«رايحين عــلى فين» سؤال من قلب الــشارع العربي
رغم الجدل الذي غالباً ما تقابل به برامج «تلفزيون الواقع» في الوطن العربي، الذي يصل في بعض الأحيان إلى درجة الرفض وإطلاق دعوات مقاطعة برامج، قررت قناة «الحرة» أن تخوض هذه التجربة من خلال برنامج بعنوان «رايحين على فين»، الذي تنتجه القناة بالتعاون مع المنتج المصري محمد حفظي وشركة «فيلم كلينيك»، من إخراج تامر عزت. ويعتمد البرنامج الذي يعرض السبت من كل اسبوع على قناة «الحرة»، على متابعة الكاميرا لحياة خمسة شبان وشابات يومياً لمدة تسعة أشهر، وتتناول كل حلقة من البرنامج قضية من القضايا المطروحة على الشارع المصري خصوصاً والعربي عموماً، مثل الفقر والزواج والبطالة والتحرش وغيرها.
من خلال الحلقات الأولى التي عرضت من البرنامج الذي بدأ تصويره في 25 يناير الماضي لمدة تسعة أشهر، يظهر ان الاختلاف بين المشاركين في البرنامج من حيث الوضع الاجتماعي أو المستوى التعليمي والثقافي، هو العامل الأبرز الذي راهن عليه فريق العمل في جذب المشاهد، وتقديم صورة واقعية عن الحياة في مصر. ولكن تظهر الحلقات ان هناك عنصراً آخر لا يقل أهمية وهو الوجود في الشارع، فمتابعة الكاميرا للشخصيات الخمس في اماكن عملهم ومع اصدقائهم وعائلاتهم، كسر الصورة النمطية لبرامج تلفزيون الواقع التي يظهر المشاركون فيها طوال الوقت في مكان واحد منعزلين عن الخارج، ما يصيب المشاهد بالملل، بينما أسهمت تحركات الكاميرا في الشارع في «رايحين على فين» في زيادة تفاعل المشاهد معه وهو يجد في ما يراه جزءاً من الحياة اليومية التي يعيشها.
وقالت المنتجة التنفيذية للبرنامج وصاحبة الفكرة فران مايرز لـ«الإمارات اليوم» إن تقديم البرنامج لم يكن نتيجة لرغبة في الدخول في منافسة مع برامج أخرى لتلفزيون الواقع سبق عرضها في الشرق الأوسط، خصوصاً أن البرامج الاخرى تركز بشكل رئيس على الترفيه، بينما يسعى «رايحين على فين» إلى استكشاف المشهد في مصر بعد ثورة 25 يناير، وتقديم صورة واقعية لحياة مجموعة من الشباب والفتيات في مرحلة العشرينات من العمر، تم اختيارهم من مختلف شرائح المجتمع المصري، ليعبروا أمام الكاميرا عن أفكارهم ورؤيتهم إلى أين تتجه بلدهم، وفي ظل القيادة الحالية، وقضايا سياسية واجتماعية مختلفة لا تقتصر على واقع الشباب في مصر فقط، ولكن في المنطقة أيضاً.
ورفضت مايرز التسليم بصحة الآراء التي ترى أن «تلفزيون الواقع» بصورة عامة لا يتناسب مع طبيعة المجتمع العربي، معتبرة ان المحتوى الذي يقدمه البرنامج له دور كبير في تحديد مدى تقبل أو رفض الجمهور له، فالفكرة التي يعتمد عليها، وأسلوب التنفيذ يمنحان البرنامج قدراً كبيراً من الخصوصية والقيمة لدى المشاهد.
وأضافت «أعتقد أن (رايحين على فين) يمتلك القدرة على جذب ملايين المشاهدين العرب، لأننا قدمنا حلقاته بناء على وعي عميق للقيم الجوهرية في المجتمع العربي، ومن خلال حلقات البرنامج نقترب من الأفكار الحقيقية التي تشير إلى قضايا تهم الملايين من المشاهدين في مصر والعالم العربي، ويناقشونها في أحاديثهم ولقاءاتهم في الحياة اليومية، فالواقعية هي الطريقة الأكثر صدقاً وقبولاً للتواصل مع الشباب ومشاعرهم الحقيقية، وهو ما تم تنفيذه في البرنامج ضمن سياق يناسب المشاهد والمجتمع».
وأشارت إلى ان فريق العمل قضى شهوراً عدة في التخطيط والنقاش ورسم خطة على الورق لما سيتم تصويره في البرنامج حتى يخرج بصورة تتناسب مع تركيبة المشاهد والمجتمع العربي، وحتى يتم العمل وفق معايير واضحة تعتمد على الصدق والشفافية والواقعية وفي الوقت نفسه احترام المشاهد العربي وعاداته.
وعن سبب اختيار الشخصيات الخمس في البرنامج من مصر وليس من مختلف الدول العربي، قالت «اخترنا ان يكون الجزء الاول من البرنامج عن مصر، لأنها شهدت أحداث الربيع العربي، ومازالت تشهد تغييرات متتالية، ولا يستطيع احد ان يجزم تماماً إلى أين تتجه الأمور بها. ويعمل البرنامج على تسجيل وتوثيق التغييرات التي تقع في المجتمع كما يراها الشباب الخمسة في حلقاته التي تمتد 13 اسبوعاً».
وأوضحت مايرز ان معايير اختيار المشاركين في البرنامج اعتمدت على الاختلاف والتنوع في الخلفية الاجتماعية والطبقة الاقتصادية لكل منهم، وان يحملوا نفس التنوع والاختلاف الذي يتسم به المجتمع المصري من حيث التوجهات السياسية والعمر والجنس ومستوى التعليم والوظيفة، بحيث يمثل هؤلاء الخمسة ملايين البشر الذين يتشابهون معهم بشكل أو بآخر.
وعن الصعوبات التي واجهت فريق عمل البرنامج، ذكرت فران مايرز أن اهم هذه التحديات تمثلت في كيفية تصوير خمس شخصيات لا تمتلك أي خبرة سابقة في الوقوف أمام الكاميرا، ولكل منهم حياته الخاصة، وفي الوقت نفسه يجب ان تتابعهم الكاميرا في كل تحركاتهم في العمل والمنزل ومع اصدقائهم، «ولكننا في النهاية استطعنا ان نتجاوز هذه الصعوبات وأن نصور البرنامج بطريقة مميزة».
5 شباب على الشاشة
يضم برنامج «رايحين على فين» خمسة شباب هم ماريو محسن وهو طبيب، وسندس شبايك وهي فنانة مسرحية، وأحمد زغبي، يعمل مديراً للدعاية في إحدى الشركات، وحنان حمدان تعمل بائعة في محل للملابس، وإسلام فايز سائق سيارة أجرة.
وجميع هؤلاء الشباب يقيمون في القاهرة وشاركوا بأشكال ونسب متفاوتة في ثورة «25 يناير» المصرية، وتمّ اختيارهم لأنّهم أجابوا بنعم عن الأسئلة التالية: «هل فكرت في يوم من الأيام أن تكون حياتك مصورة ومسجلة بالصوت والصورة؟ هل فكرت أن تكون حياتك بكل ما فيها عبارة عن شريط مسجل يذاع على قناة تلفزيونية؟ هل لديك الجرأة لتكشف أدق أسرارك وأن تتحدث براحتك كما تتحدث في الشارع ويشاهدك الملايين؟».