احتفالات الوطن.. غناء وأفراح ومســيرات حُبّ للإمارات
لم تجد المؤسسات المهتمة بالثقافة والفنون والعشرات من أصحاب المبادرات الذاتية حلاً لتجد لنفسها موقعاً في أجندة الاحتفالات، سوى توسيع رقعة الزمان، لتبدأ احتفالاتها حتى قبل حلول الذكرى الـ 41 لليوم الوطني الأحد، إلا أن هذا المخرج أيضا لم يكن كافياً، كي تتزامن احتفالاتها مع أخرى مقامة في التوقيت ذاته، في ضوء منافسة قوية سعى فيها المبدعون أيضاً إلى إظهار فرحة وطن يزهو باتحاده، عبر وسائط متعددة منها الحروف والأنغام والألوان.
اختلفت وسيلة التعبير باختلاف انتماء كل منهم لجنس إبداعي، فعبر الكلمة الشعرية شهدت الإمارات العديد من الأمسيات الشعرية، التي تغنى عبرها الشعراء بمشاعرهم، عاكسين حساً جمعياً يستعيد ذكرى المؤسسين، ويستلهم منها خطى تسارع البناء نحو المستقبل، وهو المحتوى ذاته، الذي سعى مطربون إلى استلهامه في العديد من الحفلات الغنائية التي إن اختلفت مضامينها، إلا أنها جاءت في السياق ذاته الذي يحتفي بـ«فرحة وطن».
مشاعر متجددة رغم أنهم ـ في كل عام ـ في التوقيت ذاته يسعون إلى المشاركة في الاحتفالات ذاتها، لكن بعدما يضاف عام جديد إلى عمر دولة الاتحاد الفتية، إلا أن متتبع إبداعاتهم لا يعدم أن يلمس التجديد دائماً في نتاجهم، وهو ما يحيله المبدعون أنفسهم إلى تجدد مشاعرهم في جدلية ارتباطهم بالوطن. الفنان حسين الجسمي، من جانبه، أكد أنه لا يملك دائماً خيارات مسبقة في ما سينجزه من أجل المشاركة في الاحتفالات، مضيفاً «عندما يقترب الاحتفال بذكرى اليوم الوطني، يصبح الانشغال بصياغة عمل جديد يترجم عشق الوطن، الذي يتنامى بداخلنا أمراً تلقائياً، لا يلبث أن يتحول إلى واقع، في الوقت الذي اعتبر فيه الدعوة إلى مشاركة أبناء الوطن مشاعر الزهو والفرحة بهذا اليوم مناسبة رمزية لرد دين دولة منحتنا كل خير بلا حدود». الفنان فايز السعيد، الذي يبقى حاضراً دائماً في هذه المناسبة، سواء بإحياء الحفلات الغنائية المختلفة، أو بإنجاز ألحان لأغان وطنية، فضلاً عن الإنتاج أكد أنه لا يتصور أن تمر ذكرى للاتحاد، من دون أن يشارك في فعاليات بعض الاحتفاء بها، مؤكداً أن مشاركة أي فنان في تلك الاحتفالات تبقى بمثابة «شرف، ومحاولة غير مكتملة لرد الدين». المخرجة الإماراتية الشابة حنان غيث، التي لم تغب عن المشاركة الإبداعية للاحتفالات، حتى في فترة علاجها خارج الدولة رأت سعي المبدع أن يكون موجودا بنتاج جديد، في ظل الاحتفاء بالاتحاد هو بمثابة مساحة حقيقية، للتعبير عن «فرحة شعب»، مضيفة «من يتسنى له أن يكون حاضراً في هذا المشهد، ويغفل عن تلبيته، فمن المؤكد أنه فوت على نفسه فرصة التلاحم مع أصدق مشاعر، وهي مشاعر عشق الوطن من قبل شعب الاتحاد». الفنان خالد الجلاف، الذي أبدع أعمالاً خطية وتشكيلية عدة، مستلهمة من ذكرى الاتحاد، أكد أن تأسيس دولة الاتحاد كان بمثابة فتح جديد لصرح حضاري في شتى المجالات، مضيفاً «الفنون مطالبة بإظهار أثر الاتحاد، عبر تلاحمها مع مشاعر وطن يزهو باتحاده، كل حسب وسيلته التعبيرية». وسط أجواء الفرح الغامر، التي تسود احتفالات الدولة بالعيد الـ41 للاتحاد، احتفلت مدرسة ربتون ـ دبي باليوم الوطني، بفعاليات مميزة شارك في تقديمها إدارة ومعلمو وطلبة وطالبات المدرسة، حيث قام الطلاب برسم قلب كبير بألوان العلم داخل المدرسة، هدية إلى روح الاتحاد في دولة الإمارات، إضافة إلى فعاليات متنوعة كعرض للعباية والرقصة الإماراتية ورسم الحناء وغيرها. دبي ــ الإمارات اليوم |
التشكيل الذي يعتبره البعض فناً للنخبة، كسر هذا الحاجز في ظل عمومية المشهد الفني، ولم يكن استثناء من شموليته، بل إن فناً تقليدياً هو فن الخط العربي حضر أيضاً بقوة في هذا المشهد الثقافي البانورامي، ووجدنا خطاطين إماراتيين يصرون على المشاركة في تلك الأجواء الاحتفالية، بأعمال صيغت خصيصاً لهذه المناسبة.
وإذا كانت الأجناس الفنية السالفة يُتوقع منها أن تكون حاضرة في مناسبة وطنية هكذه، فإن فناً آخر يعتبره البعض وسيلة دائمة للقراءات إما المباشرة الترفيعيهة، أو الساخرة المريرة، كان مزهواً بالمناسبة وانفعل مبدعوه بها بشكل لافت ومبتكر، وهو فن الكرتون، الذي حضر من خلال عملين إبداعيين، أحدهما لصاحب شعبية الكرتون حيدر محمد، والآخر لمبدعة كرتون «شلة دانة» المخرجة حنان غيث.
وفي مقابل حضور الثقافة والفنون بمنتجات إبداعية، شكلت دعوة للتذوق وفق وسائط متعددة، منها الكلمة والموسيقى والألوان وغيرها، فإن ثمة فعاليات أخرى أخذت منحى آخر هو الندوات والسجالات التي أبحر المشاركون فيها باتجاهات مختلفة، منها إلى الماضي حيث «جهود مؤسسي الاتحاد»، الذي كان عنواناً لندوة استضافتها مؤسسة «ندوة الثقافة والعلوم»، وتحدث فيها وزير الخارجية السابق عبدالله راشد النعيمي، ومنها إلى المستقبل مثل ندوة «الجهود التنموية في ظل الاتحاد»، التي استضافتها المؤسسة ذاتها، واستضافت عبرها أعلاما في مجالات مختلفة، تحدثوا أيضاً عن بعض ثمار الاتحاد عقب أربعة قرون من الجهد والكد.
المكان هو الإمارات السبع، والزمان وإن امتد احتفالياً لأيام، إلا أنه حسب المشاركين في الأحداث سواء من قبل المبدعين أنفسهم، أو متذوقي إبداعهم، يتجاوز تلك الأيام ليصبح الاحتفاء بمثابة استحضار لقيمة الاتحاد وقيمه، من أجل السعي للمشاركة في المحافظة على خصوصية نتاجه صرحاً حضارياً مميزاً.
المخرجة الإماراتية حنان غيث، التي تحدت ظروفاً صحية بالغة الصعوبة، وتجازوت محنة اضطرتها للعلاج في ألمانيا على مدار أكثر من عام كامل، لاتزال تعاني آثارها التي كانت حاضرة في تلك الفعاليات، من خلال سلسلة من الفعاليات التي أقامتها عبر فريق «شلة دانة»، ووزارة شؤون الرئاسة، شاركت في حفل بمسرح المركز الوطني للوثائق والبحوث مع الشخصية الكرتونية «دانة»، ونخبة من الأطفال من أكاديمية زايد للبنات، وبحضور أطفال المدارس، قبل أن تحيي حفلاً آخر بإمارة رأس الخيمة، وثالثا بمدينة الطفل في دبي.
الفنان حيدر محمد استحضر أجواء عمله الكرتوني «شعبية الكرتون»، في أغنية جديدة بعنوان «حنا خليفة» بأداء صوتي لأصحاب الشخصيات الكرتونية الثلاث: بومهير وأمون وعفاري، ومن كلمات المذيع الإماراتي سعود الكعبي، فيما كانت مبادرة لإحدى الشركات الوطنية، وهي شركة «دو» عبر إطلاق مسابقة لكتابة أغنية، تحت عنوان «أغنية يكتبها شعب الإمارات»، بمثابة مثال لدعم قطاع المال والأعمال للمبادرات المجتمعية، ومشاركته بفاعلية في النشاط الثقافي والفني الهادف.
ومن أبوظبي العاصمة، إلى إمارة رأٍس الخيمة، مروراً بدبي والشارقة وعجمان وأم القيوين والفجيرة، شملت الفعاليات الفنية والثقافية كامل ربوع الدولة، بل إن الجاليات المقيمة شاركت أيضاً بفعالياتها، وظهر جانب من فلكلورها على مسارح مختلفة، حيث قدمت الفرقة الصينية عرضاً فلكلورياً مميزاً على مسرح ندوة الثقافة والعلوم، الذي استضاف أيضاً عرضاً لفرقة استعراضية مصرية، هي المؤسسة التي استضافت أيضاً فعاليات تشكيلية، وخطية.
التنافس على التعبير عن الفرحة حوّل الاحتفالات إلى تظاهرة حب، اجتمع في صياغتها إبداعيا كم كبير من المبدعين، ففي مجال الأغنية لم يقتصر المشاركون في الاحتفالات على الفنانين الإماراتيين، بل وجدنا مشاركة عربية وخليجية في هذا المجال، بل إن البعض لم يستطع ـ من فرط كثافة الفعاليات ـ أن يجد له مكاناً في قائمة فعالياته، وكان بعض الفنانين يتنقلون سريعاً بين إمارات الدولة، من أجل مشاركة قاطنيها فرحتهم، وهو ما انطبق على كثيرين منهم، مثل حسين الجسمي، ومنصور زايد، وعيضة المنهالي، وعبدالمنعم العامري، وماجد المهندس، ومحمد المزروعي، ورابح صقر، وديانا حداد وغيرهم.