الوجه الآخر لـ «دبي للتسوق».. يسعد بيوتاً فقيرة في العالم.. وينشر الثقافة.. ويحيي التراث

يظن كثيرون أن مهرجان دبي للتسوق يكتفي بنشر البهجة والفرح بين زوار الإمارة والمقيمين على ارض الإمارات فقط، وهو أمر يبعد كثيراً عن الواقع.
فالمهرجان الذي تطلقه دبي "الصغيرة في مساحتها" ينشر السعادة على بعد آلاف الأميال في انحاء مختلفة من العالم، وينقل الفرحة الى بيوت فقيرة في اعماق القارة الآسيوية والدول الإفريقية، بل ويصل »خيره« الى مدن في اميركا الجنوبية.
والأمر ببساطة أن »دبي للتسوق« سخي في جوائزه التي تقدر بعشرات الملايين من الدراهم سنوياً، وكثير ممن حالفهم الحظ ونالوا هذه الجوائز، كشفوا للموقع الإلكتروني »الإمارات اليوم« أن ما فازوا به من جوائز سيوجهون اجزاء كبيره منه لمساعدة أسر فقيرة في دولهم، ودعم أعمال جمعيات خيرية في بلادهم، ومساعدة اسرهم البسيطة التي تنتظر منهم بضعة مئات من الدراهم شهرياً.
ولنا أن نتخيل كم هي سعادة أسرة بسيطة في أعماق الهند، وابنها الذي لا يتعدى راتبه الشهري ٤٠٠٠ درهم، عائداً إليها حاملًا معه جائزة بعشرات الآلاف من الدراهم.
 ويظن كثيرون أن مهرجان دبي للتسوق، مشروع سنوي للتجارة وتحقيق الربح وكفى، لكن حين يصلون دبي ويتجولون في أروقة وفعاليات هذا الحدث الفريد، يكتشفون أنه مشروع يحيي تراث الأجداد، وينشر الثقافة بين مختلف الفئات والجنسيات والأعمار.
الموقع الإلكتروني لـ»الإمارات اليوم« رصد عبر هذا التحقيق الوجه الآخر لمهرجان دبي للتسوق.

مهرجان لـ»الخير«
الطفل الهندي، مدحوب روشان، طالب بالغ من العمر 10 سنوات، فاز بجائزة سحوبات »إنفينيتي« الكبرى التي يقدمها »دبي للتسوق« وهي مكونة من سيارتين فاخرتين ومبلغ 100 الف درهم إماراتي، لكل فائز.
وما إن تسلم والد الطفل قيمة الجائزة الخيالية، حتى أعلن أنه سيوجه الجزء الأكبر منها للإنفاق على تعليم الطلاب الفقراء في الهند، ومساعدة اسر بسيطة في قرى تقع في أعماق بلده.
 ويقول والد مدحوب »هذه الجائزة لن تكون لأسرتي فقط، لقد كان مهرجان دبي سخياً جداً معنا، ونحن بدورنا يجب أن نساعد عشرات المحتاجين في بلدي«.
ويضيف »كثير من الطلاب بالهند في عمر ابني، لكنهم محرومون من التعليم بسبب الدخل المالي البسيط لأسرهم، وبهذه الجائزة سأساهم في تعليم عدد كبير منهم«.
ومن إمارة الفجيرة، جاءت السكرتيرة الفلبينية، روسانا ناجال، الى دبي لتسعد بعروض مهرجان التسوق، وتسوقت من إحدى محطات إينوك للبترول في شارع محمد بن زايد، فحالفها الحظ وفازت بسيارة نيسان ماكسيما.
وعلى الرغم من ان راتب روسانا يعد بسيطاً، الا انها قررت أن تستثمر قيمة الجائزة في العمل الخيري في بلادها التي تبعد عن دبي آلاف الأميال.
وتقول »بمجرد أن علمت بفوزي بالجائزة قررت أن أساعد بها فقيرات في بلدي، بتوفير فرص الدراسة للفتيات اللواتي لم يحصلن على قدر كافٍ من التعليم«.
ولن تكتفي بذلك، بل ستوجه جزءاً من المبلغ للتبرعات الخيرية، ومساعدة اسرتها في الفلبين التي ترسل لها مساعدة شهرية.
وتضيف »أعمل في الإمارات لأساعد اسرتي، وكل شهر أرسل لأشقائي بمبلغاً أستقطعه من راتبي الصغير ليوفروا متطلبات المعيشة، وكم أشتاق لرؤية الفرحة الكبيرة التي ستكون عليها عائلتي حين أعود إليهم وفي يدي مبلغ الجائزة الكبير، الذي سأخصص جزءاً كبيراً منه لأغير حياتهم«.
ومن باكستان، فاز الموظف علي عباس بسيارة نيسان ألتيما في سحوبات نيسان الكبرى، التي أجريت على مسرح السحب الكبير في القرية العالمية.
 وبمجرد ان تسلم عباس جائزته، حتى قرر أن يستثمر قيمتها في الإنفاق على تعليم ابنته ورعاية أفراد أسرته البسيطة في بلده.
ويقول »القيمة الكبيرة لهذه الجائزة، ستغير حال اسرتي البسيطة، شكرا ًلهذا المهرجان الذي أسهم في فرحة كبيرة لعائلتي التي تحتاج كثيراً للمساعدة المالية«.
ومن افريقيا، وتحديدا ًدولة السودان، فاز زهرالدين محمد إسماعيل بجائزة سحوبات إنفينيتي الكبرى، التي تتضمن سيارة رباعية الدفع وأخرى سيدان، بالإضافة إلى مبلغ 100 الف درهم نقداً.
 وزهرالدين، البالغ من العمر 58 عاماً يتردد على دبي فقط زائاًر منذ عام 1999، وتستغرق زيارته شهراً يقضيه في شراء بضائع يشحنها إلى بلده.
ويقول »سأعود الى السودان محملاً بثروة كبيرة، لكن لن احتفظ بها لنفسي، بل سأوزع جزءاً كبيراً من قيمة الجائزة في اعمال الخير بالقرى السودانية الفقيرة، وسأوجه جزءاً من المبلغ لشراء تحضيرات الزواج لاثنين من أبنائي الستة«.
 
جوائز غيرت الحياة
هؤلاء الفائزون بجوائز المهرجان هذا العام، ما هم الا نموذج بسيط لمئات المحظوظين الذين اختارتهم جوائز المهرجان على مدار الأعوام الماضية، ووجهوا جزءاً كبيراً من المبالغ المالية التي حصلوا عليها لمساعدة اطفال ايتام، واخرين محرومين من التعليم في بلادهم، وفتيات يحتجن الى المساعدة لإتمام الزواج، واسر معوزة في مناطق فقيرة في اعماق الدول البعيدة تحتاج الى نفقات المعيشة، ودعم الأعمال الخيرية والإنسانية في المدن النائية.
ولنا ان نتخيل حجم الخير الذي نشره مهرجان دبي للتسوق في مختلف انحاء العالم حين نعلم أنه وزع ملياراً و500 مليون درهم جوائز منذ انطلاقته الأولى عام 1996، وفق ما اعلن المنسق العام للمهرجانات في مؤسسة دبي للفعاليات والترويج التجاري، إبراهيم صالح.
واضاف »الجوائز التي يقدمها المهرجان تعد واحدة من ركائزه الأساسية الثلاث، إلى جانب التسوق والترفيه. وقد اشتهر المهرجان بتقديمه أكبر الجوائز وأكثرها قيمة، واستطاعت هذه الجوائز أن تغير مجرى حياة الكثيرين ممن فازوا بجوائزه القيمة في أي من دوراته«.
ويشير الى ان هذه الجوائز تضمنت 80.5 ملايين درهم مبالغ نقدية، و719 كيلوغراماً من الذهب، و33 سيارة رولز رويس، إلى جانب سيارات نيسان ولكزس، ومنح المهرجان 100 كيلوغرام من الذهب، و10 سيارات نيسان لفائز واحد فقط في إحدى الدورات.

فرحة البسطاء
وإلى جانب بصمة الخير التي يتركها مهرجان دبي للتسوق في الدول الفقيرة، هناك بصمة انسانية للمهرجان تتجسد في اسعاد عمال محدودي الدخل، وأسر بسيطة تعيش في الإمارات، فالاحتفالات المبهرة والكرنفالات العالمية المجانية وعروض الألعاب النارية التي تغطي سماء دبي، اصبحت مصدر البهجة الرئيس لدى كثير من الآسيويين والأسر المقيمة في الدولة، الذين ينتظرونها من عام الى عام.
وهؤلاء دخولهم الشهرية محدودة، لا تمكنهم من حضور عرض مسرحي، او حفل غنائي او حتى مشاهدة فيلم بدار سينما، لكن العروض الفنية الممتعة لمهرجان دبي للتسوق، تحيطهم بالمتعة والفرحة والسعادة من دون مقابل.
في حفل افتتاح الدورة 18 من المهرجان هذا العام، كان السريلانكي (رنجا)، وهو عامل في زراعة الحدائق، يؤدي عمله في حديقة الخور، ومع بدء احتفالات المهرجان وجد نفسه امام حفل مبهر تؤديه فرق اوروبية على سطح الماء.
ووفق ما قال لـلموقع الإلكتروني لـ»الإمارات اليوم« فهو أول مرة في حياته يرى مثل هذا الحفل الذي أسعده كثيراً، وكم تمنى أن يكون معه هاتف محمول مزود بكاميرا حتى يلتقط صورة له الى جوار فرق العرض.
وفي شارع السيف، وقف الموظف الهندي فينجد كومار مصطحباً ابنيه وزوجته، ليستمتعوا بالكرنفال المدهش لفرق عالمية قدمت من مختلف انحاء العالم لتقدم عروضها في الشارع بطول يتعدى 1000 متر.
ويتحدث فينجد والسعادة تعلو وجهه قائلًا »اعمل موظف في شركة خاصة بالشارقة، والجزء الأكبر من راتبي البسيط انفقه على اسرتي التي تقيم معي، والباقي ارسله
لأسرتي في مدينة كيرلا بالهند، وبالطبع لا املك القدرة على شراء تذاكر لحضور عرض ترفيهي اسعد به اسرتي«.
ويضيف »ننتظر مهرجان دبي للتسوق من العام الى العام، فمن خلاله نشاهد انا واسرتي العروض الفنية المجانية في الشوارع ومراكز التسوق، ونعيش أوقاتاً طويلة من الفرح لم يكن لنا ان نعيشها لولا هذا المهرجان الذي يسعد البسطاء«.
وتتعدد مشاهد فرحة البسطاء في مهرجان دبي للتسوق، فهذه حافلة تحمل عمالاً آسيويين قدموا من ام القيوين ليسعدوا بعروض شارع السيف، وحراس بنايات من جنسيات عربية واسيوية وقفوا امام بوابات البنايات التي يعملون فيها ليستمتعوا بعروض الألعاب النارية والدهشة واضحة على وجوههم، وعمال في محال بقاله قريبة من ضفاف الخور تركوا بقالاتهم لدقائق ليشاهدوا عروض المهرجين والكرنفال.
 

مهرجان الحضارة والثقافة
الوجه الآخر لمهرجان دبي للتسوق، لا يقتصر على توصيل الخير لبيوت الفقراء ونقل البهجة والسعادة للبسطاء، بل يشمل جوانب أخرى يمكن اختصارها في انه »مهرجان الحضارة والثقافة والتراث«.
فمن يزور الإمارة يظن في البداية أن »دبي للتسوق« مهرجان للتخفيضات فقط، لكن حين يتجول في فعاليات ومعالم هذا الحدث الفريد، يكتشف انه تجول في واحة كبرى من الثقافة.
فالمهرجان يقدم كل عام فعاليات ثقافية غير تقليدية، ابتكر هذا العام معرض »عالم التذكارات«، التي تعد متحفاً مفتوحاً لمجموعة من العالم السياحية والتاريخية لدول الولايات المتحدة الأميركية والإمارات والمملكة المتحدة والبرازيل وفرنسا والصين والهند وتركيا ودول إفريقية.
ومن خلال الزي الوطني الذي يستقبل به العارضون جمهورهم، يتعرف ضيوف المهرجان على نماذج من الأزياء الشعبية للدول، ويتعرفون ايضا على ابرز المنتجات الوطنية لكل دولة، ويوفر أيضاً عالم التذكارات فرصة التعرف على المأكولات الشعبية التي يقدمها مطبخ كل دولة.
و يتجول الزائرون بالجناح الفرنسي فيشاهدون مجسماً لقوس النصر ويقفون طويلاً امام تمثال الحرية الذي اقيم بحجم ضخم في جناح الولايات المتحدة الأميركية، ويتأمل اخرون ساعة »بيغ بن« الشهيرة التي اقيمت بالجناح البريطاني، وخلف الجناح التركي أقيم نموذج لمسجد الفاتح الذي بني في عهد الدولة العثمانية.
 وعلى الرغم من الشهرة العالمية لهذه المعالم، إلا أن ضيوف مهرجان دبي للتسوق، الكبار قبل الصغار، يحرصون على الوقوف أمامها، والتقاط الصور بجوارها، يحركهم شعور بعظمة ما تشير إليه هذه الرموز.
 ويقدم المهرجان وجبة فنية ثرية لزواره كل عام، وتصدر هذه الدورة الحفل الموسيقي الذي أحياه الموسيقار عمر خيرت في مركز دبي التجاري العالمي، وشهد تفاعلاً جماهيرياً كبيراً، حيث امتلأت القاعة عن آخرها بعشاق الموسيقى ومحبي الموسيقار الكبير صاحب المؤلفات الموسيقية الراقية.
وشهد المهرجان تقديم عروضاً مسرحية متميزة منها العرض المسرحي اللبناني »عَ أرض الغجر«، الذي تناول قصة مهاجر لبناني عاد الى وطنه ليكتشف ان الغجر استوطنوا أرضه.
وقدمت فرقة عشتار المسرحية الفلسطينية عرضاً مسرحياً ناجحاً على مسرح مدينة جميرا خلال عطلة نهاية الأسبوع، تناولت من خلاله الأبعاد التاريخية لقصة الملك ريتشارد الثاني ملك انجلترا خلال حقبة التسعينات من القرن الـ١٦، والتي كتبها الأديب العالمي وليم شكسبير في عام 1595.

عودة الى الماضي
وما يضفي تميزاً كبيراً لهذا المهرجان انه يعود بزواره الى ماضي الآباء وتراث الأجداد، ويعرف الصغار على حضارات بلادهم وحضارات تاريخية لدول مختلفة.
فمن خلاله يتجول الزوار في قرية التراث والغوص ليتعرف على مجموعة من الحرف اليدوية والفنية التي تبرز جانب الموهبة والابتكار لأبناء الإمارات والخليج العربي.
وفي اركان القرية تظهر معالم المجتمع البدوي، وعلى رأسها الاجتماع حول النار للتدفئة وتناول القهوة العربية الشهيرة.
ويتجول الزائر في الخيمة التراثية ويقف ليلتقط صوراً تذكارية الى جوار صقور الصيد، تحيطه نغمات الأغاني الشعبية.
وأقام المهرجان هذا العام »مخيم حياة البادية« الذي يعود بالزائر لعشرات السنوات ليعيش حياة الأجداد في مخيمات الإمارات واليمن والأردن وإثيوبيا وكينيا والمغرب والهند وموريتانيا والجزائر.
وتعرض كل خيمة حرفها التراثية وفنونها الشعبية وأزياءها الوطنية في جو يتطابق مع جو الحياة البدوية الأصلي، فخيمة الإمارات تعرض الصقار والمأكولات الشعبية التي انتقلت من الجدّات إلى الحفيدات، والرقصات الشعبية التي تؤديها الفرق المتخصصة .
وعلى بعد أمتار قليلة، نصبت خيمة الأردن التي تعرض أهم الصناعات اليدوية، وفيها تقوم مجموعة من الفتيات بصناعة الشماغ البدوي، ويجسد شباب اردني مهنة رعي الأغنام، وجمع الحطب، وصناعة الخيام، وأدوات الصيد.
 يبقى القول إن مهرجان دبي للتسوق، تجاوز كثيراً الفكرة التقليدية لمهرجانات التسوق، وحل في المركز الأول عالمياً بفعالياته الفريدة تجارياً وثقافياً وإنسانياً.