تعاطف «فني» مع «انفلات» التونســــية..وتحفّظ عراقي على «مندلي» الكويتية

أنهت أسرة مسرحية «صهيل الطين» الإماراتية استعداداتها للعرض اليوم على خشبة المسرح الوطني بالدوحة، ضمن عروض مهرجان المسرح العربي في دورته الخامسة التي تنظمها الهيئة العربية للمسرح، حيث تتنافس تسعة عروض من ثماني دول على جائزتي أفضل عمل مسرحي، والتي تؤهل حاملها مباشرة للفوز بجائزة سلطان بن محمد القاسمي المسرحية.

نكهة حاضرة

تأخر الفنان سعيد سالم في الحضور إلى قطر بسبب ظروف خاصة، فتساءل الجميع عن غيابه، لكن الرجل الذي يعرفه الجميع بأنه صاحب نكهة خاصة في المهرجانات الخليجية والعربية بخفة ظله، ظهر فجأة في مقاعد الجمهور، بعد أن وصل من المطار إلى مسرح العرض مباشرة، ليُسمع صوته قبيل العرض مباشرة بتعليقاته المميزة.

لازمة سعيد استعانت هذه المرة بالدراما التركية، عندما سأله على ما يبدو أحدهم عن سر وجود عدد من الجنس اللطيف بالمصادفة في الصف ذاته الذي يجلس فيه، ليجيب بصوت أسمع الجالسين في الصفوف الأولى «دول حريم السلطان».

الحليان.. مشغول

في بهو فندق إقامة الفرق المشاركة في مهرجان المسرح العربي، يندر ألا تجد الفنان مرعي الحليان مستغرقاً في الكتابة على جهاز الكومبيوتر المحمول، حتى لو كان ضمن مجموعة من زملائه الفنانين، وهو أمر جعل البعض يعتقد أن الحليان عاد إلى الصحافة التي ودعها باستقالته من العمل في الزميلة «البيان».

بالاقتراب من الحليان وسؤاله تبين أنه مشغول بكتابة نص مسرحي جديد، لعمل من المتوقع أن يخرجه الفنان حسن رجب، الذي كان بجواره أيضاً اثناء الكتابة.

الحليان الذي أكد أنه في غاية السعادة، وظننا أن الأمر ربما يرتبط بانجازه لجانب مهم من المسرحية الجديدة، برر تلك السعادة بالإحالة إلى العام ‬2002، مضيفاً «عرضت بصحبة المخرج ناجي الحاي مسرحية حبة رمل على المسرح الوطني بقطر، وظللت طوال تلك الفترة ابحث عن نسخة من تصوير المسرحية في التلفزيون القطري، وباءت كل محاولاتي بالفشل، لكن بالأمس فقط فوجئت بصديق قطري يهديني إياها، بعد أن ظننت انها ضاعت من أرشيف التلفزيون».

نور الشريف يفضل مقاعد الجمهور

يحرص الفنان نور الشريف دائماً على أن يقوم بتهنئة أسرة كل مسرحية فور عرضها على خشبة المسرح، رغم أنه يرفض عادة أن يجلس في الصفوف الأولى المخصصة لضيوف المهرجان من نجوم الدراما المسرحية، بجوار مواطنيه سميحة أيوب واشرف زكي.

الشريف برر ذلك لـ«الإمارات اليوم» بقناعته بأنه إذا لم يكن على الخشبة، فهو مشاهد ينتمي إلى الجمهور، ويجب أن يكون في صفوفهم الاعتيادية.

رغم ذلك يحرص الشريف على أن يحصل على مقعد يمكنه من متابعة جيدة للعمل، حيث قام بالتنسيق مع سائق السيارة المخصصة لنقل الوفود بين مسرحي العرضين، على أن يأتي عقب عرض المسرحية الأولى مباشرة، كي يتمكن من الانتقال سريعاً من مسرح الدراما في حي كتارا، إلى المسرح الوطني وسط مدينة الدوحة، حيث يأمل الشريف الحصول على مقعد مميز من دون «وساطة» نجوميته.

واستضافت العاصمة القطرية الدوحة أول من أمس عرضين مختلفين في ثاني أيام المهرجان الذي تستمر فعالياته حتى الـ‬15 من الشهر الجاري، هما مسرحية «مندلي» الكويتية للمخرج عبدالله التركماني، وتأليف العراقي جواد الأسدي، التي عرضت في المسرح الوطني، ومسرحية «انفلات» التونسية من تأليف وإخراج فؤاد الدغسني في مسرح الدراما بمنطقة كتارا، فيما شهد اليوم ذاته فعاليات أخرى، منها ورشة للماكياج، وشهادة مسرحية للفنانة الإماراتية مريم سلطان.

وجاء العرض التونسي «انفلات» بطموحات تكرار انجاز المسرحية التونسية «زهايمر»، عندما حصدت في دورة العام الماضي جائزتي أفضل عمل مسرحي وجائزة سلطان بن محمد القاسمي، وهما الجائزتان الوحيدتان اللتان تتنافس عليها الفرق المشاركة، لذلك بدا جلياً أن هواجس «زهايمر» لم تغب تماماً عن ذاكرة مخرج ومؤلف «انفلات»، الذي اختار قالباً مسرحياً مشابهاً تماماً للعرض السابق، بل إنها لم تغب أيضاً عن ذاكرة الفنانين والنقاد الذين أتوا لمتابعة عمل تعاطفوا معه فنياً قبل العرض، ولم يتخلص الكثير منهم من هذه الحالة بعد العرض أيضاً. لم يملّ الجمهور بعد من حديث ثورات الربيع العربي، ولاتزال القضية غير مستهلكة، لاسيما أن «انفلات»، لا تتعرض لتفاصيل الأحداث نفسها، بقدر ما تتسلل لتداعياتها، عبر الغوص في هواجس رجل وامرأة تطاردهما المخاوف، ويفزعهما الواقع، فيظلان في حالة تشتت نفسي وفكري مستمر، وخوف من المعاصر والمستقبل معاً، فلا هما قادران على عيش اللحظة، ولا يمتلكان ترف الأمل في مستقبل آمن، على عكس ما بشر به ما اصطلح على تسميته «ربيعاً عربياً».

وما بين ربيع لم يأتِ، وواقع مؤلم حوّل حياة الزوجين إلى معايشة كوابيس متتالية، ينفتح النص التجريبي على خشبة تم تقسيمها إلى أربعة مربعات متداخلة، وخلت من أي قطع للديكور، باستثناء العلم التونسي الذي كان بالكاد ظاهراً في أقصى يمين الخشبة، وقناع رجل أمن ملقى على سطح المسرح في الجهة الأخرى.

غير أن الأحداث على خشبة «انفلات»، كما أحداث الثورات، كانت سريعة التوالي بشكل عنيف، ولم تواكبها سوى حركات الممثلين أماني بلعج ومكرم السنهوري، اللذين بذلا جهداً كبيراً من أجل الحفاظ على هذا الإيقاع السريع والمتقن على مدار العرض، خصوصاً الممثلة التي رأى البعض أن نظام المهرجان بخلوه من جائزة أفضل تمثيل، خصوصاً، قد يحرمها من جائزة ربما تكون جديرة بالمنافسة عليها على الأقل، إن لم تحصدها بالفعل، بقطع النظر عن فرص سائر العروض التي لم تعرض حتى الآن، حيث كان أداء بلعج متقناً ليس فقط في ما يخص انسجامها مع حركة زميلها الممثل، بل أيضاً مع الموسيقى، سواء الصاخبة منها أو غير ذلك، وانسجمت أيضاً بشكل لافت مع كل التقلبات النفسية التي رافقت حالة الخوف والاضطراب النفسي المستمرة.

ولا ينفك الزوجان من هواجس الخوف من مهاجمة الغرباء لمنزلهما، لتحسم حالة الترقب والخوف المستمرة التي تكاد توقف حياتيهما بالكلية، مع النتيجة النهائية الوحيدة التي اتفقا عليها بعد عجزهما على أي فعل على مدار المسرحية، بما فيها العلاقة الحميمية الزوجية، بعد أن يصلا في النهاية إلى أن يكونا عصا شرطي على ذواتهما، ويكفران بثورة كانا يعتبرانها مجيدة، لكنها أضحت في تصوراتهما «كذبة كبرى». في المقابل قوبل العرض الكويتي بتحفظ من بعض المسرحيين العراقيين الذين رأوا أن المخرج الكويتي عبدالله التركماني ذهب بنص مؤلفه العراقي جواد الأسدي بعيداً، ونبش في ملف بالغ الحساسية يسعى المثقف العراقي والكويتي، على السواء، إلى تجاوزه، ويرتبط بالاجتياح العراقي للكويت، مشيرين إلى أن اختيار المخرج لهذه الإحالة، واختياره أن يكون الصراع بين الشخصية الرئيسة مندلي، وبين العسكر، هو صراع مع عسكر عراقيين، عبر الاتكاء على البزة العسكرية العراقية المعروفة، لم يعد في محله، مشيرين إلى فارق أن يكون الكاتب ضد نظام بعينه، كما كان الأمر بالنسبة للأسدي، وبين عمل قد يقرأ في سياق آخر الآن، بعد أن رحل هذا النظام، وسعى الشعبان إلى التئام الجراح والحساسيات التي تسببت فيها بين الجانبين.

وعبر سينوغرافيا ومشهدية رائعة نجح التركماني في جذب الجمهور إلى الغوص في أعماق معاناة «مندلي»، الشخصية الرئيسة، وفزعه من مطاردة شخصية عسكرية هيستيرية لا ترحم له، واضطهادها له في كل شيء، بما في ذلك ثلاثية: المال، الأرض، العرض، حيث لم تسلم حتى زوجته وبيته من طغيانه. وتعامل المخرج بشكل واقعي مع المسرح الذي أتاح فيه مساحة جيدة لحركة الشخوص، بسبب حسن توزيعه لمفردات الديكور، وهو أمر أسهمت فيه استعانته بتكنولوجيا الصورة السينمائية ثلاثية الأبعاد، فكانت بعض المشاهد تنطبع على المسرح، دون أن تشغل بالأساس أي مساحة حقيقية، على نحو خدم تصاعد الأحداث واختزل كثيراً في المساحة الزمنية التي تحتاجها للوصول باتجاه ذروة الأزمة، حيث انقسم المسرح إلى ثلاثة كانتونات منفصلة بين مشهد الزوجة، ومشهد العسكري الطاغية وسط جنوده المقهورين، ومشهد المعاناة النفسية لمندلي، كان موحياً، حيث تعاضدت تلك المشاهد المتزامنة في تكثيف المدلول الدرامي، والوصول إلى «مندلي» آخر، تتبدل وجوهه، لكن لا يتبدل وعيه، ورغبته في الخلاص، الذي لا يتأتى سوى بالخلاص من العسكري الطاغية، بعد أن تخلص من استضعافه، فتمكن بالفعل من إقصائه.

الأكثر مشاركة