«مشاجرة رباعية» و«الغرباء لا يشربون القهوة» زادتا حـــــــــــــــدة المنافسة

عرضا مسرح كلباء يــكشفان عن مخرج واعد وآخـر جريء

عروض كلباء أججت المنافسة المسرحية. تصوير: مصطفى قاسمي

لعب عرضا «مشاجرة رباعية» و«الغرباء لا يشربون القهوة»، دوراً لافتاً في ازدياد حدة المنافسة في مهرجان الشارقة للمسرحيات القصيرة في كلباء، وذلك في اليوم الرابع لتقديم العروض المسرحية التي تفاوتت في مستوياتها، إلا أن المخرجين الشابين بدر أحمد الرئيسي ورامي مجدي لم ينته عرضاهما إلا وقد حازا الكثير من اعجاب واستحسان الجمهور المتفرج.

وكان اليوم الرابع للمهرجان قد انطلق بمسرحية «مشاجرة جماعية»، عن نص عالمي للمؤلف المسرحي يوجين يونسكو، إذ اعتمد الرئيسي على مسرح العبث وهو لعبة اللاجدوى، لتحقيق رؤيته التي أراد منها الاجابة عن قدرة اللغة أن تقول كل ما نود قوله، وإلى أي مدى هي صادقة ودقيقة.

بدأ العرض بمشهد صامت أشبه بمشاهد أعمال شارلي شابلن، الذي يعتمد على الموسيقى ذات «الريتم» السريع والطابع الفكاهي، بشخصيتين متقابلتين ومتشابهتين أيضاً، تؤديان الحركات والخطوات نفسها وحتى التنقلات على المسرح، وذلك في مشهد لا يخلو من المشاعر المختلطة التي تنقل للمتفرج، جراء حالة التشتت وعدم التركيز المغلف بالعناد، فالأول يسعى للتخلص من تقليد الآخر له، أما الآخر فيعتقد أن الأول هو من يقلده في الأساس.

60 صوتاً

بفارق كبير في أصوات الجماهير التي صوتت للممثل محمد حسن آل رحمة، فاز الأخير بالجائزة اليومية كأفضل ممثل عن دور دوران في مسرحية «مشاجرة رباعية»، إذ تنافس هذه المرة أربعة ممثلين هم أحمد شاهين في دور دوبون في المسرحية ذاتها، وماهر مزوق وهاني الطمباري في مسرحية «الغرباء لا يشربون القهوة»، لنيل الجائزة التي حسمها الجمهور بالتصويت لآل رحمة بـ60 صوتاً.

فعلى الرغم من اتفاقهما غير المقصود في الحركات والشكل الخارجي، إلا أنهما يصران بمجرد أن تنتهي الموسيقى ويبدآن الحديث، على الاختلاف، فما إن يقول الأول (دوران) نعم فيبادله الثاني (دوبون) بالرفض، فيستمران في ذلك التشابه الخارجي والاختلاف الداخلي حتى ينضم إليهما صديقهما (مارتان) الذي اختلف تماماً عنهما سواء من ناحية الشكل أو حتى المضمون.

غير أن الثلاثي دوران ودوبون ومارتن، الذين أدى أدوارهم كل من الممثلين محمد حسن وأحمد شاهين وابراهيم العضب، لا ينقطعون عن الشجار المقصود طوال مدة العرض، والغريب أن هذا الشجار قائم على اللاجدوى من الكلام، إذ إنهم يتشاجرون دون ان يقولوا شيئاً يوضح أسباب هذا الشجار، على اعتبار ان الشجار جاء فقط للتشاجر، الذي تتخلله تصرفات غريبة وحركات جسدية رشيقة وتراشق وتبادل للاتهامات دون أسباب واضحة، إذ يبقى المتفرج حائراً في حال هؤلاء المتشاجرين الثلاثة، طوال فترة العرض، لحين دخول الممثلة مرح في دور الممرضة، ليتبين أنهم نزلاء في مستشفى الأمراض العقلية.

مخرج واعد

اعتبر مشاركون في الندوة التطبيقية التي تلت عرض مسرحية «مشاجرة رباعية»، أن مخرج العمل بدر أحمد الرئيسي هو مشروع مخرج إماراتي جديد، إذا ما تم احتواؤه وإعطاؤه الفرصة التي تساعده على النضوج الفكري والفني، لاسيما أنه أجاد التعامل مع نص معقد يدور في حلقة مغلقة.

ويحسب للرئيسي تناول مسرح العبث لأول مرة بطريقة كوميدية، على اعتبار ان هذا النوع من المسارح الذي هو صعب في التناول، يتسم بالأسى والحزن الذي ينقل للمتفرج، إلا ان المخرج تمكن من تناوله بصورة راقية لم تخلُ من الابتسامة رغم بؤس الموقف.

كما اشاد المشاركون في الندوة بتوظيف المخرج لكل شيء على المسرح، من خلال تحريك الكتل السوداء على الخشبة وتوظيفها والاشتغال بها طوال العرض، إضافة إلى ملء خشبة المسرح وتحرك الممثلين في كل زاوية بأداء حيوي وسلس ومتوازن، الأمر الذي يصب في مصلحة المخرج الذي اجاد اختيار الكادر الذي تعاون من خلال الاشتغال على الأداء الحركي والجسدي، وبذل مجهوداً ضخماً على خشبة المسرح دون ان يؤثر ذلك في النفس أو حتى الصوت.

الغرباء أعداء

هل الغرباء يشربون القهوة؟ سؤال قد لا يخطر ببال أحد وإن خطر فقد لا يقف عنده المرء طويلاً، إلا أن هذا السؤال ما هو إلا إجابة فسرتها مسرحية «الغرباء لا يشربون» القهوة، للمخرج رامي مجدي، الذي أظهر عبر تناوله نصاً للمؤلف محمود دياب، ان الغريب ينوي الاستيلاء على القهوة وليس شربها.

ويحمل النص الكثير من السياسة المبطنة بين طيات مشاهده وفصوله، فتناول قصصاً لأصحاب البيوت التي يقصدها غرباء يرفضون تلبية دعوة أصحابها ليشاركوهم شرب القهوة، لأنهم يريدون الاستيلاء على البيت في وضح النهار.

العمل ضم ثلاثة مشاهد كل مشهد يحكي قصة أصحاب البيوت التي يزورها الغرباء، ما يجمع بينهم تلك الروح العربية الأصيلة والطيبة التي تصل إلى حد السذاجة عند بعضهم، فيعتبرون كل غريب يمر بهم أنه صديق وضيف وجب إكرامه، ليفاجأوا في النهاية بأن هؤلاء الغرباء لم يأتوا لشرب قهوتهم، إنما جاؤوا للاستيلاء على منازلهم.

تدور مشاهد المسرحية في مكان واحد لا يتغير، إنما الأشخاص هم من يتغيرون من الناحية البيولوجية وتشاركهم في الشخصية ذاتها، أما المكان فهو منظر واجهة بيت عربي قديم يظهر بوابة خارجية للبيت، ويوجد على يساره شجرة معمرة لا أوراق لها، وتلك النافذة الصغيرة التي تحافظ على خصوصية البيت.

جرأة عالية

ما ميز العرض، بحسب مشاركين في الندوة التطبيقية، عازف «الكامنجا» محمد علي سعد، الذي ترافق موسيقاه مشاهد المسرحية بحلوها ومرها، فتارة يعزف اللحن الشجي والحزين وتارة يدخل اللحن المفرح والمبهج، وفي نهاية العمل يمزج الموسيقى العربية بالموسيقى الغربية التي تطغى في النهاية، الأمر الذي يعكس الحالة العامة المسرحية.

كما أشيد بالجهد المبذول على المستوى الاخراجي والاشتغال على فضاء الخشبة والديكور والإضاءة، كما يحسب للمخرج جرأته في استخدام عدد كبير من الممثلين مع التركيز على كيفية الارتقاء بالانتقاء، وأهمية الاشتغال على الأداء الجسدي للشخصيات، إذ ظهر أصحاب البيوت على انهم كبار في السن من الناحية الشكلية، أما الجسدية فلم يكن ذلك واضحاً.

إلا أن المشاركين فضلوا أن لو انتهى العمل بمجرد استيلاء الغرباء على البيت وتقطيع أوراق الملكية الأصلية، ونزولهم عن خشبة المسرح ونثرها على الجمهور، فالحوار الأخير كان زائدا على اللازم، كما أن المخرج أبقى بقعة الضوء مسلطة على عازف الكامنجا، ما حول انتباه المتفرجين عن شخصيات العمل.

تويتر