فرقة «التشالغي البغدادي» في دبي تعيده إلى الواجهة
المقـام العراقـي.. صـــوت التراث الحي
يُعد المقام العراقي من المقامات الموسيقية التراثية التي قلّ استخدامها في هذا العصر، وبات غائبا عن الاغنيات العراقية الحديثة، فقد ارتبطت موسيقى هذا المقام بأسماء كبار المغنين في العراق، لعل أبرزهم ناظم الغزالي. وتعمل فرقة المقام العراقي التي تأسست في دبي على اعادة احياء التراث العراقي، من خلال الحفلات التي تقيمها، والتي تقدم خلالها موسيقى المقام العراقي فقط.
وقد تعرفنا من أعضاء هذه الفرقة، في حوار على هامش مشاركتهم في تقديم وصلات من المقام العراقي في إحدى المناسبات التي أقيمت في دبي، على أبرز الآلات المستخدمة لتقديم موسيقى المقام، وكيف توزع الموسيقى في ما بينها.
مقام
المقام العراقي انتشر المقام العراقي في بغداد، ولهذا استخدمت للتعريف عن هذا المقام تسمية «التشالغي البغدادي». وتدل كلمة تشالغي على التخت الموسيقي، وهي كلمة تركية تعني المجموعة التي تعزف الموسيقى. وتعود آلته الاساسية الى العهد البابلي والسومري، كما انها انتشرت في العديد من البلدان، ومنها ايران والهند وتركيا. وقد بدأ استخدام المقام العراقي في الثلاثينات من القرن الماضي، وقد ترك في العراق إرثاً كبيراً من كبار الأسماء في هذا المجال، من المغنين والعازفين، ومنهم محمد القبانجي، ناظم الغزالي، وهاشم محمد الرجب. |
يرى قائد الفرقة وعازف السنطور، أزهر كبة، أن «التراث الفني العراقي متنوع ومتعدد، ومنه الغناء الريفي والجبلي وغناء المقام العراقي، وما نقوم به اليوم هو أننا نعيد تقديم المقام العراقي، علماً بانه ليس من المتاح لنا تقديم كل المعزوفات بسبب عدم توافر بعض الآلات، الا ان السنطور، وهو الآلة الاساسية، موجود ومتوافر في الامارات». وأكد ان اختيار اسم الفرقة، والذي هو المقام العراقي او «التشالغي البغدادي» هو تجسيد للتخت العراقي المكون من آلة السنطور والجوزة والآلات الايقاعية. وحول الفرق بين السنطور، الذي يعود الى الزمن البابلي، وآلة القانون، بيّن كبة ان الفروقات كثيرة، وتتمثل بالعزف على أوتار من حديد، فيما يمكن العزف بواسطة الخشب الذي يشبه الريشة، كما ان صوت السنطور يتميز بكونه حاداً، ويبدو جلياً للمستمع انه يصدر عن حديد. ولفت الى ان أبرز ما يميز معزوفات التراث العراقي هي الآلات الموجودة فيها، ففي المقام العراقي لابد من وجود السنطور والجوزة والآلات الايقاعية، بينما في الغناء الريفي نستخدم المزمار والطبول، أما في البصرة فيستخدم القانون والناي والعود، وهذا كله يظهر التنوع في الفن العراقي بين المناطق المختلفة.
وتعرض الفن العراقي للكثير من التغييرات، كما الفنون الأخرى، فالتراث يتعرض لعملية تغيير في العالم كله، هذا ما أكده كبة، الذي أضاف «موجة الموسيقى الحديثة استنبطت من التراث وتطورت، كأي شيء في الحياة، فالناس باتت تبحث عن الجديد، ولهذا ظل من يحافظ على التراث، لأن هناك رغبة دائمة عند البعض في العودة الى القديم بين وقت وآخر». وأشار الى أن «الظروف السياسية تؤثر في الشعب بصورة عامة، والموسيقى حتماً ستتأثر بالظروف، فالشعب العراقي استنزفته الحروب في الفترة الاخيرة، وهذا أدى الى وجود موسيقى عراقية غريبة، وجدت بوجود المناخ السياسي الذي نعيش فيه».
وتتوزع الأنغام الموسيقية بين الآلات بطريقة متوازنة، وقد أوضح كبة توزيعها، «ان التوزيع لا يعني ان الموسيقى ستكون صادرة عن الآلات وفق خط واحد، بل يجب توزيعها بأسلوب يجعلها تظهر روعة كل آلة بشكل مستقل، لأن الآلات العربية تتميز عن الغربية بكونها آلات منفردة». ونوه بأن الزمن الذي وجد فيه الفن التراثي من الصعب ان يتكرر، وليس بالضرورة ان الآتي ليس جميلاً، ولكن الحياة في تغير مستمر، وليس هناك من ثبات، ودائما نشعر ان الذي مضى كان افضل.
آلة عربية
أما عازف العود صفاءالدين جبار، فلفت الى أن العود يعد من الآلات العربية المستخدمة في الوطن العربي والخليج، لكنها بالمصطلح الموسيقي تختلف بالروحيات وثقافات الشعوب المتباينة، واعتبر جبار ان بعض الآلات أصبحت شبه مندثرة وغائبة. وحول أنواع الموسيقى لفت الى أنهم يختارون أعمال الأسماء العريقة التي قدمت المقام العراقي، ومنهم ناظم الغزالي ومحمد القبانجي، وغيرهما من الاسماء الكبيرة. وأكد ان لكل عصر ولكل زمان تقنياته ومميزاته، ولكن على الرغم من ذلك فان العود مازال محافظاً على وجوده في الموسيقى، لكن قد لا نراه في الحفلات، إلا أن هناك أسماء كبيرة كانت تعزف على العود، وقدمت اعمالاً مميزة، وكذلك أصدرت البومات لعزفها على هذه الآلة.
من جهته، عازف الايقاع حسن صدام، لفت الى ان الايقاع في المقام العراقي، يشبه الى حد كبير درس الرياضيات، اذ يتمتع بالالتزام بالنوتات، وهو بطبيعة المقام العراقي يكون راكزاً وهادئاً، وإيقاع «الجورجينا» هو ابرز الايقاعات وأكثرها تميزا ضمن الايقاعات التي نعزفها. ولفت الى أن الآلة الايقاعية تعد من أهم الآلات في الفرقة الموسيقية، لأن ارتكاز كل الموسيقيين يعتمد عليها، كما ان تفاعل الناس وتصفيقهم يكون مع الايقاع، ولهذا تعد من الآلات الاساسية. واعتبر صدام، عازف الايقاع اكثر عازف يتعب بالموسيقى في الفرقة، فهو يبذل جهداً كبيراً، لانه لا يضرب على الوتر، وانما تتحرك يداه طوال الاغنية، وليس لديه المجال ليخفت أو يتوقف، وبين الآلات الايقاعية المتباينة، اكد ان الايقاع العراقي الحديث يعتمد كثيراً على الطبلة، والرق، وآلة الخشبة الحديثة التي باتت اساسية في الاغنيات العراقية. ولفت الى انه شخصياً يضم كاظم الساهر الى مدرسة ناظم الغزالي وسعدون جابر وغيرهما من الكبار، وذلك لأنه قدم فناً مختلفاً ومميزاً. اما الفن العراقي، بالإجمال، فقد قيّمه بأنه فن حزين وليس فناً فرحاً، لكنه في الختام جعل الناس تبحث عن الفرح، وتبتكر في الآلات.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news