ضمن فعاليات «سوق القطارة» في العين

ندوات تراثية ورواة يحكون تاريخ الإمارات وأخبارها

جانب من إحدى جلسات الرواة وحديث عن التاريخ. من المصدر

في إطار الفعاليات المصاحبة لافتتاح سوق القطارة التاريخي في مدينة العين، وتزامناً مع احتفالات الدولة بـ«اليوم الوطني الـ‬41،» نظمت هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة سلسلة ندوات تراثية حول سوق القطارة التاريخي في مدينة العين، وجهود المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، تناولت أهمية الحفاظ على الطابع التراثي التقليدي في واحات العين، خصوصاً واحة القطارة التي تحتوي على ما يزيد على ‬20 معلماً تراثياً بما في ذلك القلاع والأبراج، والبيوت القديمة، والمساجد، والأفلاج، وما تمخض عنها من علاقات اجتماعيّة واقتصاديّة كانت سائدة لدى سكان الواحة قديماً.

وجاءت الندوات تحت مسمى «مجلس الحوار التراثي» في سوق القطارة الأسبوع الماضي. وأدار الحوار فيها خبيرا التراث في إدارة التراث المعنوي في الهيئة الدكتور مزيد منصور النصراوي والدكتور موسى سالم الهواري، بحضور عدد من الرواة والإخباريين الذين عاصروا فترة نشاط السوق إبّان الخمسينات والستينات من القرن الماضي، إضافة إلى عدد كبير من الحضور، والمهتمين بالتراث.

وأقيمت الندوة الأولى تحت عنوان «سوق القطارة النشأة والتأسيس»، إذ تمت استضافة الإخباري: مطر راشد بن حميد الدرمكي (‬73 عاماً)، والراوي راشد بخيت بن ديول الدرمكي (‬63 عاماً)، وهما من أهالي الواحة، حيث تحدث مطر راشد الدرمكي عن الحالة الاقتصاديّة لواحات العين، والأسباب التي دعت إلى إنشاء السوق في ثلاثينات القرن الماضي، ومن بينها توفير الوقت والجهد والعناء الذي كان يبذله السكان في تأمين احتياجاتهم من المواد الأساسيّة من سوق البريمي، مبيناً دور المغفور له الشيخ شخبوط بن سلطان آل نهيان حاكم إمارة أبوظبي، في إنشاء السوق في منتصف الطريق الفاصل بين واحتي القطارة والجيمي (طريق النخيل)، ودور الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، في تطويره والمحافظة عليه. كما تحدث الإخباري راشد بخيت الدرمكي عن النشاط الاقتصادي الذي شهده السوق في تأمين احتياجات السكان من المواد الغذائية كالأرز والطحين والسكر والتمر والبهارات والصابون والألبسة بأنواعها، وغير ذلك من المستلزمات التي كان يجلبها التجار من دبي وأبوظبي، كما بيّن أن السوق كان محط اهتمام ورعاية الشيخ زايد رحمه الله، حيث كان يتفقده ضمن جولاته على الواحات.

من جهته، تحدث الراوي راشد بن بخيت بن ديول الدرمكي عن مآثر الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في فترة حكمه للمنطقة الشرقية تجاه سكان الواحات في مدينة العين، وعن التوسعة التي شهدها سوق القطارة عام ‬1976، التي كانت بتوجيهات الشيخ طحنون بن محمد آل نهيان، ممثل الحاكم في المنطقة الشرقية، بزيادة عدد دكاكين السوق لتصبح ‬19 دكاناً، بعد أن كان عددها في بداية إنشائه ‬14 دكاناً.

كما تحدث راشد الدرمكي عن أصحاب الدكاكين مبيّنا أنهم كانوا من أهالي العين، وأنها كانت توزع عليهم بالمجان تبعاً لأنواع السلع التي كانوا يعرضونها، والتي تلبي متطلبات الحياة اليومية للسكان في تلك الفترة، مشيراً إلى أن قلة من النسوة كن يعرضن أحياناً بعض السلع مثل السمك المجفف، والبيض، والدواجن، ومشتقات الألبان بالقرب من السوق.

وفي الندوة الثانية، تم استضافة الشاعر سيف بن خميس بن بدر الظاهري (‬62 عاماً)، والراوي سهيل الماس بن محمد الظاهري (‬61 عاماً)، للحديث عن ذكرياتهما وما سمعاه من آبائهما عن نشاط السوق، لاسيما دوره الاجتماعي والثقافي في حياة سكان القطارة والواحات المجاورة، وحول الدور الاجتماعي للسوق لدى سكان العين، بيّن الشاعر سيف الظاهري المكانة الاجتماعية أنه كان ملتقى ومركزاً مهماً للتواصل والتعارف وتبادل الآراء والأخبار بين أبناء القبائل، كما لعب دوراً ثقافياً في المجتمع آنذاك تمثّل في تعليم عدد من أبناء واحة القطارة والواحات المجاورة، إذ تولى المرحوم جمعة بخيت الدرمكي أحد أبرز تجار سوق القطارة، إلى جانب عمله في البيع والشراء، تعليم عدد كبير من أبناء العين على مبادئ القراءة والكتابة وحفظ القرآن، وتخرج على يديه عدد ممن تابعوا تحصيلهم التعليمي وتبؤوا مناصب رفيعة في ما بعد في الدولة، إلى جانب مهن أخرى مارسها المطوع جمعة مثل الختان، كما تحدث عن المباني التاريخية المجاورة لسوق القطارة، ومنها بيت بن عاتي الدرمكي، الذي أُعيد استخدامه ليصبح مركزاً للفنون والثقافة في الواحة، ودكان سليمان الذي كان مخزناً للبضائع المستوردة للسوق، وهو الآن جزء من المبنى الذي يشغله مركز القطارة للفنون.

كما تحدث عن بيت محمد بن بدوة الدرمكي الواقع إلى الشمال من السوق، ومسجد صالح بن بدوة الدرمكي. وفي نهاية مداخلته قدم قصيدة من نظمه مهداة إلى صاحب السموّ الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، بمناسبة «اليوم الوطني الـ‬41».

بدوره، تحدث الراوي سهيل الماس عن والده البالغ من العمر‬92 عاماً، والذي كان يشغل أحد الدكاكين لبيع الألبسة إذ كان يستورد الأقمشة من دبي وغيرها ويخيطها بآلة خياطة تقليدية مازالت محفوظة لديهم، كما تحدث عن ذكرياته في السوق، وختم القرآن الكريم على يد المطوع جمعة بخيت الدرمكي، والتقاليد الاجتماعية المتبعة في هذه المناسبة «الختمة».

وفي الندوة الأخيرة التي خصصت للحديث عن فلج القطارة، تحدث محمد بن حمد بن ملهي العامري عن دور والده في حفر الأفلاج وصيانتها في خمسينات القرن الماضي، وعن جهود المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، في إعادة تأهيل الأفلاج وحفر فلج الصاروج (العيني)، الذي استمر ‬18عاماً وكان نقطة تحول بارزة في تاريخ الأفلاج في العين، حيث جرى بعد حفره إعادة توزيع مياه الأفلاج بين المزارعين مجاناً، ما أدى إلى زيادة عدد مرات سقاية المزارع، بعد أن كادت أشجارها ومحاصيلها تتعرض للموت بسبب قلة المياه.

وقد أُثريت الندوات بالحوار والمناقشة من قِبل المشاركين فيها، إضافة إلى تقديم بعض المقترحات لتطوير السوق وتفعيل دوره في الجوانب الثقافية والاجتماعية والتاريخية في مدينة العين، ليكون إضافة نوعية إلى ما تزخر به من مواقع ومناطق تراثية.

 

تويتر