اعتبر أن الثقافة العربية تفشل عندما توضع على محكّ الديمقــراطية
قاسم حداد: الفنون ليست أحــصنة سباق
قال الشاعر البحريني قاسم حداد إن أزمة المثقف والمبدع العربي الحقيقي، تتجلى في سطحية التعامل معه من قبل أنظمة لا تقدره، ولا تقدر أهمية الثقافة والإبداع الحقيقي عموماً، مضيفاً: «المبدع العربي الحقيقي مُصادر، وغير محترم، وغير مقدر».
ورأى حداد أن وجود نماذج لأسوأ القصائد الشعرية، متخمة بها المناهج الدراسية، لا يمكن أن يكون مجرد صدفة، معتبراً أن «الألق الذي يعيشه الشعر في برامج مسابقات تلفزيونية، يقابله خفوت حضوره في واقع أهم هو واقع المناهج الدراسية»، مضيفاً يظن البعض أنهم قادرون على تأبين الشعر، لكن في الواقع أن مشهداً جنائزياً للشعر، هو بالفعل محال أن يُشاهد في ظل وجود كائن بشري واحد على الأرض.
جاء ذلك خلال استضافة حداد في ندوة الثقافة والعلوم، مساء أول من أمس، متحدثاً ـ خلال محاضرة أدارها الأديب علي عبيد ـ وشهدت حضوراً جيداً من الأوساط الثقافية بالدولة، بعنوان «هل مات الشعر في زمن الرواية»؟ معرباً في مستهلها عن اندهاشه الشديد للعنوان الذي يفترض مسلمتين مشكوكاً فيهما أصلا، هما «موت الشعر»، وأننا نعيش «زمن الرواية».
استفزاز
تساؤلات رغم أنه صدّر حديثه بأنه لم يأت للدفاع عن الشعر مقابل الرواية، مستعيراً عبارة «للشعر رب يحميه»، إلا أن الشاعر قاسم حداد كان انفعالياً أثناء تحدثه عن محاضرة حملت تساؤلاً لا يعتد بمشروعيته بالأساس، وهو «هل مات الشعر في زمن الرواية». وقال حداد: «جئت إلى ندوة الثقافة والعلوم احتراماً للدعوة، لكني لا أشتهي السير في مسيرات الجنائز، لاسيما حينما تكون جنازتي شخصياً، لأنها تفترض تأبين الشعر». حداد، الذي وصف نفسه بالمتناقض، عبر مقتطفات من سيرته قرأها مدير الندوة الأديب علي عبيد، رآها ترصد «تقريباً قاسم حداد»، استغرب أن الشعوب العربية لاتزال لا تعرف أدباءها الأعلام، مضيفاً: أخبرني أحدهم بأن الإجابة عن سؤال ضمن برنامج مسابقات تلفزيوني في البحرين مضمونه: من هو قاسم حداد؟ جاءت: «هو لاعب كرة قدم مشهور»، في حين صنف أحدهم أمير الشعراء في المرتبة الأخيرة ضمن قائمة شعراء العصر الحديث. وخلص حداد إلى أن «مقولة موت الشعر ليست فردية، بل هي من صنع أنظمة وحكومات، ليس لديها غيمان حقيقي بالمواهب، مضيفاً «الكثير من الأنظمة تبحث عن الأبواق، وتخرص مثيري التساؤلات، وهذا سيخرجها من دائرة الحضارات الإنسانية». |
بدلاً من أن يتحول الحدث إلى مناسبة، لمناقشة أبرز عوامل تراجع حضور الشعر، على الأقل من حيث جماهيريته ومساحة التعاطي معه مقارنة بالرواية، ذهب معظم الجدل حول فكرة استفزازية السؤال الذي يطرحه عنوان المحاضرة، غير أن حداد ذهب أخيراً إلى أن السؤال يمكن قبوله فقط، حال كونه استنكارياً وليس فقط استفزازياً.
حالة انفعال المحاضر انتقلت من السؤال المحوري، الذي تراد به مناقشة قضية بعينها انتقلت إلى مداخلات الحضور، لدرجة أن إحدى المداخلات التي جاءت من دكتورة لها تجارب روائية، ذهبت إلى أن «الأزمة الحقيقية للشعر تتمثل في غياب الأخلاق، وليس فقط الثقافة عن الأمة»، على حد تعبيرها الانفعالي.
ورأى حداد أن «الثقافة العربية كلما وضعت على محك الديمقراطية فشلت في الاختبار، ولا يمكن أن نفسر هذا الإصرار على المفاضلة بين الشعر والرواية، بعيداً عن نموذج التفكير الواحدي الإقصائي، الذي ينتبذ التعدد واختلاف الخيارات والتنوع». وتابع حداد : «البعض يبحث عن موعد لحضور جنازة الشعر بإصرار شديد، ومغالطات فجة تقرر دون مسؤولية موت الشعر، ويتناسون أنه كينونة قائمة بصلابة منذ قرون، لا يمكن أن تذوب، حتى لو كانت عبر ضربة قاضية من جنس أدبي آخر هو الرواية».
وتساءل حداد، الذي أكد رغم ذلك، أنه لن يسعى إلى طرح إجابات عن السبب في أن التناحر بين جنسين أدبيين تعرفه الحضارة العربية وحدها، دون الغربية التي عرفت السرد مع هوميروس قبل الميلاد بثمانية قرون، وأصبح مكوناً أساسياً لها، ومع ذلك يدخل هذا الفن في تناحر مع الشعر، في حين أن الشعر العربي هو أقدم أشكال التعبير محافظة على تاريخه اللغوي في الأدب العربي، متوغلاً زمنياً إلى قرن ونصف القرن قبل الإسلام على أقصى تقدير، مرجحا أن يكون قول بعض العرب بموت الشعر وحلول زمن الرواية صادراً عن وهم القداسة على الجانبين.
وتابع حداد: «الفنون ليست أحصنة سباق، تعاظم عدد الروايات وكتابها ليس علامة دالة على انتصار الرواية وهزيمة سواها من الأشكال والأنواع، مثل الشعر وغيره»، مشيراً إلى أن هذا المنطق ليس سوى «خضوع لعقلية فاشية تمجد شيئاً وتقصي غيره بوهم الفتك حسب الأهواء، وهو سلوك نقيض لروح الديمقراطية، التي تجعل الحياة تسع كل أنواع التعبير».
لا يموت
رأى حداد أن «القول بتصنيف الموروث بين الشعر والفنون الأخرى، هو امتثال للتصنيف القديم أيضاً لفنون التعبير، رغم أن التطورات الثقافية الهائلة في القرنين الأخيرين، جعلته نافلاً وخارج الجوهر الإبداعي للتعبير الفني الحديث».
وناقض حداد ذاته ودعواته للكف عن البحث عن صيغ تراتبية بين الفنون الأدبية، عندما ذهب ليؤكد قناعته بأن ظاهرة نزوع بعض الشعراء العرب نحو كتابة الرواية دلالة عميقة على الحضور النوعي للشعر في الكتابة العربية، وأن مفهوم الشعرية بات أكثر وضوحاً بكون الشعر شيئا آخر يختلف عن القصيدة، بل حرص حداد على تأكيد أن «الشعر هو الروح الجوهرية الشاملة، التي تغمر وتتجلى في جميع الفنون التقليدية، والحديثة، والمستحدثة».
رغم ذلك قدم حداد مقولات توحي بإقراره بألق حضور الرواية في العصر الحديث مقارنة بالشعر، إذ يرى أن «الشاعر حينما يكتب الرواية، إنما يفعل ذلك مستثمراً سيرة ذاتية فائضة على القصيدة، ما يمنح النص السردي الطاقة المتجددة بخبرة الشعر، وهي إضافة نوعية للسرد، وبلورة طموحة للتعبير الشعري في آفاق أكثر رحابة». وخلص حداد إلى أن «الشعر لا يموت بوجود كائن إنساني حي في هذا الوجود، وهو لا يمكن أن يموت في ظل حياة زاخرة بالغنى والتنوع».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news