فيلم أبطاله أفراد من الأسرة الحاكمـــة بـ «مصر الملكية»

«البحث عن النفـــط والرمال».. نبوءة في صنــــدوق قديم

خلال الاستعداد لتصوير مشاهد من الفيلم بمنطقة «سقارة» أحد مــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــواقع الأحداث. أرشيفية

من صندوق قديم يرجع تاريخه إلى 60 عاماً، جاء فيلم «البحث عن النفط والرمال» للمخرجين وائل عمر وفيليب ديب، ليفتح أبواب التاريخ، ويدلف إلى مشاهد ربما لم يصل إليها غيره من قبل.

يتناول الفيلم الذي عرض مساء أول من أمس، ضمن مسابقة الأفلام الوثائقية في الدورة السادسة من مهرجان ابوظبي السينمائي، قصة تصوير فيلم في عام ،1952 والمفاجأة أن كل من شارك فيه هم من اميرات وأمراء العائلة المالكة وعدد من أعضاء البعثات الدبلوماسية الأجنبية في مصر في ذاك الوقت، أما المفاجأة الأكثر إثارة فتتمثل في ان من يتأمل أحداث الفيلم الذي تم تصويره قبيل قيام ثورة 23 يوليو 1952 بأسابيع قليلة، فقد يجد فيه نبوءة بالتغيرات التي جرت عقب ذلك، وأطاحت بالملك فاروق من الحكم، وتضع بذلك نهاية الملكية في مصر، كما قد يحمل الفيلم نبوءة أخرى بتراجع دور بريطانيا في المنطقة العربية، وفي المقابل تزايد النفوذ الأميركي فيها.

تبدأ أحداث «رحلة البحث عن النفط والرمال» الحاصل على منحة «سند»، وهو انتاج مصري ــ إماراتي، مع عودة محمود ثابت، الذي ينتمي إلى عائلة مقربة من الأسرة الحاكمة، إلى مصر ليكتشف بين ممتلكات والدته فيلماً تم تصويره من 60 عاماً، عندما قررت الأميرة فايزة شقيقة الملك فاروق وزوجها بولنت رؤوف إنتاج فيلم، وقام رؤوف بتصوير وإخراج الفيلم بنفسه، بينما شارك في التمثيل اعضاء من الأسرة الحاكمة والدبلوماسيين الأجانب.

وتتناول احداث الفيلم الصراع بين أمير من المنطقة العربية تسانده بريطانيا، وزعيم شاب تسانده أميركا، من أجل السيطرة على النفط والعمل على استخدامه لمصلحة البلاد.

مزج

يتيح «رحلة البحث عن النفط والرمال» للمشاهد، غالباً للمرة الأولى، مشاهدة أفراد من العائلة المالكة بعيداً عن الأجواء الرسمية، وفي فيلم، وليس مجرد صور فوتوغرافية، فيقدم مشاهد لهم خلال لقاءاتهم في قصر «الزهرية»، مقر اقامة الأميرة فايزة وزوجها، وفي رحلاتهم الترفيهية، وكذلك أثناء استعداداتهم لتصوير الفيلم.

ولا يكتفي الفيلم الجديد بعرض مشاهد الفيلم القديم، ولكنه يتتبع خطاه في الأماكن المختلفة عبر تحركات محمود ثابت، مازجاً بحرفية بين القديم والحديث، الأبيض والأسود والملون، مصر كما كانت وما أصبحت عليه، فيظهر قصر «الزهرية» وقد تحول حالياً إلى كلية للتربية الرياضية للبنات، وتبدل البيت الريفي في منطقة بني يوسف، الذي كانت الأميرة وأصدقاؤها يذهبون إليه طلباً للاسترخاء، وتغيرت ملامحه تماماً، كذلك منطقة سقارة التي تم تصوير الفيلم القديم فيها، إذ كانت صحراء خالية من الحياة والناس.

أيضاً يظهر الفيلم شوارع القاهرة، خصوصاً ميدان التحرير، في عام 1952 بسياراتها القديمة وقليل من المشاة، بعيداً عن الزحام والاختناقات المرورية حالياً. ولا تقتصر رحلة ثابت للبحث في التاريخ على التنقل بين الشوارع والمباني فقط، فالتقى بالأميرة نيللي نيفين حليم، التي شاركت بالتمثيل في الفيلم، وهي الوحيدة الباقية على قيد الحياة من فريق العمل فيه، كما التقى عدداً من أبناء الفلاحين المصريين، الذي استعان بهم الأمير رؤوف في تصوير الفيلم، وظهر الأبناء في لقطة مميزة وهم يتابعون الفيلم القديم مع محمود ثابت بتركيز شديد قبل ان يعلق احدهم بسعادة بالغة: «هذا الأسمر هو والدي»، ثم يعاودون البحث عن معالم أخرى مألوفة لهم.

حنين حذر

رغم هذه التنقلات بين الماضي والحاضر، التي تحمل لمسة رومانسية ناعمة في تنفيذها بحركة الكاميرا والمونتاج، يرفض محمود ثابت التعامل مع فيلم «البحث عن النفط والرمال» من منطلق الحنين إلى الماضي. بل يشدد على اهمية التعامل مع فكرة الحنين للماضي، التي تجد لها صدى في المجتمع المصري حالياً، بحذر شديد.

ثابت الذي كان جده كبير ياوران الملك فؤاد الأول، وكان والده الذي يظهر في الفيلم قريباً من الدرجة الثانية للملك فاروق وصديقاً مقرباً للعائلة المالكة، وعايش كثيراً من الأحداث والمناسبات معهم مع زوجته الفنانة الاميركية فرانسيس رامسدين التي قدمت إلى مصر، وتزوجت منه وظلا فيها إلى ان انتقلا للعيش في ألمانيا. أشار ثابت إلى ان الفيلم، إلى جانب أهميته التاريخية والتوثيقية والثقافية، يتناول مرحلة تغيرات، ويعكس بوضوح ان من قاموا بإنتاجه وتصويره، خصوصاً الأمير بولنت رؤوف، كانوا على وعي بهذه التغيرات وطبيعتها، ولديهم وجهة نظر يريدون التعبير عنها، وهي التي جعلت الفيلم كأنه يتنبأ بما حدث في ما بعد. رغم ذلك يركز ثابت على موقف الملك فاروق من ثورة يوليو، إذ قرر التنازل عن عرش مصر ومغادرتها إلى إيطاليا رغبة منه في تجنب نشوب حرب اهلية في البلاد، وألا يقاتل مصري مصرياً آخر، مفضلاً الخروج دون نقطة دماء واحدة.

وذكر أن التغيرات التي احدثتها ثورة يوليو لم تقتصر على الجانب السياسي فقط، لكنها امتدت إلى الاجتماعي، إذ تراجعت الطبقة البورجوازية التي كانت تتسم بالثقافة والانفتاح على الآداب والفكر والفنون، ليحل محلها طبقة جديدة من ضباط الجيش والشرطة وكبار الموظفين، وهو ما يشبه إلى حد كبير بناء المجتمع الروسي في ذاك الوقت، لافتاً إلى ان أفضل الفترات التي شهدتها مصر آنذاك كان خلال حكم الرئيس محمد نجيب الذي استمر عامين، وشرع فيهما في إجراء انتخابات لتكوين برلمان منتخب على أسس ديمقراطية.

وأشار ثابت إلى ان فكرة تنفيذ الفيلم ظهرت من ثلاث سنوات، عندما عاد إلى منزل والديه في القاهرة، وعثر بين اوراقهما على الفيلم، فقام بالاتصال بالمنتج وائل عمر صاحب شركة ميديل ايست للإنتاج، والمخرج فيليب ديب، والاتفاق على الفيلم، مضيفاً ان المشكلة الأكبر التي واجهتهم خلال العمل هو كيفية اختصار الكم الكبير من المستندات والوثائق المهمة والنادرة التي عثر عليها، لتقديم فيلم مدته 58 دقيقة، بتركيز وتكثيف يجذب المشاهد دون أن يربكه.

نسخة أصلية

أوضح المسؤول الإعلامي عن الفيلم علاء كركوتي لـ«الإمارات اليوم» ان الفيلم القديم «البحث عن النفط والرمال» الذي صور على شريط 16 مم، تم عرضه بالحالة الأصلية التي وجد عليها دون إجراء أي عمليات ترميم او تصحيح به، ولذا تظهر عيوب في بعض لقطاته، مشيراً إلى انه لو استمر الفيلم حبيس العلب أكثر من ذلك ربما تلف.

واعتبر أن «البحث عن النفط والرمال» لا يجب التعامل معه باعتباره فيلماً فقط، ولكنه حدث ثقافي يستحق الاهتمام والمتابعة، ولذلك من المقرر اطلاقه في القاهرة في فترة تالية، ومناقشته مناقشة مستفيضة. وعن استقبال المجتمع الثقافي المصري لمثل هذا الحدث، قال كركوتي «لا شك في ان الفيلم سيحدث انقساماً في الآراء والمواقف تجاهه، وأن يثير حالة من الجدل، ولكن يظل الفيلم مادة لها أهميتها لأنه يتناول منطقة لم يتطرق إليها غيره، بالإضافة إلى انه لم يفرض رأياً، أو ينحاز إلى موقف معين».

وأفاد بأنه ربما تحمل الفترة المقبلة المزيد من المشروعات والأعمال التي تعتمد على الوثائق والمستندات التي عثر عليها محمود ثابت، مثل إصدار مذكرات والدته فرانسيس رامسدين التي عثر على اكثر من نسخة منها. وقد تظهر مواد فيلمية أخرى، خصوصاً ان هناك ما يقرب من ساعة ونصف الساعة من التصوير لم تعرض في الفيلم الحالي.

تويتر