«فن الصوت».. غناء غاب منـذ الستينات

قليلون من يعرفون «فن الصوت»، بل إن الكثير لم يسمع حتى بوجود هذا النوع من الفن الذي اشتهر في دول الخليج وتحديداً البحرين والكويت، ولظروف السفر والتجارة وصل هذا الفن إلى الإمارات، واحترفه ستة فنانين تميزوا بالقدرات الصوتية العالية الجودة، والتمكن من الإيقاع المصاحب لفن الصوت.

تدهور «فن الصوت»

أكد الفنان التشكيلي والمهتم بالتراث والموروث الشعبي، الإعلامي علي العبدان، أن «فن الصوت تراجع كثيراً أواخر الستينات، وذلك لأسباب كثيرة، منها التصفيق أثناء تسجيل فن الصوت، الأمر الذي يفقد الغناء نكهته، وكذلك الإيقاع، فيصبح غارقاً في الإزعاج، وهذا الأمر كان ممنوعاً في تسجيلات محمد بن فارس الذي كان يعتمد على المزاج كي يبدع، أما محمد زويد فكان يكثر في جلساته من التصفيق الذي يدل على تفاعل المستمعين».

وأدى إلى تدهور فن الصوت كذلك عدم وضوح الألفاظ ومخارج الحروف، لاسيما أن من غنوا فن الصوت لم يكونوا يتقنون النحو والإعراب، ما نتج عنه ضياع تشكيل الكلمات، إضافة إلى ذلك لم يخضع فن الصوت لتطوير أو اهتمام.

ويطلق «فن الصوت» على الأغنية المحترفة التي ظهرت في الثلاثينات وانطفأت شمعتها في الستينات، ويقدم هذا الفن بمرافقة آلة العود، والطبل الصغير المعروف قديماً بـ«المرواس»، وظهر الفن الغنائي الاحترافي عند عرب الخليج منذ أكثر من قرن، أما من حيث تسمية هذا الفن بالصوت، فهي تسمية قديمة، فقد كانت العرب تعرف نوعا من الموسيقى والغناء يسمى الصوت، أيام الدولة العباسية وربما قبلها.

واستعرض الفنان التشكيلي والمهتم بالتراث والموروث الشعبي، الإعلامي علي العبدان، في ندوة نقاشية نظمتها إدارة الشؤون الثقافية في دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة، ضمن برنامج منتدى الأحد في مجلس معهد الشارقة للفنون المسرحية، «ملامح فن الصوت الخليجي»، وعرض من خلال طرحه البدايات والإبداعات والنهايات التي اختفى على إثرها فن الصوت.

ظهور وانتشار

وقال العبدان إن «هذا النوع من الفنون كان شائعاً في البحرين، وطوره ونشره في الكويت الفنان والشاعر عبدالله الفرج، إلا أنه اشتهر في الخليج بشكل عام بعد أن ظهرت إبداعات الفنان البحريني الكبير الشيخ محمد بن فارس آل خليفة، الذي استفاد ممن جاء قبله، إلا انه طور فن الصوت من ناحية طريقة العزف والتلحين وحتى الغناء، إذ لم يسبقه إليها أحد بشهادة الكثير ممن عاصروه»، لافتاً إلى أن «محمد بن فارس أعطى لفن الصوت الكثير من الأغنيات التي أبدع فيها بخيالاته الموسيقية الخصبة وطريقة عزفه الفريدة، إذ تمكن الأخير من تسجيل معظم إبداعاته على اسطوانات حجرية أو ما يسمى محلياً بـ(غوانات قار)، كما أسهم بعض تلامذته في انتشار هذا الفن بمواصلة مسيرته، منهم الفنان ضاحي بن وليد، ومحمد زويد الذي لاقى شهرة كبيرة في الخليج وتحديداً في الإمارات التي أحيا فيها حفلات مميزة في ذلك الوقت».

وتابع العبدان أن «فن الصوت الخليجي اشتهر عبر الاسطوانات الغنائية التي كانت تدار على آلة الغراموفون، أو ما يعرف في الإمارات باسم (المشتختة) أو (سنطور)، إذ كان يتجمع الناس قديماً في المقاهي الشعبية ويروحون عن أنفسهم بالاستماع لذلك الفن الجميل، الذي يميزه اللحن والإيقاع، إذ يعتمد على المرواس وهو طبل صغير يحمل على كف اليد، ويسمى ضارب المرواس بـ(المروس)، أما آلة العزف الرئيسة في هذا الفن فهي العود، كما تم إدخال آلتي الكمان والقانون في أوائل القرن الماضي تقريباً».

وقد بدأ فن الصوت بالظهور في دبي عندما سافر شاعر دبي الكبير مبارك بن حمد العقيلي في أواسط الثلاثينات من القرن الـ20 إلى البحرين، وأعطى خلال زيارته للفنان محمد بن فارس أربع قصائد أو خمسة، منها «قلبك حجر أو حديد»، و«قلب المعنى عليل»، و«دمعي جرى بالخدود»، إذ يعود الفضل للعقيلي، بعد تسجيل محمد بن فارس لأسطوانته ونجاحه بصفته أحد أصوات الخليج الخالدة، كما غنى بن فارس للشاعر الإماراتي راشد الخضر قصيدته المشهورة «سيد الجواري الكنس».

آلات وأسطوانات

وأكد العبدان أنه في فترة الاربعينات بدأت آلات الغراموفون بالوصول إلى الامارات، إذ كانوا يستوردونها من الهند أثناء سفرهم للتجارة، أما الاسطوانات فكانت تجلب من البحرين والكويت، وفي الشارقة كان هناك «دكان جيلاني الخاجة» الواقع في السوق القديم، كان يستورد آلات «الغراموفون» والاسطوانات الغنائية ويبيعها للناس، وفي دبي ظهرت تسجيلات «دبي فون»، و«زينل فون»، و«هدى فون»، ولاحقاً «سهيل فون»، وفي أبوظبي تسجيلات «الياسات».

وتأثر الناس في مناطق الخليج بأصوات محمد بن فارس، ومحمد زويد، وسالم الصوري، وعبداللطيف الكويتي، ومحمود الكويتي، وذلك بعد أن باتت المقاهي الشعبية تزود بـ«غراموفونات» أو ما يعرف بـ«المشتختة»، لإمتاع زبائنها والترويح عنهم، فقد اشترى مصبح بن عبيد الظاهري جهازاً ووضعه في مقهاه الشعبي في مدينة العين، كذلك يوسف حبيب اليوسف في دبي اشترى هذا الجهاز ومعه أسطوانات لكبار مطربي الصوت المعروفين.

وما ميز فن الصوت وأدى إلى انتشاره وتأثر الناس به، تلك الالحان العربية القريبة من أرواحهم وإيقاعها القريب من بيئتهم البحرية، لذلك تعلق الكثير من محبي الغناء والموسيقى به للتعمق في فن الصوت وتأديته بصورة رائعة، لاسيما من تميزوا بالقدرة على الغناء ممن يملكون حناجر صوتية رخيمة وتقنية عالية في التعاطي، والتمكن من استخدام آلة العود باعتبارها الآلة الرئيسة في فن الصوت.

ويقال ان فن الصوت أصله من اليمن، وذلك لأن معظم القصائد المستخدمة في هذا الفن تعود إلى شعراء من اليمن، وكذلك أشعار المتنبي، إضافة إلى أن معظم فناني الخليج غنوا الأغنيات اليمنية من دون أن يشيروا إلى مصدرها الحقيقي، الأمر الذي أدى إلى اختلاط فن الصوت، غير أن فنانين في اليمن أكدوا أن «هذا الفن لا يمت لهم بصلة، خصوصاً أن الألحان المستخدمة بعيدة عن التراث اليمني وان كانت القصائد المغناة تنتمي إليه».

 مطربو الصوت

وأكد العبدان أن «هناك ستة مطربين إماراتيين اشتهروا بفن الصوت، أولهم الفنان عبدالسلام محمد الذي سجل اسطوانات عام 1952 لدى «دبي فون»، و«زينل فون»، أما جاسم عبيد وهو من رأس الخيمة فهو أشهر من أدى فن الصوت في الإمارات بشهادة جميع المهتمين بهذا الفن، وله تسجيلات في إذاعة رأس الخيمة وغنى أصواتاً من الايقاع الشامي الرباعي، منها «مر ظبي سباني»، و«يحيى عمر قال من كان للطرب».

أما الفنان سعيد سالم المعلمي فاتسم بفن الصوت الرجولي، وهو من رأس الخيمة أيضاً، التي كانت الوحيدة التي استقطبت هذا الفن، وكان هناك أشخاص مهتمون بالطرب، معظمهم «سميعة»، وفي عام 1969 سجل المعلمي أغنيات لإذاعة الكويت الشعبية، أما سعيد الشراري وهو من كلباء، فيعد من أوائل المؤدين لفن الصوت في الإمارات، ويوصف بأنه يعتمد على المقدرات الصوتية التي من خلالها يمكن التمييز بين المطرب الجيد والعادي، والصوت ركن أساسي في الأغنية الخليجية عموماً.

فيما لم يكن هناك الكثير من المعلومات حول الفنان جابر جاسم وهو من أبوظبي، وله أصوات مثل «اغنم زمانك»، و«قال ابن الأشراف»، و«مال غصن الذهب»، أما عبدالله عبدالحميد وهو من الشارقة فقد تعلم العزف على آلة العود من المصري محمد حسن، ودرس العزف على العود في المعهد العالي للموسيقى في القاهرة أكثر من سبع سنوات، وثلاث سنوات درس خلالها آلة القانون، وقد لحن للمطربة سلمى الشارقية أغنيتين، وغنى الصوت لمحمد بن فارس أغنية «على دمع عيني».

الأكثر مشاركة