«سالتو».. أجساد مــسكونة بالصراع

يختزل الفنان الايراني أحمد أمين نزار، من خلال التخطيطات التي يقوم بها الأجساد البشرية، ليبرز القوة التي يتمتع بها أصحاب العضلات، مبتعداً في هذا المعرض عن أبطال المسرحيات والعظماء الذين طالما اعتمد عليهم في أعماله السابقة. وتطرح الأعمال التي قدمها في معرض «سالتو» الذي افتتح أخيراً في غاليري «ايزابيل فان دين آيند»، صراع البشر عبر المساحات الكبيرة، متعمداً عدم الاسراف في الألوان، ليترك للفراغ مساحة مهمة في الأعمال. ولا يمكن حصر الصراع المتجسد في اللوحات بين البشر، فهو يصلح ليكون صراعاً من أجل الوجود والحياة، فالإنسان مسكون بفكرة الصراع من أجل البقاء منذ و

تركيب لوني

سيرة لونية

درس أحمد أمين نزار الفن في طهران، ثم سافر الى كولونيا وألمانيا وانضم الى جمعية التشكيليين في كولونيا، الأمر الذي منح تجربته الاثر الغربي. عاد الى ايران بعد ثماني سنوات، محاولاً اكتشاف العلاقة بين تقاليد المنمنمات الايرانية، والادب الايراني من خلال فن النقش. وقد أبرز من خلال أعماله الفرق بين الاعمال الايرانية التقليدية والحديثة، مظهراً الفوارق بين الاثنين بأسلوب بارع. وقد علم نزار الفن للعديد من الاجيال في الجامعة الى جانب مجموعة من الفنانين الذين درسوا تحت اشرافه الخاص وتأثروا بتجربته الفنية. وكالعديد من فناني جيله تأثر نزار بالأحداث السياسية والتاريخية التي فرضت ابعاداً ايديولوجية وسياسية على فنه، فكان مأخوذا بالدفاع عن اللاجئين والتحرر من القيود السياسية التي تفرض على البشر. وقد اقتنى المتحف البريطاني اخيراً عملين للفنان الايراني، التي تنتمي الى مجموعة أعمال قدم فيها العظماء والابطال بأسلوب الفن الاسلامي.

ضربات ريشة نزار رفيعة جداً تمنح ايحاء الحبر، على الرغم من اعتماده على الاكريلك، لاسيما أن الفنان يعتمد على الأسود والبني بشكل أساسي. ويتعمد من خلال الريشة وعبر الخطوط السريعة تجسيد الأشكال البشرية وابراز العضلات، فيقدم تفاصيل الشكل الخارجي للجسد، دون ان يتوغله من الداخل، تاركاً السيطرة للفراغ الابيض. الخطوط الكثيفة التي تتشكل منها اللوحات تقدم ظلال الأجساد، خصوصاً عبر اللوحات التي يعتمد فيها نزار على الحركات التي يثنى فيها الجسد. بينما يحمل التركيب الذي يتكون عبر التصاق الاجساد الكثير من الطواعية التي تتيح رؤية اللوحة من زوايا مختلفة، ما يجعلها قابلة لتحويل المشهد المرسوم الى مشهد آخر مختلف تماماً. إنها القدرة على التغيير في الشكل وفي دفة المعركة التي تدور بين الاشخاص، وفي الختام النتيجة النهائية لهذا الصراع القائم، الى جانب ذلك تمنح الطواعية التي يعطيها نزار للأجساد في لوحاته الكثير من المرونة، فيستطيع أن يتصور المتلقي ما يشاء من خلال الاعمال الموجودة أمامه والتي تحمل الأبعاد نفسها.

لا يمكن تكهن المشاعر الانسانية التي تدور بين البشر، فالفنان يعتني بالصراعات التي تبدو أحياناً كأنها رقصات ديناميكية الحركة، فالأجساد تتحرك كأنها في لعبة أو عناق. الرؤوس مقطوعة وكذلك اليدان والقدمان، وإنما الحركات الشديدة واضحة المعالم. توجد هذه المشاهد لدى المتلقي الكثير من الأسئلة التي تدور في فلك الوجود والحياة التي نعيشها، فهل القوة هي الركن الأساسي للبقاء، وهل هذه القوة محصورة بالعضلات وليس الفكر؟ الإجابات غير موجودة وليست متاحة، فالصراعات غير واضحة النتائج، ولا مكان للهزيمة أو الانتصار في ساحة هذه الاعمال. وإن الابهام الذي يتعمده نزار يمنح أعماله سمة تميزها عن الأعمال السابقة التي كان يحرص فيها على إيجاد رموز تعزز ايصال الفكرة بشكل مباشر للمتلقي.

استقلالية متداخلة

استقلالية الاشخاص الذين يقدمهم نزار غير موجودة، إنها استقلالية ثنائية متداخلة، وجودها مرهون بالآخر. يطرح الفنان الايراني من خلال هذه الاستقلالية علاقة المرء بالآخر من دون أن يعرض المحيط أو الحياة التي يدور الصراع في فلكها، فهو يكتفي بالتفاعلات الشخصية والانفعالات الذاتية التي يصدرها المرء في تعاطيه مع الآخر. أما الحركة فهي جزء أساسي في أعماله، إنها المصدر الوحيد للتغيير في الحياة، وكذلك هي الوسيلة التي عبرها يستطيع ان يبرز التغييرات في العضلات وفي الأجساد التي يعنى بتصوير أدق تفاصيلها المتبدلة مع تبدل الحركة، كما يعتمد على ترك بعض العلامات على أطراف العمل، فهناك اشارات للأقدام أو حتى بعض النقاط من الألوان المتناثرة والتي تبرز تقنيات عمله على الورق الكبير الحجم.

أما التكرار في الأعمال الذي يلجأ اليه نزار في الكثير من أعماله فقد يوقعه في رتابة التشابه، إضافة الى ابتعاده عن الألوان التي كان من شأنها أن توجد تغييراً بارزاً وتمييزاً في كل عمل ان وجدت فيه. وقد تأثر نزار الذي عاش ثماني سنوات في كولونيا بالفن الغربي، فيحاول من خلال تجربته الربط بين الفن المعاصر الغربي، وكذلك بعض الملامح المرتبطة بالثقافة الايرانية، فيبرز في إحدى لوحاته الملابس التقليدية الايرانية التي غابت عن كل اللوحات، ولم تظهر سوى في عمل واحد. الارتباط الوثيق بالثقافة لابد أن يتجلى مع نزار، من خلال الأفكار التي يطرحها، التي تنتمي الى بلده ومنشأه وحياته. الصراع الذي يصوره نزار في لوحاته لا يمكن أن يكون خارجاً عن الحياة السياسية الايرانية، فهذه الجوانب طالما شغلت أعماله السابقة والتي كانت تجمل الكثير من المباشرة في ايصال الفكرة.

الأكثر مشاركة