المسرحية تطرح علاقة الإنسان الجدلية بالأرض. من المصدر

«ع أرض الغجر».. الـوطن يُحمل في القلب

تطرح مسرحية «ع أرض الغجر» التي قدمت أول من أمس في دبي، علاقة الإنسان بالأرض، حيث تذهب المسرحية الغنائية التي كتبها غدي الرحباني، وأخرجها شقيقه مروان، الى عمق هذه العلاقة لتطرح العديد من التساؤلات حول من هو أهم الارض أم الانسان، وهل نحن مسيرون أم مخيرون؟ أسئلة كثيرة تقدم عبر مشاهد مسرحية درامية تحمل الكثير من الكوميديا السوداء، في قالب شعري وفلسفي، يخلص الى أن الأرض ليس بالضرورة أن تكون هي الوطن، وعلى الانسان أن يحمل وطنه في قلبه أينما رحل.

وعلى خشبة مسرح برج بارك، المطل على برج خليفة، وعبر ديكور ثلاثي الأبعاد، نصبت خيام الغجر، ونشرت ملابسهم على حبال الغسيل، في الأرض التي استولوا عليها والتي يأتي صاحبها سلفادو قزحيا حسين، وقام بدوره الممثل غسان صليبا، من البرازيل ليبني عليها فيلا لخطيبته. تبدأ حكاية سلفادو مع هؤلاء الرحّل الذين سكنوا أرضه، حيث يتعرف الرجل الثري الى حياة البساطة، فيفترش الارض، وينزع عنه ملابسه الحريرية ليعيش حياتهم، وينغمس في مشكلات ليس له بها أية علاقة، حتى يقع في حب ابنة شيخ الغجر، وهو الشيخ مصبح، وقام بدوره الممثل بول سليمان. تتصاعد المشاهد في الجزء الأول من المسرحية حول الأرض واستعادة الحق، مع سيطرة لبعض المشاهد الرومانسية التي دارت بين غسان صليبا وألين لحود التي قامت بدور زينة ابنة الشيخ مصبح.

ثبات

أزياء وألوان

أبدعت المصممة بابو لحود في تصاميم الأزياء التي اعتمدت في المسرحية، فقد قدمت الملابس الغنية بالألوان التي أثرت المشاهد من حيث الاخراج، وأضافت لها أبعاداً جمالية. وكان بارزاً في التصميم الاعتماد على الألوان القوية كالأصفر والأزرق والزهري لألين لحود التي قامت بدور زينة، بينما كانت ملابس الرجال مطرزة ولامعة، لاسيما التي صممت لغسان صليبا.

أما فرقة الرقص فقد تنوعت ملابسهم بين الغجرية و«النورية» التي تستخدم للتسول.

«لا غناء لأشخاص، بل لشعوب وأوطان»، هذا المبدأ الذي سارت عليه خطى منصور وعاصي الرحباني منذ بدايتهما في المسرح الغنائي، مازال نجلا منصور، غدي ومروان يتبعانه في أعمالهم المسرحية، لاسيما في هذا النص الذي قدمه غدي في الذكرى الثالثة لوفاة والده منصور. المسرحية هنا تغني الوطن الذي يحمله الانسان في قلبه، وليس الوطن المحدد ضمن بقاع جغرافية. وليس جديداً أن تحمل أعمالهم هذه الحكاية، فهذه العائلة ومنذ بداية مسرحها مع الاخوين عاصي ومنصور وحتى اليوم، تحافظ على انطلاقة واحدة من موضوعات ثابتة، وهي «الله، الوطن، والارض». الغجر الذين تعالج قضيتهم هذه المسرحية عبر مشاهد مؤلمة لشدة سخريتها من واقعنا، يتآلفون مع حضارات الأرض التي يعيشون عليها، ولكنهم لا يأخذونها وطناً. ومن خلال هؤلاء الغجر الذين لا يحملون هوية أو جنسية، يعالج غدي قضية الوطن والهوية والحكم والانسان، ليؤكد أن الأخير هو الذي يصنع الوطن، وهو المحرك الأساسي لأي تغيير أو إصلاح فيه.

تحمل المسرحية نكهة جديدة ومختلفة، يستطيع أن يلاحظها المتابع لأعمال الرحابنة، حيث الاخراج بدا مختلفا وموفقا في تقديم حياة الغجر بين الموسيقى والألوان، والخلفيات المتعددة التي اعتمدت الموسيقى التي شارك غدي في تأليفها أسامة الرحباني الى جانب عمر نجل غدي، وتنوعت بين الغجرية، والرحبانية الحالمة التي تحبس الأنفاس، بالاضافة الى الحرص على وضع الموسيقى ضمن لوحات راقصة، لم تستثنِ الدبكة اللبنانية منها، حيث كانت لها حصتان ضمن الرقصات التي قدمت في العمل. أما الموسيقى العالمية فقد حضرت في المسرحية مع حضور وفود الغجر من مناطق العالم، الذين أتوا الى هذه البقعة ليجروا انتخاباتهم لاختيار رئيس لهم.

 

سياسة

لا يمكن أن تغيب السياسة عن الأعمال الرحبانية، سواء من خلال الشعر الفلسفي أو من خلال المشاهد الكوميدية التي كانت لها حصة كبيرة في القسم الثاني من المسرحية. الانتخابات التي كانت تجري عند الغجر، بنيت عليها مشاهد ساخرة من الحكم في الأوطان التي تدّعي الحضارة، فأظهر غدي الغجر أكثر تحضراً من الدول، فهم ينتخبون رئيسهم لولاية واحدة ولا يمدد أو يجدد له. كما ذهب في النقد السياسي الى أبعد مداه في اختيار الرئيس، مبيناً انعدام قدرة الدول على اختيار رئيسها. وفي خضم هذه الأحداث التي دارت كانت السخرية من الواقع اللبناني حاضرة وبقوة، وقد أبدع بيار شمعون (الذي قام بدور جريس سمسار سلفادو) في هذا المجال، فهو صاحب باع طويل في المسرح السياسي الكوميدي. وقد عرض غدي غياب الدولة اللبنانية، والفساد والنهب والرشوة، وكذلك انعدام القدرة على تقرير المصير، بالاضافة الى التطرق للعلاقة التي تربط لبنان بسورية والتداخل السياسي بينهما.

أدوار غير ملحمية

أما من ناحية التمثيل، فقد أظهرت المسرحية غسان صليبا بشخصية جديدة، اذ ابعدته عن الأدوار الملحمية التي طالما كان يلعبها في مسرح الرحابنة، فهو صاحب علاقة حميمة مع هذا المسرح، حتى يكاد لا يغيب عن أي من أعماله. بينما كانت هناك شخصيات مميزة في المسرحية، ومنها شخصية ساري، التي قام بدورها طوني عيسى، وهو الشاب الذي يعشق زينة ويحمي الغجر، كونه هارباً من العدالة. وعلى الرغم من كون هذا العمل المسرحي هو الأول لعيسى الذي اشتهر بأدواره في الدراما اللبنانية، لكنه أظهر قدرات مسرحية متميزة في انضباطه وتمكنه من أداء دوره، حكماً ستوفر له الفرص والحظوظ في هذا المسرح أو سواه من المسارح الأخرى. أما ألين لحود فقد أخذتنا عبر صوتها الساحر الى الثمانينات، فقد أعادت الى الأذهان ذكرى صوت والدتها سلوى القطريب، فبدت كثيرة الشبه بوالدتها، من حيث الأداء الغنائي وتميز الخامة الصوتية.

الأكثر مشاركة