المخرجة البرازيلية الكورية تحمل الحقيقة إلى العالم عبر الكاميرا. أرشيفية

إيارا لي: سأنقل الحقيــــــقة إلى العالم بالصورة

لكل شخص في هذا العالم طريقته الخاصة في التعبير عن ردة فعله حيال ما يجري حوله من قضايا لها علاقة بالمساس بجزء من إنسانيته أو كل إنسانيته، هذا ما تؤمن به الناشطة والمخرجة البرازيلية الكورية الأصل ايارا لي، التي تعتبر أن علاقتها مع الوطن العربي بدأت من فلسطين، التي حسب ايارا لي «تنتظر أن يلتفت إليها العالم من خلال قلوبهم». لي التي يعتبرها الكيان الصهيوني معادية للسامية، أكدت في حوار لـ«الإمارات اليوم» أنها لا تخاف الموت «لأنني أؤمن بأنه آت لا محالة، لكنني أخاف أن أخفق في أن أكون جزءاً من نقل الحقيقة للعالم»، الحقيقة التي جعلتها تلتفت في الوقت الحالي الى ما يجري في سورية، «لم أتخيل يوماً أن أرى كل هذه البشاعة في قطر عربي وبيد عربية، كل الإجرام مرتبط في عقلي بشخصية هتلر أو بإسرائيل»، فقررت أن تتحدى الأسد ونظامه، على حد تعبيرها، وتمضي إلى الحدود التركية السورية لتكون مع اللاجئين وتسمع حكاياتهم، لتنتج أول فيلم لها عن الثورة السورية تحت عنوان «أعشاب تتألم»، مؤكدة «لكن الأعشاب إذا ما ارتوت تعيش مرة أخرى، وماء السوريين في هذه اللحظة هو نيل حريتهم من نظام مجرم وقاسي القلب».

الأطفال لا يكذبون

مصورة «مرمرة»

 

ايارا لي التي أسست منظمة دولية تحمل اسم الفيلم «ثقافات المقاومة»، والتي تعنى وتعمل على دعم كل قضايا المظلومين، سعيدة بأنها أقضت مضجع الكيان الصهيوني، على حد تعبيرها، وفاجأتهم بالصور التي كانت تحملها في جريمتهم تجاه من كان على متن سفينة مرمرة «عندما كنا في المياه الدولية في وسط الظلمات خرج علينا الإسرائيليون وقتلوا تسعة ناشطين، ولم يتحرك المجتمع الدولي لمحاسبتهم، لعدم وجود اي صور تؤكد هذه الجريمة»، وقالت «منذ دخولنا المياه الدولية كنا على يقين بأن اسرائيل ستقوم بالتشويش على كل أنواع الاتصالات لمنعنا من ارسال اي صور للاعلام، حينها طلبت من المصور المرافق لي أن يصور كل شيء من خلال الشرائح الصغيرة ليخبئها في ملابسه الداخلية إذا ما تم القاء القبض عليه، وفور عودتي إلى أميركا عرضت اللقطات من دون مونتاج داخل الأمم المتحدة، فجن جنون اسرائيل، وانتشرت الصور في كل وسائل الاعلام العالمية، وتعرض الكيان للكثير من البغض، ما جعله يتهمني بمعاداة السامية».

ايارا لي التي تعمل على مجموعة متنوعة من المبادرات، وتجميعها تحت مظلة المقاومة الثقافية، وهي شبكة تجمع الفنانين والمنادين بالتغيير من مختلف أنحاء العالم، تعاونت مع حملات عدة من أجل العدالة والحياة، من بينها الحملة الدولية لحظر الذخائر العنقودية، ونيويورك الفيلهارمونية الرائدة في الموسيقى مقابل الدبلوماسية، إضافة الى مشروعات خلاقة لدعم المقاومة في فلسطين وإيران ولبنان. تقول إن خصوصيتها التي تجمع بين كوريا والبرازيل أنتجت في داخلها قلباً يحتمل الجميع «فالمظلوم يشعر بالمظلومين والمقهور يشعر بالمقهورين، لذلك أشعر بالفلسطينيين وبكل فقير»، وأضافت «في عيون الفلسطينيين، مهما علت وجوههم الابتسامة، دموع تنتظر أن تنهمر في اية لحظة، عيونهم لماعة من شدة الوهن، وهذه اللمعة أكاد أراها في عين كل مظلوم على هذه الأرض، وهي ذاتها اللمعة التي وجدتها في عيون اللاجئين السوريين في تركيا»، منتقلة للحديث عن فيلمها «كل خطتي للفيلم تبدلت منذ لحظة وصولي إلى أماكن وجودهم، رأيت اللمعة فعرفت أنني في الطريق الصحيح»، وقالت «مشهد الأطفال هناك لا يختلف كثيراً عن أطفال الخيام في اللجوء الأول ولا يختلف عن مشاهد أطفال المخيمات الفلسطينية، خصوصاً في لبنان»، وأضافت «قررت أن يكون الرواة هم الأطفال، فهم لا يكذبون حتى لو كانت صيغة المبالغة في حديثهم موجودة، هم لا يكذبون أبداً»، مشيرة إلى أن فيلمها عرض في الكويت بحضور دبلوماسي وشعبي، و«ردة الفعل كانت من الجميع هي أنه آن لهذا النظام أن يرحل».

وقت العرب

لي التي عرفت بدورها في الدفاع عن قضايا العرب، واشتهرت بكونها الوحيدة التي صورت الاعتداء الإسرائيلي على الناشطين العالميين فوق السفينة التركية مرمرة، كانت حاضرة في ليبيا أخيراً، وقت الانتخابات التشريعية، وقالت «ذهبت أتنفس الحرية مع الليبيين، وشعرت بدقات قلوبهم، وفرحهم ورقصت معهم وصورتهم»، وأضافت «هذا الشعب الذي كان مغيباً أكثر من 40 عاماً قادر الآن على الفرح وعلى الرقص وعلى إبداء رأيه في كل شيء»، مشيرة الى أنها ضد تدخل «الناتو» بأي شكل من الأشكال لحل القضايا في الوطن العربي، «أدرك تماماً أن هذا التدخل جاء هناك سريعا لأجل بترول ليبيا»، مؤكدة «لكن (الناتو) لن يقدر على هذا الشعب لأنه تغير الى الأبد».

وقالت لي «انه وقت العرب الذي ظلم عالمياً وإعلامياً، وصورته التي ارتبطت بالإرهاب في عقل العالم، والنظرة الغربية المتعجرفة تجاهه وخوفه منه، اذا ما وجد في الطائرة معه، كلها أمور باتت واضحة للجميع بأن هذا العربي كان مقهوراً من كل من حوله، بداية من نظام استبدادي يحكمه، مروراً بتاريخ مشرف يعيش في ذاكرته، وانتهاء بقمع الفرد الغربي له لربطه دوماً بالإرهاب».

لحظة سينمائية

هل يمكن أن تكون الموسيقى والرقص سلاحين لتحقيق العدالة وتعزيز الوعي بقضايا الانسان؟ يجيب فيلم «ثقافات المقاومة» الذي أخرجته لي وعرض في دبي في صالة ترافيك عن هذا السؤال، فبعد قرار الولايات المتحدة الأميركية احتلال العراق عام 2003 وغزوه عسكرياً، بدأت إيارا لي ترصد عبر الكاميرا حكايات مؤلمة عبر ترحالها في القارات الخمس، إذ قابلت في أسفارها أناساً يريدون الحرية ويسعون لأجلها، منهم شعراء من أجل السلام، وكابويرا من البرازيل، ومتشددون في دلتا النيجر، وفنانون إيرانيون يعبرون عن آرائهم وأحلامهم بشعارات ورسوم على الجدران، وقادة للحركة النسائية في رواندا، ومخرجون لاجئون في لبنان، وفنانون في سورية يؤكدون دور الفن والأدب في التغيير، وناشطون من السكان الأصليين في منطقة نهر شنجو، وإسرائيليون ضد الاحتلال يناصرون القضية الفلسطينية، وفرق الـ«هيب هوب» من فلسطين، وغيرهم كثيرون ممن يروون حكاياتهم في مقاومة الظلم. عن هذا قالت لي «بعد هذا الفيلم تحديداً وجدت أن لدينا أسلحة كثيرة لا تتسبب في القتل والدماء، بل تعمل على تحفيز العقل لأن يفكر بشكل إيجابي تجاه العمل لنيل حريته»، وأضافت أن «فيس بوك» و«تويتر» استطاعا أن يحفزا على ثورة الشعب العربي ضد الانظمة المستبدة، وجعلا العالم كله يترقب هذه الثورة ويتابعها من خلال ما يكتبون، مؤكدة أن النهضة التكنولوجية جعلت السينما جزءاً من الحدث وبأقل التكاليف، موضحة أن «كل شخص الآن قادر على صناعة فيلمه الخاص حتى لو من خلال كاميرا هاتفه النقال»، وبرأيها أن «السينما حقيقة اذا ما تم توجيه الكاميرا الى الزاوية الصحيحة، وهي العامل الذي يكاد أن يكون الوحيد القادر على أن يجوب العالم كله وان يفهمه العالم كله»، مؤكدة أنها تابعت أفلاماً كثيراً خلال الثورات العربية، «وكانت أفلاماً كاملة العناصر من سيناريو وحوار وحبكة، حتى لو كانت الصورة مهزورزة، فالفيلم مهما كانت مدته طويلة أو قصيرة قادر على التغيير هو الآخر».

الأكثر مشاركة