«المسرحية» عالجت فكرة الحلم بوطن يسوده الأمان. تصوير: مصطفى قاسمي

«أحلام نجمة».. صـــراع من أجل الأمان

حزمة من الأحلام المشروعة بوطن يعمه الاستقرار والسلام والأمان هي جل ما تتمناه دجاجة، فكيف بإنسان يعيش بلا أمن ولا أمان، هو ذلك الغريب في وطنه الذي سلب أبسط حقوقه وبقي صامتاً ما دام الجميع صامتين. وفي مهرجان الإمارات لمسرح الطفل في الشارقة، جاءت مسرحية «أحلام نجمة»، لتسلط الضوء على هذا الجزء المشروع من حقوق إنسانية سلبت على يد أعداء السلام.

بفكرة جيدة ونص وصف بالعميق ومعالجة إخراجية موفقة، عرضت مسرحية «أحلام نجمة» في قصر الثقافة في الشارقة، أول من أمس، ضمن عروض مهرجان مسرح الطفل، إذ تمكنت الفرقة التابعة لمسرح دبي الأهلي من الاشتغال على العمل في أقل من ‬14 يوماً من التدريبات المكثفة، وسط ضغوط الامتحانات المدرسية التي سبقت المهرجان بأيام، إلا أن تفاعل الحاضرين من أطفال وكبار مع أداء الممثلين الذين أظهروا إمكانات جيدة وكشفوا عن مواهب حقيقية.

المسرحية عالجت فكرة الأحلام البسيطة التي تسعى إلى تحقيقها الدجاجة نجمة، التي أدت دورها الممثلة رانيا العلي، وزوجها الديك صياح، الذي جسده الفنان عبدالله الجفالي. وبقي الحلم يراود الابطال ليل نهار مع أصدقائهم الدجاج والديوك الآخرين، فهم ببساطة يتمنون وطناً يسوده السلام والوئام

حلم النجمة

 نجم «شرير»

«ابن عرس» كان يمثل رمز الشر في مسرحية «أحلام نجمة»، إلا أن الفنان الذي وصف بالرائع، أحمد مال الله، تمكن بروحه الجميلة، وتفانيه في تجسيد الشخصية بطريقه كوميدية، من كسب ضحكات الصغار، لا نظرات الخوف منه، إذ إن مال الله تقمص شخصية ذلك الحيوان المكار، ورفع من مستوى العمل، واستحق أن يكون «نجماً شريراً» في هذا العمل.

وعلى الرغم من أن الإضاءة ظلمت مال الله في كثير من مشاهده وحواراته، إلا أن هذا الفنان انتزع بخفة دمه محبة الجميع، بمن فيهم المشاركون في الندوة التطبيقية، الذين أثنوا على أدائه وقدرته العالية في تقمص الشخصية واحترافيته في التعاطي مع شخصيته والشخصيات الأخرى على خشبة المسرح. وطالبوا مخرج العمل ضرورة إعادة النظر في الاضاءة التي لم تخدم الفنان مال الله كثيراً، بل ظهر في معظم مشاهده في إضاءة خافتة جداً.

تبدأ المسرحية التي هي من تأليف الكاتب خيرالدين عبدالقادر وإخراج عمر غباش، بمشهد متخيل من قبل صياح ونجمة اللذين احتفلا بزواجهما وسط مشاركة الجميع وفرحتهم بهذا الزواج ومباركتهم لما سيتكلل به من صيصان تملأ البستان فرحة وبهجة. ووسط محاولات نجمة وزوجها أن يكون لهما بيضة تفقس ما بداخلها، كان ابن عرس الذي جسد دوره الفنان أحمد مال الله، يجوب البستان بحثاً عن بيض الدجاج المهمل أو حتى المكسور، ولا يتوقف عن البحث حتى ينام وهو ممتلئ البطن من البيض المسروق.

وفي صباح أحد الأيام باضت الدجاجة نجمة بيضتها الأولى، وسط تهليل أصدقائها الدجاج وزوجها صياح الذي بات صوته يصدح في أرجاء البستان فرحاً بقدوم مولوده الذي فضل أن يكون ديكاً صغيراً، على عكس ما كانت نجمة تفضل، ولأن الأخيرة باضت البيضة خارج القن، حاول الزوجان السعيدان نقل البيضة إلى داخله، ولأن الحرص المبالغ فيه غالباً ما ينقلب إلى الضد، سقطت البيضة بالخطأ وانزلقت من بين يدي صياح لتستقر على الأرض وتنكسر قشرتها الرقيقة، هنا انتهز ابن عرس الفرصة والتهم البيضة وسط تحذير البومة التي تؤدي دورها الممثلة الشابة رسل الزين.

تتصاعد أحداث المسرحية ومشاهدها التي لم تخل من رقصات وأغنيات تدعو إلى البهجة والتفاؤل بغد أفضل، حتى جاء اليوم الذي وضعت فيه نجمة بيضةً أخرى، إلا أن حزن الدجاج والديوك قتل فرحتها ببيضتها، خصوصاً أن ابن عرس ارتكب جريمة أخرى عندما افترس إحدى صديقاتها الدجاجات ولم يبق منها سوى القليل من العظام والريش، وفي أثناء تشييع الدجاجة غافلهم ابن عرس وسرق بيضة نجمة وصياح مرة أخرى.

هنا حرّضت البومة أصدقاءها الدجاج والديوك على ضرورة التكاتف لحماية بعضهم بعضاً من ابن عرس، خصوصاً أن هذا الأخير بات لا يخشى أحداً، فجوعه يبرر سرقته للبيض وافتراس الدجاج. وما إن وضعت نجمة بيضتها الثالثة، حتى بات الزوجان والبومة يسهرون على حماية البيضة ورعايتها، لتجنب وصول ابن عرس إليها، بل صاروا يحكون لها الحكايات والقصص ويحدثونها عن أحلامهم، حتى صارت البيضة تتضخم تدريجياً من تلك الأحلام والقصص التي ترسخت في ذاكرتها وصارت تتكلم وتتحرك.

موعد الفقس

في اليوم الحادي والعشرين، أي موعد فقس البيض وخروج الصوص الجميل الذي طال انتظاره، كانت المفاجأة التي تكمن في أن الصوص الصغير رفض الخروج لعالم مملوء بالكره والمشكلات التي كانت نجمة وصياح يحكيان له عنها، حتى دق ناقوس جوع ابن عرس، فحاول أن ينقض على الدجاج الملتف حول البيضة ويشردهم، ومن شدة الخوف هرب الدجاج والديوك بعيداً، فيما خرج الصوص الصغير من بيضته ليواجه العالم المحيط به، وهربت نجمة ولم تتوقف عن السير مسافة طويلة، حتى وجدت نفسها محتجزة في مزرعة صغيرة بعيدة عن زوجها وصوصها وأصدقائها. ولأن العمل الجماعي أساس كل عمل، ولأن التصدي لأشد الاعداء شراسة يكون بالتوحد والتكاتف في وجه العدو، تمكن صياح وأصدقاؤه من السيطرة على ابن عرس، بل وهزيمته، وتولى كل فريق مهام الحماية والمراقبة في البستان من هجمات مرتدة من قبل ابن عرس، الذي أجبر على عدم الوجود في المنطقة، وذلك لضمان تحقيق الاستقرار والأمن والأمان على المنطقة، بعيداً عن الاجرام والطمع، وهكذا عاش الدجاج في سعادة بالغة بعد القبض على ابن عرس الشرير.

الندوة التطبيقية

جاءت الندوة التطبيقية التي تلت عرض المسرحية، بمجموعة من الآراء والملاحظات التي من شأنها الاسهام في رفع مستوى العمل وتطويره مستقبلاً، منها ما هو إيجابي واستحق الثناء والإعجاب، وهو متمثل في جودة النص والفكرة والأغنيات المستخدمة والديكورات البسيطة، إضافة إلى الأزياء المبتكرة بالنسبة لكثير من المسرحيين والمهتمين، الذين أشادوا بأداء كل الممثلين، وتحديداً ابن عرس وصياح ونجمة.

ولأنه لا يوجد عمل مسرحي متكامل كانت هناك ملاحظات سلبية بسيطة، منها غياب شخصية صياح الذي يؤدي دوره الفنان عبدالله الجفالي في كثير من المشاهد في المسرحية، كما أن الرقصات وصفت بالفقيرة، والتي ليست لها علاقة بالديوك والدجاج، وليست على مستوى الطموح، منها رقصة الدبكة التي أقحمت على العمل ولم يكن لها لزوم على الإطلاق، كما طلب كثيرون الاستغناء عن المشهد الذي تبيض فيه الدجاجة نجمة. كذلك هناك ملاحظات فنية، منها أن الاضاءة لم تخدم كثيراً الممثلين، ولم تُظهر أداءهم، فضلاً عن حالات الاظلام بين المشاهد، والتي تمت من دون نقلات موسيقية. وطالب مسرحيون بضرورة تفعيل مشهد صراع الدجاج مع ابن عرس، الذي لم يكشف عن الطريقة التي تم التخلص بها منه، باعتباره قوة الشر، إلا أن طريقة القضاء على ابن عرس جاءت على لسان احد الديوك، فيما أكد المخرج عمر غباش ضرورة إلغاء مشهد احتجاز الدجاجة نجمة، واستبداله بمشهد الصراع بين الخير والشر، إذ كان المتفرج يتوقع أن يقيم الصوص الصغير ثورة ضد ابن عرس للقضاء عليه والتخلص من سلطته.

الأكثر مشاركة