حكايات عن الثورة والـحياة في «دبي السينمائي»

كشفت إدارة «مهرجان دبي السينمائي الدولي» الذي ينطلق في التاسع من ديسمبر المقبل، عن القائمة النهائية للأفلام الوثائقية العربية المُرشّحة في الدورة التاسعة للمهرجان للتنافس على جائزة «المهر العربي»، وتتضمن القائمة ثمانية أفلام تُعرض للمرة الأولى عالمياً، وفيلمين يُعرضان للمرة الأولى دولياً، وخمسة أفلام تعرض للمرة الأولى في الوطن العربي.

تغطي الأفلام المتنافسة مساحات واسعة من القضايا الاجتماعية، والصراعات، والكفاح من أجل الحرية، والعادات والتقاليد الاجتماعية، بيد أنها تجتمع على عنصر مُوحّد، هو معاينتها للمتغيرات على الساحة العربية، وحكايات الناس، خصوصاً النساء، عن الثورة والحياة.

وقال المدير الفني للمهرجان، مسعود أمرالله آل علي إنها «أفلام تروي بأسلوبية عالية قصص عالمنا العربي، وبالتالي ترصد الثابت والمتغير، ما يضعنا أمام الصراع الأعمق الحاصل في منطقتنا، عبر الأناس الحقيقيين لهذا الصراع والمتأثرين المباشرين بنتائجه»، واصفاً الأفلام التي تحملها مسابقة «المهر العربي» للأفلام الوثائقية هذا العام، بـ«النافذة البانورامية على العالم العربي، لكنها نافذة لا تكتفي بالماضي والحاضر، بل ترسم ملامح مستقبل العالم العربي واقعياً وفنياً».

لا شيء تغير

تجتمع مجموعة من الأفلام التي تتنافس على مسابقة «المهر العربي» على معاينة بلدان ما صار يعرف ببلدان الربيع العربي، ولتلتقي على مقاربتها من خلال المرأة وأحوالها قبل وبعد الثورات العربية، كما هي الحال مع فيلم المخرجة اليمنية خديجة السلامي «الصرخة» في عرضه العالمي الأول، إذ توثق مساهمة النساء في الثورة اليمنية، وكيف خرجن من بيوتهن صارخات بمعاناتهن، رغم أن صوتهن يُعتبر عورة، ولتعود في القسم الثاني من الفيلم لمعاينة إن كن نجحن في تحقيق مطالبهن بالحرية والمساواة.

ومن المرأة اليمنية إلى المرأة التونسية في فيلم هند بوجمعة «يا من عاش» الذي عرض في «مهرجان البندقية السينمائي»، وهو يختبر من خلال عايدة التي تعيش وأبناؤها بلا مأوى، حقيقة أن لا شيء تغير في تونس ما بعد زين العابدين بن علي، وعايدة تصرخ في الفيلم «تدوسون الشعب وبالأخص المرأة».

أما المخرج السوري نضال حسن فيحوّل فيلمه «حكايات حقيقة عن الحب والحياة والموت وأحياناً الثورة» في عرضه الدولي الأول، من فيلم يسعى لأن يروي مصائر نساء سوريات أعلنّ الثورة والتمرد من أجل حريتهن، إلى نساء أخريات يصنعن ثورتهن الآن.

أما جديد المخرج المصري سعد هنداوي «دعاء.. عزيزة» في عرضه العالمي الأول، فيروي كيف تخطط عزيزة للهجرة خارج مصر، عكس دعاء التي تنوي مغادرة فرنسا والعودة للعيش في مصر! مثيراً تساؤلاً مفاده: هل نجد في الغرب جنتنا المفقودة؟

ووفق آلية سرد تمزج الروائي بالتسجيلي يقدم المغربي محمد العبودي في الوثائقي «نساء بدون هوية»، مأساة فتاة مغربية تتعرّض للاغتصاب ولم تتجاوز الـ‬15 من عمرها، ومن ثم تتبرأ عائلتها منها، فتُحرم من أوراقها الثبوتية، لكنها على رغم قسوة ما تنوء تحته، مازالت ترفض الاستسلام لواقعها، مواصلةً السعي لتحقيق أحلامها بالأمومة والعيش الكريم.

وفي فعل استعادي على اتصال بالحاضر تعود اللبنانية إليان راهب في فيلمها «ليالي بلا نوم» إلى أحد الفصول الدامية من الحرب الأهلية اللبنانية، وسبق أن عرض هذا الفيلم في مهرجان سان سبستيان، بينما تقدم مواطنتها فرح قاسم في فيلمها «أبي يشبه عبدالناصر» فيلماً حميمياً وخاصاً جداً، عن علاقة المخرجة بأبيها، وهي تحاول إيجاد أجوبة عن أسئلتها قبل فوات الأوان.

«غزة تنادي»

فلسطينياً، فإن ثلاثة أفلام في عروضها العالمية الأولى لها أن تقارب مأساة ومعاناة الفلسطينيين تحت قبضة الاحتلال، الأول بعنوان «غزة تنادي» للمخرجة ناهد عواد، حيث يوثق معاناة عائلات فلسطينية غير مسموح لها بأن تعيش حياة طبيعة، وأن يلتقي أفرادها، في ظل الحصار الاسرائيلي، وقبضة الاحتلال تسعى لأن تعتصرهم وتجردهم من أدنى حقوقهم الإنسانية.

أما فيلم «متسللون» للمخرج خالد جرار، فيضيء حياة الفلسطينيين وطرقهم وابتكاراتهم في التحايل على جدار الفصل العنصري الجاثم على صدورهم، متتبعاً محاولات أفراد وجماعات البحث عن ثغرة فيه، والتسلل من خلالها.

القدس ستحضر في وثيقة خاصة يقدمها رشيد مشهرواي في جديده «أرض الحكاية»، من خلال المصور الأرمني إيليا، ووالده المصور أيضاً، ومن ثم ابنه، وصوّروا جميعهم القدس القديمة داخل الأسوار وخارجها، منذ زمن الانتداب البريطاني وإلى يومنا هذا. إنه فيلم خاص يرصد كل متغيرات المدينة المقدسة.

في سياق متصل، يأتي فيلم باري القلقيلي «السلحفاة التي فقدت درعها» في عرضه العربي الأول ليوثق القضية الفلسطينية، من مقاربة شخصية لابنة ألمانية وأسئلتها لوالدها الفلسطيني المسكون بالعودة إلى فلسطين.

متغيرات

تمضي ندى شهاب في فيلمها «حديقة أمل» إلى شمال العراق وتجمع حكايا زوجين مرت عليهما الحرب تلو الأخرى وهما يعملان على إعادة بناء منزليهما.

أما كريم غوري فيقول في فيلمه «الرجل في الداخل» «توفي والدي في ‬11 سبتمبر ‬1989. لا أذكر أين كنت يومها. لكن بعد ‬22 سنة من ذاك اليوم، ها أنا في غرفة فندق ما في الكويت العاصمة».

وينشغل فيلم المخرج الجزائري لمين عمار خوجة «سقسي خيالك» بأسئلة وجودية ترافق عودته إلى الجزائر.

وبإخراج مشترك يأتي فيلم «موسم حصاد»، وهو لكل من نسيم أمعوش، وسامح زعبي، وميس دروزه، وأريج سحيري، ليتمحور حول مقولة الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش «الهوية هي ما نورّث لا ما نرث، ما نخترع لا ما نتذكّر» مقدماً أسئلة المخرجين الأربعة حول الهوية والإرث، مقدّمين صورة حسّاسة عن العالم العربي، معبّرين عن تساؤلاتهم الشخصية وقلقهم، من أربعة أمكنة مختلفة.

من جهته، اعتبر مدير البرامح العربية في «دبي السينمائي» عرفان الرشيد الأفلام الوثائقية العربية في هذه الدورة تضع المشاهد العربي وجهاً لوجه أمام واقعه، بينما تعرّف غير العربي بهذا الواقع على شتى المستويات، مؤكداً أنها تلتقي فنياً على قوة السرد، سرد ما يعيشه البشر والتنويع في أدواته، بما يحرض المتلقي إلى السعي لمعرفة المزيد، بعد معاينة حيوات ومصائر لم يعاينها من قبل.

الأكثر مشاركة