أمسية «الشعر» الثالثة.. مقاومة وثورة ورجال
أعاد شعراء الأمسية الثالثة، التي تنظم ضمن مهرجان الشارقة للشعر العربي في دورته الـ11، أول من أمس، الحضور إلى زمن شعر المقاومة ومدح المناضلين والبكاء على الرجال الحقيقيين، ليصلوا بهم إلى زمن ثوراته لم يعرف شعراؤها أهي الربيع أم الخريف، أهي ربيع أخضر أم أسود أم ربيع لا شكل له ولا طعم، لاسيما بدول تعاني أكثر بعد ثوراتها؟
بدأت الأمسية، التي قدم شعراءها الشاعر عبدالله الهدية، بأبيات شعر في حب الشارقة التي وصفها الشاعر الإماراتي مظفر الحمادي، وتمنى أن تبقى عاصمة الثقافة الأبدية، سبقتها قصيدة حانة الحمقى التي ترك الحمادي من الحضور حرية التفكر وتفسير مقاصدها المبطنة، التي تفوح منها رائحة السياسة، لاسيما عندما قال الشاعر:
يا حانة الفوضى ألست بعالم
مزجت به الأوطان بالأهواء
قدسية الأوطان أرفع أن ترى
في مرتع الإسفاف والدخلاء
وتابع الحمادي قصيدته، وهو يلامس أموراً واقعية:
فالصمت في زمن التلاسن منطق
قصمت عراه جحافل الفقهاء
هذا التراشق لا يليق بجاهل
واليوم صار صنيعة النبلاء
وفي قصيدته الثانية، تغزل الحمادي بالشارقة وسلطانها الذي زاد من تطورها ورفعة شأنها لتصل إلى العلياء بل لتتوج عاصمة للثقافة، إذ إن الشارقة بفكر سلطان حاكمها، الذي أسهم في احتضانها للعلماء والادباء والشعراء والمثقفين بشكل عام، أصبحت أماً للثقافة لا تتكرر، وفي القصيدة يقوم الشاعر:
قلب يداعبه الغرام فينطق
وإليك شارقة الثقافة يخفق
سلطانها قد زانها بتطور
تعلو به ولها جمال مونق
هذي بلاد ذكرها متألق
دار بها شمس الأصالة تشرق
«ظمأ الماء»
«هناك رجال» أهدت الشاعر الفلسطينية لينا أبوبكر جل قصائدها التي قرأتها في الأمسية الثالثة، للأسير الفلسطيني القابع في زنزانته، منها قصيدة «هناك رجال»، فالشاعرة رغم عذوبة صوتها الشجي إلا ان القصيدة ألقيت بذكورية بامتياز، حتى أن الأبدان تقشعر من الوصف الدقيق للرجال، وليس أي رجال إنما الصامدون المقاومون ضد الاحتلال، الرجال الذين يخشاهم الأعادي فكم في السجون رجال! تقول القصيدة، التي لاقت تفاعل وإعجاب الكثير: هناك رجال.. تلوح للأفق.. تؤتي للمجد تمسك بالروح مثل مناديل نور تفيء ظلال هناك رجال.. جنود السماء.. تنزل مثل اعلانك حول المعارك.. إن السجون ميادين حرب وقتال ولم تنسَ الشاعرة أن تشير في قصيدتها إلى الطفل الأسير موسى عودة البالغ من العمر تسع سنوات، ليكون أصغر أسير فلسطيني، وتقول: هناك رجال.. بعمر الطفولة تحيا الرجولة تحيا الرجولة حتى كأن الرجال رجال |
ما بين ظمأ الماء وبرق القصيدة شارب الكأس الراجي منها وطناً، جاءت قصائد اليمني عبدالعزيز الزراعي الحاصل على لقب أمير الشعراء في 2011، الذي لم تخلُ قصيدته من الزخم السياسي والمقاومة الشعبية، يقول الشاعر في قصيدته:
يا شارب الكأس يمم قلبي الآنا..
إني أرى الماء في كفيك ظمآنا
يا شارب الكأس ترجو خلفها وطناً..
أظمت كؤوسك في عيني أوطانا
يا شارب الكأس ذق ما شئت من ثمري..
غداً سأثمر أجيالاً وأزمانا
واعصر بكأسك ما تهواه من عنبي..
إني سأعصرني للشعب إنسانا
وينتقل الشاعر في أبياته إلى برق القصيدة، التي باتت تشكل خوفاً على من يخشاها:
يا من تخاف صلاة البرق في لغتي..
أصابع الماء لا يجرحن فنانا
بذرتها في شفاه القحط أغنية..
فأورقت في فضاء الله آذانا
وبشيء من الفخر والاعتزاز بعروبيته ويمانيته، يتابع الشاعر في قصيدته:
أنا اليماني ما حدقت في قمر..
إلا وجدت لحزني فيه أغصانا
ولا نظرت إلى نبع به رمد..
إلا منحت عيون النبع أجفانا
من بحة صوتي آتي أخضراً كدمي..
ومن شفاهي يأتي الماء عريانا
وكلما ذبلت شمس على شفة.. أشعلت من حكمتي في الشمس لقمانا
لأنني منذ أن سافرت عن جسدي.. أعشبت فوق ضفاف الروح سكانا
«ربيع أسود»
وفي ختام وعلى عكس ما يقال ختامها مسك، كان ختام الأمسية الثالثة «فراشة بيضاء وربيع أسود»، للشاعر الجزائري عزالدين ميهوبي، الذي لم يلامس الحقيقة فقط إنما عراها من زيف اعتلاها ليكشف عن ما عجزت عن بوحه الأفواه، ربيع ليس له عنوان ورغيف الثورة يأكله الإخوان وعرج الشاعر على أميركا التي تبحث عن قاتلها المفتون بجنته في كابل وفي بغداد وبيروت وطهران، معتبراً أن الحرب دم يتوهج في ملكوت الإثم ويزهو في عرش الشيطان، يقول الشاعر:
في المقهى النادل يهمس في أذني
الراهب يحترف الارهاب
ما أوسخ هذا العالم
ما أبشع تلفازاً يتقيأ كل مساء أخبار الموت
وخلف السور نساء يرقصن على جسدي
وعساكرهم في الشرفة يفترشون الأوسمة المحشوة بالتاريخ المثقل بالأعراب
ما الفرحة.. ما الأنخاب.. وما الألقاب؟
لا شيء يفيدك حين تموت
وليست تنفعك الأنساب
يعرج الشاعر على الربيع العربي ودول لم تنعم بعده بالرخاء، تبدلت الأسماء وربيع ليس له عنوان، يتساءل عن التاريخ الطالع من تونس ومن سبإ ومن سبها ومن حاضرة النعمان من غزة ومن حلب وبادية الأنبار ومن أسوان، ليجيب ألا شيء يعادل تاريخاً يطلع من جسد يتعطر بالنيران، امي الثورة وأبي الطوفان.
ويتابع في قصيدته، متجاوزا كل الخطوط الحمراء التي وضعها الانسان لنفسه:
يا طفل الحارة اطبخ ما شئت
فغن رغيف الثورة يأكله الإخوان
واكتب ما شئت على جدران الحي..
مؤامرة في الليل..
الفتنة آتية..
الشعب يريد..
اكتب ما شئت
فإن الشعب هو الجدران
واستصغر الثورة قائلاً:
ما أخجل وجه الثورة
حين نرقع أوجهنا
ونقول: هرمنا..
ما أصغر عمر الثورة
حين تصير الفكرة مسبحة وأذان
المشهد الشعري
ناقشت الجلسة النقدية الثانية ضمن فعاليات مهرجان الشارقة للشعر العربي، أول من أمس، المشهد الشعري في العراق وبلاد الشام «صراع أشكال وأجيال»، في ورقة عمل تقدم بها الدكتور ضياء خضيّر، أكد فيها أن الموضوعات التي ينطوي عليها المشهد العربي كثيرة ومتنوعة مثل اتساع الدائرة الشعرية العربية، وتعدد الأصوات الشعرية والنقدية المرافقة، وتراجع هيمنة الأصوات الشعرية الكبيرة، فيما قدم الدكتور أشرف عطية ورقة عمل بحول قصيدة النثر التي أصبحت واقعا موضوعيا وطرح الدكتور محسن الكندي ورقة نقدية بعنوان «المشهد الشعري في الخليج العربي في القرن .20. قراءة أفقية في المدونة والمرجعيات، «سلطنة عمان نموذجا.