«سنغا» «بورا».. مدينة تعيش في قلب حديقة

تقع حدائق الخليج على ضفاف الناحية الغربية من خليج مارينا في قلب مركز المدينة الجديد في سنغافورة أو «سنغا» «بورا».

و«سنغا» «بورا» هو أصل اسم الجزيرة الخضراء المكون من كلمتين تعني باللغة السنسكريتية مدينة الأسد، نسبة الى مؤسسها الأمير السومطري، سانجا نيلا اوتاما، أول المكتشفين للجزيرة الواقعة في جنوب شرق آسيا، والذي يقال إنه حين وطأت قدماه أرض الجزيرة شاهد أسداً اثبتت البحوث في ما بعد أنه كان نمراً، الا انه في ذلك الوقت اطلق على البلد اسم مدينة الأسد، فحملت الاسم حتى صار في عام 1986 شعارها الرئيس شكل رأس أسد ميرليون بجسم سمكة، وهو الذي تشاهد تمثاله في مواقع مختلفة في المدينة، من بينها الساحة المقابلة لمحطة الرحلات النهرية في خليج مارينا.

«الإمارات اليوم» زارت حدائق الخليج مطلع الشهر الجاري، بعد أيام فقط من افتتاح رئيس الوزراء السنغافوري، لي هسين لونغ، الحديقة الجنوبية، أكبر حدائق الخليج، وذلك ضمن سلسلة من الجولات واللقاءات الصحافية التي قامت بها ضمن مشاركتها في اعمال البرنامج السادس للصحافيين العاملين في منطقة الشرق الاوسط الذي تنظمه سنوياً كل من وزارة الخارجية ووزارة الاعلام والاتصالات والثقافة في سنغافورة.

ويمثل مشروع الحدائق المعروفة باسم Gardens by the Bay ويمتد على مساحة 101 هكتار جزءاً أساسيا من منظومة بيئية مستدامة، تحتكم الحكومة السنغافورية الى شروطها في تنفيذ كل مشروعاتها، سواء الاقتصادية منها أو الاجتماعية، منظومة شعارها «مدينة في قلب حديقة».

وتبلغ مساحة الحديقة الجنوبية التي لايزال بعض من انحائها قيد التجهيز 54 هكتاراً، وتتكون من مرافق تترجم الفلسفة التي شيد على اساسها مشروع حدائق الخليج، مفادها خلق علاقة بين الانسان والطبيعة بطرق مختلفة ومبتكرة تحفزه بشكل ذاتي على المحافظة على خيرات الأرض الطبيعية وحماية البيئة، في سبيل الحفاظ على ما تبقى من الموارد المائية والزراعية والثروات الطبيعية بمختلف انواعها، التي نهشتها مخالب التقدم الصناعي والجشع الاقتصادي.

وتتكون حدائق الخليج من ثلاث حدائق بحرية، بالإضافة الى الحديقة المركزية والحديقة الشرقية والحديقة الجنوبية، التي استهلت افتتاح الحدائق بفتح ابوابها للجمهور أخيراً.

حدائق عمودية

تضم الحديقة الجنوبية حدائق عمودية على شكل أشجار عملاقة، كما تزينها كل من قبة الزهور الزجاجية والغابة الزجاجية المطيرة، الى جانب الحديقة التراثية وموقع عالم النباتات وبحيرة دراغون فلاي.

ويطمح مشروع حدائق الخليج، الذي يعد واحداً من مشروعات عديدة تنفذها سنغافورة تحقيقاً لشعار «مدينة في قلب حديقة»، الى تشجيع التشجير وزيادة حجم المساحات الخضراء والازهار في الجزيرة الصغيرة التي لا تزيد مساحتها على 710 كيلومترات مربعة، بينها نحو 170 كيلومترا مربعا، تم تعميرها فوق المسطحات المائية المحيطة بالجزيرة للتغلب على مشكلة صغر حجم اليابسة وارتفاع معدل الكثافة السكانية، حيث تسجل سنغافورة بعدد سكانها البالغ خمسة ملايين نسمة ثاني أعلى دولة في العالم في الكثافة السكانية بعد موناكو، كما تعاني ارتفاع نسبة ثاني اكسيد الكربون في اجوائها نتيجة اسباب عدة، اهمها ارتفاع الكثافة السكانية والدخان الذي يُحمَل لسنغافورة موسمياً من مناطق احتراق الغابات بإندونيسيا، علماً بانها حصلت في مؤشر جودة الحياة الذي أعدته في عام 2005 وحدة الاستخبارات في مجلة «الإيكونيميست»، على المرتبة الأولى في آسيا والمرتبة الحادية عشرة على مستوى العالم.

الأشجار العملاقة

يراوح طول الاشجار العملاقة البالغ عددها 18 شجرة، والممتدة في مناطق مثل الحديقة الذهبية والحديقة الفضية والسوبر تري غروف، بين 25 الى 50 متراً، ويمثل كل منها حديقة عمودية مستقلة تجمع بين جنباتها المتدرجة داخليا انواعاً شتى من الازهار الاستوائية تلتف بشكل دائري حول جذع الشجرة، وتعكس كل منها ليس شكل الشجرة الطبيعية فحسب، بل إن ادارة كل جزء فيها يقترب الى حد كبير، عبر طرق ري نباتاتها واستقطاب اشعة ضوء الشمس، من العملية البيولوجية الطبيعية التي تضبط ايقاع الحياة في أي شجرة طبيعية، كما يمتلك بعض منها خلايا كهروضوئية تعمل على تحويل أشعة الضوء الى طاقة كهربائية تستخدم في إضاءة رؤوس الاشجار ليلاً.

الحديقة التراثية

الحديقة التراثية تضم اربع حدائق تقص حكاية تراث وتاريخ الاثنيات الرئيسة الثلاث المكونة لشعب سنغافورة، بالإضافة الى حديقة التراث الاستعماري. وتضم الحديقة التراثية الحديقة الهندية التي تحكي تراث المهاجرين الهنود الاوائل، فيما تمثل الحديقة الصينية ثقافة الآباء القدامى الذين ركزوا على العلاقة مع الطبيعة وفكرة تحقيق التوازن الداخلي، من خلال اعادة احياء النظام الطبيعي باستخدام الصخور والمياه والاشجار المقلمة. أما الحديقة المالاية Malay فإنها تحكي قصة الحياة في قرية تقليدية، وتعرض النباتات التي استخدمها شعب المالاي القديم، فيما تضم الحديقة الاستعمارية بعض النباتات التجارية التي جلبت الى الجزيرة، مثل بعض الانواع الفاخرة من التوابل.

القباب الأيقونية

تعد القبتان الهلاليتان الزجاجيتان المبردتان علامة أيقونية في مقتنيات الحديقة الجنوبية، بل في كل ارجاء منطقة خليج مارينا، احدهما هي «فلور دوم» Flower Dome والأخرى هي الغابة المطيرة «كلاود فورست» Cloud Forest.

وتمثل هذه القباب أو البيوت الزجاجية الخضراء نموذجا تطبيقيا لأنواع الحلول المستدامة المستخدمة في الحفاظ على الطاقة. وفي هذه البيوت تُحكى أيضا قصة العلاقة بين النباتات والانسان والنظام الايكولوجي، عبر وسيلتين إحداهما تتمحور حول عرض نحو 226 الف نوع من النباتات، التي جمعت من كل بلدان المعمورة، والتي من بينها الكثير من النباتات المعرضة للانقراض بسبب الاحتباس الحراري والانشطة الحياتية الجائرة للبيئة. أما الوسيلة الثانية فتتمثل باستحضار كل الظروف المناخية ودرجات حرارتها وانواع النباتات الموجودة في منطقة حوض البحر الابيض المتوسط وبعض مناطق جنوب افريقيا وأوروبا، مثل ايطاليا واسبانيا، وذلك في قبة «فلور دوم»، بينما تحيي الغابة المطيرة «كلاود فورست» الاحوال المناخية في المناطق الاستوائية المرتفعة بين طول 350 متراً الى 1000 متر عن سطح البحر، مثل منطقة جبل كينابالو في ماليزيا أو بعض المرتفعات الواقعة في اميركا الجنوبية.

الغابة المطيرة

أجواء الغابة المطيرة الساحرة ما كانت لتكتمل الا بتربع جبل من صنع الانسان بطول 35 متراً، تكسوه نباتات مدارية واستوائية ترسم بجذوعها وأغصانها لوحات زاهية المعالم، وينحدر من اعلاه شلال من المياه بطول 30 متراً، يقبع خلفه ممر يتيح للزائرين الانتشاء بجمال مشهد الجبل والشلال، وملامسة اهمية المصادر الطبيعية للمياه في تكون الحياة البشرية، والتعرف ايضا الى كيفية تكوين الغابات المطيرة لذرات المياه، عبر تجميع حباتها بواسطة الرذاذ والضباب.

أما جبل الكريستال فهو احدى عجائب الغابة المطيرة الفنية، فهو يضم منحوتات طبيعية من صخور معدنية تكونت من احجار كوارتزية، تم استيرادها من الصين، وهي تعكس اهمية الصخور والاحافير في حياتنا بما تقدمه من شرح لتكون القارات وتاريخ تطور الكون والحياة على الأرض.

الأكثر مشاركة