قطعة من إفريقيا في قلب أستراليا

ماريبا.. غابات مطيرة وتلفريك وشــلالات

صورة

من يبحث عن الشعور بالتوحد مع الطبيعة، فسيجد ضالته عند زيارة مدينة ماريبا بولاية كوينزلاند الأسترالية، إذ تُعد هذه المنطقة، التي تبدو كأنها «قطعة من إفريقيا»، بمثابة مثال نموذجي للتوافق بين حماية الطبيعة والسياحة.

ويبدو المنظر خلاباً من فوق الغابة المطيرة في ولاية كوينزلاند بأستراليا، التي تُعد واحدة من أقدم الغابات المطيرة على وجه الأرض؛ إذ تقع أعين الزائر على الماء المنهدر من الشلالات ضارباً الصخور بقوة. وداخل كابينة التلفريك الشهير الذي ينظم جولات فوق الغابة المطيرة بأستراليا.

وتقول مسؤولة حماية الغابة، لويز مارشل، لمرافقيها الزائرين «في بضعة أشهر من عصر الجفاف سيتحول نهر البارون إلى مجرى مائي يُرثى له، وكذلك الحال هنا أيضاً في الشلالات».

وأنشئ خط التلفريك في هذه الغابة عام ،1995 ليصبح الأطول من نوعه على مستوى العالم، إذ تبلغ المسافة التي يقطعها 7.5 كيلومترات، تبدأ من المحطة الرئيسة خارج مدينة كيرنز الواقعة على الساحل الشرقي لولاية كوينزلاند حتى كوراندا المجمع التعديني السابق، ويستمتع الركاب على متن التلفريك بمنظر الخضرة الرائع.

ومن فوق يبدو البحر من بين رؤوس الأشجار كأنه رؤوس بروكلي كبيرة الحجم لا حصر لها، ويدخل الهواء من الأبواب المفتوحة للتلفريك رطباً والنسيم عليلاً، ومن داخل الكابينة التي تقع على ارتفاع مسافة أمان تراوح بين 10 و20 متراً، يجول بصر الركاب فوق الغابة التي تنبعث منها أصوات النقيق والصفير وتتمتع بتنوع بيولوجي لا يمكن للمرء أن يصادفه في مكان آخر.

التفاحة والأفعى

عند التوقف في محطة ريدبيك يقوم الركاب بجولة تستغرق 20 دقيقة فوق ألواح خشبية يتعرفون خلالها على وجود العديد من الأفاعي السامة في الغابة المطيرة، ويقول إيفان تاندي، زميل لويز مارشال، إن «مصادر الخطر لا تتوقف على هذه الأفاعي وحسب، فثمة مصدر للخطر الأكبر يتمثل في الثمار السامة التي يتخيل الناظرون من روعة منظرها أن بإمكانهم أكلها مباشرة من فوق أغصانها».

وعند الوصول إلى مدينة ماريبا التي تقع على مسافة ساعة بالسيارة من مدينة كيرنز، يرى الزائر الغابة المطيرة وقد تحولت في هذه المدينة الصغيرة إلى غابات سافانا، وعلى حافة الطريق كثيراً ما تظهر أشكال مخروطية بنية اللون، وهذه الأشكال هي بيوت النمل الأبيض، وفي هذا المكان لا تتعلق الأنظار عند مشهد واحد كشجرة مثلاً، بل إنها تنطلق في هذا المكان الرحب لتجوب الأفق.

وعند الوصول إلى منطقة الهضاب الشرقية، التي تُعد من أكبر سلاسل الجبال في استراليا، يقول نيل مكجليب إن الأمر يبدو كأن المرء يتجاوز هنا خط ترسيم حدودياً، إذ يرى الزوار تحولاً مفاجئاً في الغطاء النباتي مع ظهور السفوح الأولى لهذه المرتفعات.

وقرر مكجليب قبل خمسة أعوام أن يعيش وزوجته في مدينة ماريبا التي تتميز بأراضيها الرطبة، ويعمل الزوجان مرشدين سياحيين ومسؤولي حماية بيئة في المحمية الكبيرة التي تبلغ مساحتها 2000 هكتار والتي بها ثماني بحيرات صغيرة. ويتزايد أعداد السائحين الوافدين لزيارة المنطقة، الذين يقيمون في خيام مجهزة بشكل جميل.

رحلة

أوضح مكجليب أن المنطقة هنا كأنها «قطعة من إفريقيا»، فعلى امتداد البصر تنمو الحشائش الصفراء، كما تنتشر هنا وهناك الأشجار غير المورقة ذات الأفرع السوداء، إذ يمكن أن تكون هذه المنطقة كغابات السافانا في ناميبيا، لكن بدلاً من طيور الفلامنغو والظباء هناك سترى هنا في الأراضي الرطبة حيوانات الكانغرو وطيور الإيمو.

ولم يكد مكجليب يبدأ رحلة سفاري بضيوفه على متن سيارة جيب قديمة حتى ظهر بين أفرع أشجار الشاي زوج من طيور الإيمو، وظل الطائران يحدقان في السيارة المارة، ثم ما لبثا أن أدارا ظهريهما، فيما كانت طيور الروزيلا تحلق فوق رؤوس الزائرين، وأوضح مكجليب أن الأراضي الرطبة تدين بوجودها للطيور ولمواطن من مدينة ماريبا.

ويحكي مكجليب أن هذه المنطقة كانت في الزمن الماضي تستخدم مراعي للماشية، ثم بدأ التخطيط لتخصيص منطقة للزراعة تنتج الأفوكادو أو المانجو أو قصب السكر أو المكداميا، لكن الأرض كانت غير صالحة لهذا الغرض ومن هنا جاءت فكرة المحمية.

وذكر أن عالم الطيور عانى ظاهرة مناخية أدت بشكل متكرر إلى موجات جفاف عارمة وفيضانات ضخمة، وتحدث عن نشأة مناطق لتربية صغار الطيور، مشيراً إلى أنه تم التحكم في الفيضانات التي تغمر هذه المنطقة بفضل نظام المياه الاصطناعي الذي تم تركيبه، ونشأت معه ثماني بحيرات، الأمر الذي أوجد موطناً جديداً لحياة الكثير من أنواع الطيور، كما تمت زراعة آلاف الأشجار في الفترة بين عامي 1996 و1999 وافتتح هذا العام مركز للزائرين يضم شرفة مفتوحة على الماء وتعمل منصة لمشاهدة الطيور من عليها.

وفي حالة مثل الغابة المطيرة التي نمت على مدار آلاف السنين، يعد نهر البارون الذي تغذي مياهه عبر سد قريب الأراض الرطبة، بمثابة شريان للمحمية الاصطناعية. وأضاف مكجليب «إذا جفت مناطق أخرى من مناطق تربية الطيور الصغيرة بسبب التحول المناخي في عصر الجفاف فإن الكثير من الطيور سيأتي إلينا».

طيور

يقترب الزوار أكثر من عالم الطيور خلال رحلة بحرية يقومون بها في بحيرة كلانسي على متن قارب تدفعه محركات كهربائية، وعلى ضفة البحيرة يجلس أحد الطيور الثعبانية على فرع شجرة عارٍ من الأوراق ويمدد الطائر جناحيه لتجف. وفي الطرف الآخر من البحيرة تسبح بجعتان سوداوان.

ويعرب مكجليب عن قناعته بأن الأراضي الرطبة في ماريبا تُعد بمثابة مثال نموذجي للتوافق بين حماية الطبيعة والسياحة، مشيراً إلى أن الإنسان يشعر مع النظر إلى الصفحة الكبيرة للبحيرة بالتوحد مع الطبيعة الأمر الذي يجعله يكاد ينسى أنه في عالم اصطناعي.

تويتر