معرض فهد جابر في مركز «الثقافة» بأبوظبي
«خارج الطيف».. ألوان تتمرد عــلى الصمت
عندما يتمرد اللون بين يدي الفنان على وظيفته البصرية، ساعياً إلى حضور أكثر فاعلية، فمن المنطقي ان يجد الفنان نفسه «خارج الطيف»، باحثاً عن ما هو بعيد عن السائد والمتعارف عليه، كما في معرض الفنان الإماراتي فهد جابر الذي افتتح أول من أمس في مركز وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع بأبوظبي.
في معرضه الذي ضم 22 لوحة استغرق عامين لتنفيذها، فتح فهد جابر المجال أمام الألوان لتخرج عن صمتها المعتاد، وتنطلق بعيداً مسكونة بالصوت والنبض والمشاعر أيضا، لتعبر عن حالات مزاجية ونفسية عدة مر بها الفنان، وحملها اللون إلى بياض اللوحات لتتحول إلى تكوينات عامرة بأحاسيس لا يجد المتلقي صعوبة في تلقيها والتفاعل معها، كما في لوحة «بقايا انسان» التي تكتسي خلفيتها باللون الأزرق بينما تتصدر المشهد تكوينات لونية في تكوينات افقية تشبه مؤشرات النبض، وتحمل بداخلها نفس الحركة المتتالية غير المستقرة، حتى يشعر المتلقي بأنه يكاد يسمع صوت دقات النبض تتوالى. في لوحة أخرى، لا تحمل عنواناً، وهو اتجاه مقصود من الفنان ليترك المساحة للمتلقي ليتفاعل مع اللوحة دون تحديد، غلب السواد على خلفية العمل وقطعته في المنتصف موجات متوازية باللون الأبيض لتشبه شطري بيت من قصيدة. هذا التقلب في الحالات انعكس في اللوحات التي سيطرت على بعضها ألوان قاتمة مثل الرمادي والأسود، تعبيراً عن فترات اكتئاب او ربما حزن مر بها الفنان، بينما سطعت لوحات أخرى بألوان زاهية مستبشرة كالأخضر والأزرق والأحمر والأصفر، يجد فيها المتلقي حالة مزاجية أكثر ايجابية وتفاعلاً مع الحياة.
حروف وخيول
أيضاً حمل المعرض الذي يستمر حتى 11 ديسمبر الجاري، وحضر افتتاحه مدير إدارة التراث والفنون بوزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع وليد الزعابي، ومدير إدارة الثقافة والفنون في هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة عبدالله العامري، تجربتين جديدتين للفنان، تمثلت الأولى في لوحات الخط العربي التي ضمها المعرض، والثانية في لوحات الخيول، وهي مجالات لم يسبق لفهد جابر الاشتغال عليها في لوحاته.
وأرجع جابر هذا التوجه إلى رغبته في ان يخرج الخط العربي من الجمود الذي يظهر به في أعمال كثير من الخطاطين. ويعيد تقديمه برؤية خاصة به. وفي لوحاته قدم الفنان تكوينات حروفية تميل إلى الامتداد الأفقي في الغالب، برزت فيها مرونة الحرف العربي وقابليته للتشكل، ورغم الاهتمام بالحروف إلا ان الفنان لم يتجاهل اللون في هذه اللوحات التي بدت مقسومة إلى نصفين الأيمن يحمل التكوين الحروفي، بينما تمتد في الجانب الآخر مساحة لونية موازية.
التجربة الثانية التي قدمها فهد جابر في المعرض تمثلت في لوحات للخيول، جسد فيها الخيول لكن بعيداً عن التناول الشائع لدى كثير من الفنانين.
وبلغت فيها قدرة اللون والفرشاة على تجسيد المشاعر والمعاني درجة كبيرة من الاتقان، كما في لوحة «عناق» التي يبرز فيها اثنان من الخيول في حالة عناق تحمل الكثير من معاني الألفة والتوحد يستشعرها المتلقي عبر انسيابية اللون ومرونة الحركة، بينما تسهم الخلفية السوداء في تجسيد اللوحة وابرازها.
نقلة جديدة
أوضح فهد جابر أن «خارج الطيف» وهو معرضه الثاني، إذ سبقه معرض اقيم في 2008، يعبر عن مضمون اللوحات التي عمد فيها إلى الابتعاد عن التكوينات اللونية المتعارف عليها، وتجربة تكوينات بألوان قد تبدو للبعض غير متآلفة، ولكنها تعبر عن حالات وأحاسيـس مر بها وعمل على تجسيدها.
وأشار جابر إلى ان المعرض يمثل نقلة له ليس فقط من حيث الموضوعات، ولكن ايضاً من حيث حجم اللوحة، فقد استخدم فيها لوحات كبيرة الحجم ما منحه شعوراً بالراحة في التعبير دون التقيد بمساحة صغيرة.
كما اتجه في «خارج الطيف» إلى تكريس انتقاله من الواقعية إلى التجريد ما يمثل مرحلـة مهمـة في تاريخه كفنان. وأشاد جابر بدور وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع التي قامت بتنظيم المعرض، في دعم الفن التشكيلي والمبدعين الإماراتيين بتوفير المناخ المناسب لهم لإبراز إبداعاتهم، بل وتبنيها من خلال سلسلة (اهداءات) الوزارة من الأعمال الفنية غير التقليدية.
مسكون بالإبداع
مدير إدارة الفنون والتراث بوزارة الثقافة وليد الزعابي، من جهته، أشار إلى ان «فهد جابر فنان مسكون بالإبداع، عشق الألوان والخطوط ورسم كل ما يحيط به من مظاهر الحياة متأثراً بمشاعره الإنسانية وتلوناتها بين الفرح والحزن، ويمتلك القدرة على استخدام التلوين بجرأة فيجذبك إحساسه من حسن اختيار زوايا أعماله الجميلة، لاسيما في تصويره إيقاع حركة الخيول وعنفوانها وعلاقتها ببعضها بعضا»، لافتاً إلى أن خطة الربع الأخير لهذا العام وضعت أعمال فهد جابر على أجندتها لإمتاع ذائقة عشاق الفن التشكيلي بمعرض بهذا المستوى لفنان تستعين به الوزارة ضمن قائمة الاهداءات، إذ أهدت الوزارة بعض أعماله إلى صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، كما أهديت أعمال أخرى إلى بعض زوار الدولة من الوزراء والدبلوماسيين.
من جانبه، قال مدير إدارة الثقافة والفنون في هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة عبدالله العامري إن «لوحات فهد جابر مفعمة بالألوان وجاءت خلفيات لوحاته ثرية بالألوان مكملة لمقدمتها وتحاور موضوعها. وهو هنا من خلال اتجاهه التجريدي يخوض تجربة جديدة لم يعزل مكونات عالمه المصور عن عالمها ليحولها إلى كائن في فراغ، سواء بالنسبة للخيل أو الحرف أو حتى الألوان التكوينية، بل دخل جابر في خضم عالم عايش أحواله وأهواله وسكناته ولحظاته».
وأضاف العامري أن «فهد جابر من الفنانين أصحاب الخبرة الكبيرة، وعبرت عن خبرته 22 لوحة فنية هي من أروع ما قدم في الطابع التجريدي، حيث تمثل مجموعة متداخلة من المشاعر، صحيح أن المعرض مرحلة جديدة ولكن يبقى الفنان ليجرب لاسيما الفنانون الجدد بعكس المسنين الذين تلونت أعمالهم بصبغة واحدة».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news