الفرقة القومية للفنون الشعبية قدمت بانوراما مصرية استعراضية تناقلت بين تيمات وبيئات متتوعة في «العــويس». تصوير: مصطفى قاسمي

«ليلة مصرية» على خشـــبة «العويس»

«رغم كل التقلبات وعدم صفاء المناخ العام في بلدهم أو استقراره، يحرص المصريون على أن يحتفظوا دائماً بمساحة للفرح»، حقيقة تهامس بمحتواها البعض، وجعلتها أكثر جلاء الليلة المصرية التي استضافتها مؤسسة العويس الثقافية، أول من أمس، في مقرها بشارع الرقة، مختتمة بها موسماً حافلاً بالأنشطة الثقافية والفنية.

الليلة التي شملت معرضاً للمنتجات التقليدية، وعروضاً لواحدة من أهم الفرق الشعبية في الوطن العربي، وهي الفرقة القومية للفنون الشعبية، حضرها جمهور كامل العدد امتلأت به قاعة مسرح «العويس»، في ظاهرة أضحت نادراً ما تتكرر، بل إن الكثيرين اضطروا مع شغفهم بالعروض إلى متابعتها وقوفاً، في أجواء استعادت الكثير من ملامح البيئة المصرية المتنوعة. وجالت الفرقة الشعبية العريقة في الذاكرة الجمعية للمصريين، لتستدعي نخبة من أشهر الأغاني والموسيقى والرقصات الفلكلورية، تارة من أقصى صعيد مصر في حدها الجنوبي، وتارة أخرى تبتعد شمالاً باتجاه البحر المتوسط، حيث الأزياء واللهجة والفلكلور الاسكندراني البحري، مروراً بخصوصيات مناطقية أخرى تميز كل منها بسمات يعرف بها طقوسه الشعبية الأدائية منها الاسماعيلية وبورسعيد، وسيناء وغيرها.

فرحة من بعيد

وصف السفير المصري بالإمارات تامر منصور، الليلة المصرية التي استضافتها مؤسسة العويس الثقافية بأنها بمثابة «فرحة من بعيد»، مشيراً إلى أن من المفارقة أن تكون تلك المؤسسة العريقة التي سبق لها تكريم وزير الثقافة المصري الأسبق ثروت عكاشة، هي من تستعيد الآن استضافة فرقة أسسها عكاشة نفسه عام ‬1960.

عضو مجلس أمناء المؤسسة د. عبدالإله عبدالقادر، من جانبه اعتبر الليلة المصرية بتجلياتها وألقها وجمهورها بمثابة مسك ختام لفعاليات المؤسسة في عام ‬2012، قبل أن يقوم أعضاء مجلس أمناء المؤسسة عبدالغفار حسين، ود.عبدالله المطوع، ود. فاطمة الصايغ، بإهداء درعين، أحدهما للسفارة المصيرية بالدولة، والآخر لوزارة الثقافة المصرية، تسلمه المستشار شعيب عبدالفتاح، رئيس المكتب الإعلامي للسفارة المصرية، بحضور القنصل المصري في دبي شريف البديوي.

تجليات الليلة المصرية السعيدة انعكست على همسات الحضور، الذين قضوا سهرة نهاية الأسبوع في أجواء مصرية خالصة، ليتبين أن الجميع لايزال يتذكر طقاطيق لم يطوها النسيان، وإن تناستها ذاكرة أرشيف فضائيات عربية ومصرية. الحضور الفني الإماراتي أيضاً كان مميزاً، إذ حضر عدد من الفنانين المرتبطين بالمسرح والدراما، منهم د.محمد يوسف، والفنانون حميد سمبيج، وعبدالله أبوعابد، الذي جاء ليستمتع بالعروض المصرية، لكنه في الوقت نفسه أكد أنه توقع مساحة استمتاع فنية أكبر مما آل إليه العرض.

تنوع

رغم المساحة الصغيرة لخشبة المسرح التي لم يعتد عليها الفنانون المصريون خصوصاً، إلا أن المؤدين تمكنوا من التأقلم معها سريعاً، بمجرد أن تجاوزوا ارتباك البدايات التي استهلت بموسيقى السلامين الوطنيين، الإماراتي والمصري، واللافت أن أطفالاً مصريين سُمعت أصواتهم يرددون نشيد بلدهم بحماسة وفرح .

«قدك المياس» ورقصات الشمعدان كانت بداية العروض التي جاءت بأزياء من البيئة البدوية «السيناوية»، لينتقل بعدها المؤدون الذين كانوا يحافظون في معظم المشاهد على العدد ‬12، موزعين مناصفة بين الصبايا والشباب، إلى بيئة محافظات الدلتا، شمال مصر، لكن الملاحظ أن بعض الأزياء كانت تتنازل عن الغرض التوثيقي لمصلحة أهداف أخرى مرتبطة بالتنويع وجماليات المشهد، وهو ما جعل بعض الأزياء تبدو كما لو أنها ليست مصرية تقليدية تماماً، على النحو المعروف على سبيل المثال عن الزي البحري لأبناء مدينة بورسعيد المصرية المعروفين بطقاطيقهم البحرية المميزة المرتبطة بمهنة الصيد، وملابسهم كذلك، خصوصاً غطاء الرأس الذي تحول هنا إلى ما يشبه الطراز المكسيكي، فيما اقتربت بعض الملابس أيضاً في الأغاني التي مالت إلى الموسيقى الصوفية من الملابس المغربية التقليدية المعروفة في هذا النمط في التراث المغربي.

فاصلة

الطبلة والمزمار جاءا بمثابة فاصل ممتع بين العروض الغنائية الراقصة، وعبر ثلاثة أفراد فقط تمكن العازفون من استحضار مقاطع غنائية مميزة، فيما حضرت الأزياء الصعيدية التقليدية عبر فقرة انسجم معها الحضور بشكل ملحوظ، استدعت عراكاً بين شخصين، على خلفية الأغنية الشعبية «حسنين ومحمدين» من خلال أداء لمجسمين يتحكم فيهما بالحركة الداخلية شخصين حسب الانطباع الأولي، وهما الشخصيتان اللتان اختلطتا بالجمهور وصعدتا إلى كراسيه، قبل أن يُكتشف في النهاية أن الأداء لشخص واحد، ما استدعى تصفيقاً استثنائياً وإشادة كانت هي الأبرز أثناء الحفل.

وقبل أن يتم استعراض «أبوالغيط» المصري المعروف المرتبط بالموسيقى الصوفية، عاد عازف المزمار إلى مهاراته في العزف على ألحان أغنيتي الراحلة وردة «حبيتك يا حبيبي»، وكوكب الشرق أم كلثوم «غنيلي شوي شوي»، لكن الملاحظ أن الأداء التقليدي لراقص أبوالغيط قد تطور هنا كثيراً ليكسر نمطية الأداء، من خلال مهارات مبتكرة وأزياء مستحدثة، منها أضواء المصابيح التي تحيط ثيابه المزركشة في الظلام، فيما كانت لقطة ختام عرضه عناقاً وتداخلاً بين العلمين الإماراتي والمصري، في لقطة دالة صفق لها الحضور. لا تكتمل الاستعراضات المصرية التقليدية دائماً إلا بحضور رقصة الحصان التي أداها شخصان على المسرح، كما أن المواويل الشعبية المستمدة من التراث الشفاهي المصري كانت حاضرة أيضاً في تلك الأمسية، التي شهدت أيضاً أداء رقصات شعبية مستوحاة من قلب العاصمة المصرية بأزياء تعود إلى ستينات وسبعينات القرن الماضي، بمرافقة أغانٍ منها «حلوين يا بنات المحروسة»، «الله وأكبر يا مصراوية»، «يا ام الخلول» التي حاكى المؤدون فيها الرقصات السائدة في البيئة البحرية المصرية، لكن الختام تحديداً كان أيضاً مع رقصة «أبوالغيط» الصوفية وترديد أغنية شارك فيها الكثير من الحضور، مرددين «الله أكبر يا بلدنا»، قبل أن تطفأ أنوار أبوالغيط ويختتم الحفل.

الأكثر مشاركة