ثقافة «التنين».. فــي ضيافة دبي

قد تكون واحدة من أصعب اللغات البشرية تعلماً، لكن تلك الصعوبة لا تنسحب مطلقاً على الثقافة والفنون الصينية، على الأقل حسب ارتفاع وتيرة إقامة فعاليات شديدة التنوع مرتبطة بهذه الحضارة التي اصطلح على تلقيبها بحضارة «التنين الأصفر»، رغم التلون والتنوع الشديد الذي بات يصبغها، لدرجة أن المشاركين في فعاليات مرتبطة بإقامة أسابيع ثقافية باتوا متمايزين على أنفسهم، حسب المقاطعات الصينية التي يحمل كل منها ثقافة مستقلة تنصهر في دائرة التنوع الثقافي للصين. من هذا المنطلق تأتي استضافة مسرح دبي الاجتماعي للفنون حالياً في دبي معرضاً يضم أعمال 25 فناناً تشكيلياً صينياً بمثابة حدث يمثل انسجاماً مع تنامي ظاهرة الحضور الصيني في دبي، ليس في ثوب تجاري هذه المرة، شأن حضورها في منظومة التجارة العالمية، لكن في إطار من التواصل الحضاري الذي تلعب فيه دبي دوراً ملهماً يستثمر التعددية الاجتماعية الثرية في دبي.

تنوع

تبادل ثقافي

أصبح المتردد على الفعاليات الثقافية والفنية في دبي، فضلاً عن حضور الفن والثقافة الصينيين، لا يعدم حضور الوجه الصيني أيضاً ،الذي يبدي اهتماماً ملحوظاً، ربما أكثر من أبناء ثقافات أخرى عديدة، بالتقارب مع الثقافة العربية، مبدئاً بتعلم لغتها، لدرجة أن واحدة من أكثر الفعاليات التي تقابل بزهد في الإقبال عليها، مثل الأمسيات الشعرية، يتصادف أحياناً أنها موضع اهتمام لأفراد من الجالية الصينية المقيمة في دبي.

هذا الاهتمام الذي يؤشر لإلى تبادل ثقافي، وليس فقط تأثير من طرف واحد لا يتأثر بالآخر على النحو السائد حالياً بين العربية وثقافات غربية، جعلت الصين واحدة من أكثر الدول خارج العالمين العربي والإسلامي استضافة لمعارض الخط العربي، حسب الخطاط التركي العالمي محمد أزجاي، ونظيره البريطاني صلاح أربيل، وهو ما يؤكده أيضاً الجزائري أمحمد صفرباتي.

علي وانغ، المواطن الصيني المقيم في دبي، ويعرفه معظم المهتمين بالشأن الثقافي تقريباً، أحد تلك الوجوه الصينية المتحدثة للعربية الفصحى بطلاقة، والمهتمة بالفن والثقافة العربيين، يؤكد من جانبه أن هناك اهتماماً صينياً متنامياً بالفنون العربية عموماً، مضيفاً: «فضلاً عن ذلك فإن الإقامة في دبي تدفع دائماً باتجاه تواصل ثقافي وحضاري شامل، أساسه التعايش والتفاعل الإيجابي المبني على التأثير والتأثر».

رغم أن النقش على الخزفيات والرسم والزخرفة والعروض الاستعراضية والفلكلورية أبرز الفنون التي يطل بها الصينيون على الثقافات المغايرة، إلا أن الفعاليات التي تحتضنها دبي بشكل متواتر تتنوع، بحيث لا تكاد تتقوقع أو تنحصر على جنس فني أو ثقافي بعينه، إلى الدرجة التي دفعت واحدة من أعرق المؤسسات الثقافية في الإمارات عموماً وهي مؤسسة العويس الثقافية إلى المبادرة بإقامة أسبوع كامل للثقافة والفنون الصينية، في حين استضافت ندوة الثقافة والعلوم في دبي أيضاً أخيراً معرض صور فوتوغرافية لأحد أهم المعالم الصينية، وهو المتحف الوطني في مدينة شانغهاي الصينية.

وجاءت عروض «أوبرا بكين» في دبي وأبوظبي بمثابة إطلالة مبهرة للموسيقى والفنون الصينية، في حين اشتملت الفعاليات المتواترة أيضاً على عروض لأفلام صينية عُرضت بين الحين والآخر في مناسبات مختلفة، من دون أن تشكل صعوبة تعلم اللغة الصينية عائقاً دون الاستمتاع بجمالياتها عبر مشاركة بعض شعرائها في أمسيات مختلفة، منها ما نظمتها فعاليات دولية مثل مهرجان طيران الإمارات الدولي للآداب، الذي استضاف نخبة من الشعراء الصينيين، ومنهم من شارك بإلقاء قصائد بلغته الأصلية في الليلة الافتتاحية للمهرجان، التي شهدت حضوراً يمثل بانوراما لثقافات العالم.

خط

فن الخط الصيني واحداً من الجماليات الأصيلة وواحدة من الوسائل التي حولت الحرف الصيني إلى تيمة فنية حاضرة بقوة خارج الحدود التقليدية لبلاد التنين الأصفر، وهو ما يبرز أيضاً في المعرض الذي تستضيفه حالياً قاعة النور، في مركز دبي الاجتماعي للفنون، إذ تحولت تجربة فنان صيني سعى إلى خوض تجربة نسخ اللوحة الحروفية على مرأى من الحضور، إلى مدعاة للتعايش مع بعض أسرار جماليات الحرف الصيني، وخصوصية الحبر والورق المستخدمين في إنجازهما، ويعدان في حد ذاتهما تقليداً صينياً مميزاً ضمن هوية التشكيل الصيني عموماً.

المعرض الذي اشتمل على أكثر من 50 عملاً متنوعاً، جاءت لوحاته بمقاييس متباينة، كما أنه اشتمل على مدارس فنية متنوعة ما بين الكلاسيكية والتجريدية، وتمحورت بعض الأعمال التي وضعت في جانب مميز من المعرض على البورتريه، من دون أن يغير ذلك من سيطرة روح واحدة على المعرض رغم تباين الأساليب الفنية، إذ لا يكاد يشك مرتاد المعرض وهلة أنه أمام بانوراما صينية متنوعة، بما في ذلك التنوع البيئي المعروف عن الصين، سواء البيئة الصحراوية أو النباتية بتنوعها ما بين زهور محيلة إلى بيئتها وما يرتبط بها من طيور، وغابات ثرية بتنوعها الحيوي.

الأكثر مشاركة