معرض لأعمال 6 فنانين يستضيفه «المركز المالي» في دبي
«فن شوارع».. مغمورون ومشـاهير يرسمون على الجدران
يتزامن معرض «فن الشوارع» الذي افتتح مساء الأربعاء الماضي ويستمر حتى نهاية اكتوبر المقبل في صالة «أوبرا» العالمية في المركز المالي العالمي بدبي، مع اهتمام متنام بهذا الفن في الوطن العربي، خصوصاً في مساندته لما اصطلح عليه بثورات الربيع العربي، وفي الوقت الذي تسبب فيه قيام الحكومة المصرية بإصدار أوامر لمحو نماذج من هذا الفن أقيمت بتلقائية على جدران مؤسسات ومبان عريقة في ميدان التحرير بالقاهرة الذي كان شاهداً على مفاصل كثيرة في عمر الثورة المصرية، في احتجاجات بأوساط شبابية، قبل أن تبدل موقفها إلى دعوة الفنانين التشكيليين والموهوبين لتخليد انطباعاتهم عنها في ذات المكان، يأتي هذا المعرض ليقدم صورة مهمة قادمة من مواطن هذا الفن المعروف بتفاعله الشديد مع الجمهور.
التنوع وشبهة النخبوية قالت مدير معرض «أوبرا» في مركز دبي المالي العالمي، مريم ثاني، إن هناك حاجة ملحة لاستيعاب تجارب فنية متنوعة في دبي عموماً التي أصبحت واحدة من أهم مراكز الفنون التشكيلية، ليس على صعيد الوطن العربي فقط، بل في الشرق الأوسط عموماً، مؤكدة أن «من غير الصواب أن نظن بشكل مسبق أن جنسا ما من الفنون يحظى باهتمام جمهور متواضع من الناحية الكمية، قبل خوض التجربة». وتوقعت ثاني أن يتصاعد الاهتمام بـ«فن الشوارع» في المرحلة المقبلة على صعيد الإبداع وليس فقط من حيث الإقبال على تذوق جمالياته، مضيفة «هذا الفن تحديداً يمتلك فرصاً جيدة للازدهار عربياً، وهناك حاجة ماسة لإتاحة المزيد من فرص تذوقه على نطاق أوسع، لذلك تم الاستقرار على تمديد هذا المعرض حتى أواخر اكتوبر كي يتسنى لأكبر عدد من متذوقي التشكيل للاستمتاع بجمالياته». ثاني التي أكدت حقيقة تنامي جمهور التشكيل في الوطن العربي عموماً، وفي الإمارات خصوصاً، أعربت عن سعادتها بوجود برنامج أسبوعي خاص بالتشكيل لأول مرة على قناة إماراتية هي «سما دبي»، مضيفة «فوجئ المهتمون بالتشكيل بوجود برنامج أسبوعي يبث كل يوم سبت على قناة سما دبي يعنى بهذا الفن هو «دبي آرت»، ما يعني أن هناك اهتماماً رسمياً وإعلامياً سوف يصب بالضرورة في مصلحة الارتقاء بالذائقة التشكيلية، ليزيح عن هذا الفن شبهة النخبوية التي أُلصقت به، باتجاه مزيد من الجماهيرية. مريم ثاني. من المصدر |
عدم وجود معارض سابقة لهذا الفن ربما يكون مبرراً لعدم ازدحام المعرض في ليلته الافتتاحية، لكن المدهش أن المتأمل للوحاته التي توزعت على طابقين، وشمل المعرض العشرات منها لخمسة فنانين ذاعت شهرتهم في أوروبا، خصوصاً في باريس ولندن ولوس انجلوس الأميريكية هم ريتشارد ميراندو المعروف باسم «سيين»، تييري جوتا المعروف باسم «مستر برينوش»، تشارلز مونكا، بول أليكسيس، بليك لي آت، وفنان إيراني واحد هو محمد خداشناش، لا يمر عابراً بين اللوحات، ولا يعدم المراقب مشاهد تؤشر لارتباط عميق بين متذوق اللوحات ومبدعيها عبر الوسيط الجمالي «الأعمال التشكيلية»، من خلال التعمق في التفاصيل، بعيداً عن مفهوم الفرجة الانطباعية، ما يعني أن الأعمال المبدعة تبدو دائمة من دون عنوان جغرافي محدد، أو بمعنى آخر عالمية الانتماء، لتصبح أعمال فن الشوارع في أوروبا، وغيرها قادرة على إحداث نفس الأثر الجمالي في جمهور مختلف حتى عندما تقطع القارة العجوز وصولاً إلى دبي.
وجوه مشهورة وأخرى مغمورة، وكلمات مختزلة باعثة على التأثير الوجداني، تفاصيل منمقة، بجانب ضدها العشوائية، بانوراما لونية تكاد اللوحات تتحول معها إلى ما يشبه عمل فسيفسائي يمكن رصدها، فتلك الأعمال التي يندرج معظمها في إطار فن «الجرافيتي» تهتم موضوعياً بكل شيء يمكن أن يطرأ على مخيلة مبدعيها، بما في ذلك أولئك المهمشون السائرون على أقدامهم في الشوارع، ولكن كما في الواقع فإن صور المشاهير التي تبدو حاضرة، مرشحة لأن تستقطب أيضاً مزيداً من الاهتمام هنا بالنسبة لرواد المعرض، ليس بناء على المعرفة المسبقة بملامح وجوهها فقط، بل لأنها ايضاً تبدو أكثر إبهاراً من سواها، وفقاً للحرفية اللونية التي يعتمدها الفنان كما هي الحال في صور مادونا، تشارلي شابلن، وحتى في صور الشخصيات الكرتونية، ميكي ماوس، وسوبر مان، وغيرها التي نازعت صوراً لوجوه مهمشين ومغمورين.
وعبر طريقة الرش بالألوان «السبراي»، التي بات يستخدمها بعض أصحاب المواهب من اجل الوصول بإبداعاتهم اللونية إلى جمهور الشارع، عن طريق صياغة لوحات تشكيلية على الجدران، صيغت معظم أعمال المعرض الذي تضمن أيضاً لوحات صيغت بالألوان الزيتية الخالصة، فيما تنوعت مقاييس اللوحات بشكل كبير، وإن كانت المقاييس الكبيرة هي الأكثر حضوراً.
ورغم أن هذا الفن نشأ في أوروبا في أواخر القرن العشرين، إلا أن المتتبع لتطوره سيلمس أنه بات وسيلة أساسية لعدد متنام من الفنانين من أجل التعبير عن انطباعاتهم بوسيلة غير تقليدية، ليمثل استلهام وجوه معروفة، وإسقاط الأبعاد النفسية التي يهتم بها الفنان على ملامحها، أحد الأساليب الفنية الراسخة في هذا الفن، بما في ذلك الشخصيات الكرتونية التي تكتسي في حد ذاتها رمزية خاصة، كما أنها تنسجم مع محاولة الفنان الخروج بتجربته اللونية إلى أفق اكثر اتساعاً قد لا تسمح به فكرة تناول وجوه الشخصيات المعروفة، أو على الأقل تضيق من هامشه.
ورغم أن ملامح الوجه ورصد تفاصيل التعبير الجسدي تبدوان مفاصل أساسية في «فن الشوارع»، إلا أن بعض الأعمال أيضاً لا تخلو من عبارات صريحة، ولكن هنا يبدو ابتكار مسوغ فني لحضورها بمثابة آلية مضافة، تماماً كما في لوحة تييري جوتا التي رصدت العالم اينيشتاين وهو يحمل عبارة «الحب هو الحياة»، فيما تبدو في الخلفية صور لعشرات الإعلانات المتقاطعة، وهو أحد أساليب التي يسعى إليها تشكيليو «فن الشوارع» لاستيعاب ربما قضايا فكرية وسياسية ومجتمعية أكثر عمقاً عبر ألوانهم.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news