علي صالح من منصبه، وكانت الصور الاشد ترويعاً التي توازيأ بشاعة الصور التي تأتي من سورية في ليبيا، حيث كان قرار التدخل العسكري سريعاً».
وربما كان اصل الحكاية من خلال الصورة التي تسببت في إنهاء الحرب الأميركية على فيتنام، والتي التقطت في يونيو عام 1972 وتظهر فيها الطفلة الفيتنامية «كيم فان» عارية تجري صوب الكاميرا وهي تصرخ من آلام احتراق جسدها، بفعل القنابل الحارقة.
«حرية وبس»
مسلسل دمى «الشبيح الأول -يوميات ديكتاتور» هو عنوان لمسلسل سوري يعرض هو الآخر على شبكة الانترنت، ومصور عبر كاميرا الهواتف المحمولة تستخدم فيه الدمى شخصيات رئيسة، ويندرج في اطار الكوميديا السياسيـة، وبث المسلسل الى الآن ثلاث حلقات الأولى بعنوان «كوابيس بيشو»، والثانية بعنوان «من سيقتل المليون»، ولا يتضمن أي اشارة الى اسماء القائمين عليه وفي تعريف فريق العمل للمسلسل «أسمينا فريق العمل بفرقة (مصاصة متة) للمعنى الشعبي الذي يحمله هذا المشروب، حيث يشرب (المتة) شريحة واسعة من الناس في سورية، كما أن طقس شرب المتة طقس حميمي واجتماعي بامتياز»، والعمل قائم «للمطالبة بحق الشعب السوري بالاحتجاج على اختفاء مشروب (المتة) من الأسواق بشكل مريب». وحول استخدام تقنية الدمى في البرنامج يوضح التعريف بالعمل «لأن الدمى تقنية جديدة وخاصة وغير مطروقة، وثانياً من الممتع أن يقوم الممثل بالتمثيل تحت اسم شخصية مستعارة ساخرة وناقدة».
|
مسلسل «حرية وبس»، على سبيل المثال وليس الحصر يعتبر سلاحاً بيد معارضين شباب ارتأوا أن يكون موضوعه الرد على كل خطاب يلقيه الرئيس السوري بشار الأسد بشكل كوميدي وساخر، ويقوم الثنائي اللذان لا يذكران اسميهما ببث الحلقات عبر شبكة الإنترنت، اضافة الى تسليط الضوء بحكايات من الشارع السوري الثائر، وهو قائم على شابين يجلسان حول طاولة ينتقدان بشكل ساخر عبثية النظام القائم، ففي إحدى الحلقات يتابع الممثلان الاخبار على القنوات التلفزيونية وفي الوقت الذي تركد المحطات المحلية السورية على الهدوء والأمن نسمع اطلاق نار ليسأل احدهما عن الذي حصل، فيجيبه الآخر الذي يركز فقط على الاخبار لا شيء، بعد ذلك تزداد الصرخات وأصوات التفجيرات والرصاص والمذيع أثناء النشرة يصر على ان الأمور تشبه زقزقة العصافير في سماء صافية، فـ«حرية وبس» مسلسل بسيط ينقد الوضع المأساوي للشعب السوري بنظرة كوميدية، ويصور عبر اجهزة كاميرا هاتف محمول، او عبر كاميرات فيديو منزلية.
في المقابل، ظهر مسلسل آخر «شخابيط ثورية» وحسب تعريف مبتكري العمل الذين لا يذكرون اسماءهم ايضا «شخابيطنا هي جرة قلم بسيطة، صفصفة أوراق متناثرة، رؤية وحلم أوشك أن يتحقق، ولدت من رحم الثورة السورية، من بنات أفكار الشباب السوري، قالب جديد نطرح من خلاله أفكارنا وتصوراتنا، هي مساحة حرة نصوغ من خلالها مستقبلنا كما نريد، وكما يجب أن يكون»، ويقوم هذا العمل بتسليط الكاميرا عادة عبر هاتف جوال على يد تحمل قلماً وتكتب افكاراً للثورة السلمية بعيداً عن السلاح، وتقدم مقترحات للثوار ولمطالبي الحرية بطريقة ابتكارية.
مسرح الـ «يوتيوب»
وفي الأردن الذي يطالب شعبه بالقضاء على الفساد في الدولة ظهر نوع آخر من التعبير عن الرأي، من خلال ما يسمى بمسرح الشارع الذي يصور هو الآخر عبر كاميرات بدائية لنقله على الـ«يوتيوب».
أحمد سرور أحد أعضاء مسرح الشارع في الأردن قال «الفن جزء لا يتجزء من التغيير والحاجة للتغيير، لم ننقل اعمالنا الى الـ(يوتيوب) الا لهدف نشر الفكرة، فنحن مستمرون في الشارع وفي عروضنا»، مؤكداً أن الفكرة كانت وليدة ضغط يعانيه هو وزملاؤه من حال البلد «فقررنا كوننا ننتمي الى طبقة الفنانين كحرفيين وكمتعلمين لهذا الفن أننا يجب ان يكون لنا دور في التغيير، فكان العرض الاول الذي حمل عنوان (نعم للجوع نعم للفقر لا للحرية لا للديمقراطية) أول رسالة لنا للحكومة بطريقة ساخرة»، وهي فرقة تجول في مختلف مناطق الأردن، لتقديم عروض تتناول مختلف القضايا التي تهم المواطنين، فقد حاول الشباب الثلاثة احمد سرور وأمجد حجازين وسليمان الزواهرة، كسر الصورة النمطية للمسرح، عبر وجودها في قاعات محددة، وانطلقوا الى اماكن بعينها ينتقونها بأنفسهم لطرح موضوعات بكل جرأة وبشكل ارتجالي.
في المقابل، وحديثاً قدم الفنان السوري جلال الطويل، الذي تعرض للتعذيب والقبض عليه وهو يحاول الهرب الى الأردن وإعادته وإجباره عبر شاشة التلفزيون السوري بقول اكاذيب تخدم النظام الحاكم، أول ردة فعل له بإصرار وقوفه الى جانب الثورة السورية، عبر تقديم دور مع فرقة «كون» في مسرحية «جثة على الطريق»، للكاتب سعدالله ونوس، ويقول الطويل «هذه هي حكايتنا التي نريد أن نحكيها عبر الفن، نريد ايصالها للعالم كله بطرق ابداعية تصل الى قلب أي انسان»، الطويل الذي لن يظهر في اعمال درامية هذا العام بسبب مواقفه السياسية واقصاء تجار الانتاج له، وغيره من الفنانين الذين اخذوا جانب الشارع أكد «سأظل اقدم ادواراً على المسرح وفي الشارع وفي أي مكان لأوصل كلمة حرية الى كل بقاع الأرض».