هسام رحمانيان.. حياة حالمة وكائنـات مهجّنة
يقدم الفنان الإيراني، هسام رحمانيان، الكون الخاص به من خلال ألوانه، حيث يطرح الكثير من المشاهد التي يراها في العالم الخارجي بألوان حالمة تجسد رونق الحياة في أبهى حللها. وفي معرضه الأخير الذي افتتح في «غاليري ايزابيل فان دين آيند» في دبي، قدم رحمانيان لوحاته التي أبرز من خلالها حبه للطبيعة، فكان الكثير من الأعمال متجهاً الى البحر والأشجار، مع الاعتماد على الألوان الفاتحة التي تبعث الفرح في داخل المتلقي، الى جانب التركيز على الجانب الخيالي في بعض أعماله. أما طيور الحمام التي أبرزها في معرضها فكانت تحمل الجوانب المأساوية أكثر من الحالمة، مع التشديد على أنها كانت في كثير من الأحيان تبدو كأنها مهجنة بسبب تركيب الفنان أجزاء من كائنات أخرى مع الحمام، وكأنه يمنحها حياة جديدة بعد موتها.
خيال
سيرة لونية ولد الفنان الإيراني، هسام رحمانيان، في طهران، ثم انتقل ليعيش في الهند، وبعدها في أميركا، قبل أن يستقر في دبي. درس الفن والخط في ايران، وعندما توجه الى اميركا كانت له دراسات أخرى في الفنون والتصميم، الأمر الذي جعله يتوجه الى الأعمال التركيبية اللونية حين سكن في دبي. المعرض الأخير الذي قدمه في دبي هو المعرض الشخصي الثاني له في هذه الإمارة، فقد شارك في مجموعة من المعارض الجماعية، كما قدم معرضاً خاصاً في لندن، وقد حاز مشروعه الخاص صور من أجل التغيير للرئيس أوباما، على اعتراف دولي. |
بنى الفنان الإيراني أعماله في المعرض الذي حمل عنوان «الحمامة والنمر يتصارعان عند الخامسة بعد الظهر» والذي يستمر حتى 28 فبراير، ضمن تقاسيم لونية تحتل سطح اللوحة في تركيب تعدادي ينطلق من الثنائية ليصل الى اكثر من تسعة أجزاء للعمل الواحد، حيث يتقسم المشهد الواحد على اكثر من لوحة. وقد أسهمت هذه التقنية في ابراز جمالية اللوحات مع تعدد الوجوه للحالة التي يعرضها، تماماً كما في احدى لوحاته التي اعتمد فيها الفنان على الخيال، فرسم رجلاً مُظهراً ظهره، بينما كان يتأمل ويعيش في خياله الكثير من الأجواء التي جسدت ضمن لوحات صغيرة، حملت الحلم والأمل.
الأحلام التي ينقلها الفنان عبر أعماله هي أحلام كل انسان، فهي بسيطة تنطلق من السكون والراحة وتعود إليها. فقد نجح الفنان ومن خلال ألوانه في بث جو الراحة والسكون عند المتلقي من خلال معظم الأعمال التي وجدت في المعرض، لأنه يبتعد عن المشاهد والألوان المؤذية حتى حين يعرض الحمامات المذبوحة.
على الرغم من اعتماده على الجوانب المريحة في رسمه الطبيعة، كان الفنان مؤلماً في عرضه الطيور الذبيحة التي أوجدها في حالة صراع، فتبدو أحيانا كأنها في حالة استغاثة، وكأن الصرخات ستخرج من اللوحة، وسيتنقل صداها في أرجاء الصالة. وقد انتج من خلال الحيوانات التي أوجدها مقطوعة الرؤوس في بعض اللوحات، كائنات مهجنة، بجمعه الرؤوس مع اجزاء اخرى من حيوانات أخرى.
هذه الحالات التي جسدها هي التي أبعدت الفنان عن الأسلوب المفاهيمي الذي اعتمده في أعماله السابقة، ليتنقل الى أعمال تحمل الكثير من السيريالية في طرح الصراع بين الحمامة والنمر عند الخامسة عصراً. أما التفاصيل فتبدو أساسية عند الفنان، فقد أبرز من خلال هذا المعرض أهمية كل ما تراه العين في الحياة اليومية، وكيف يمكن أن يخرج كل هذا الجمال من اشياء مألوفة للبشر وليست غريبة عن حياتهم.
سياسة
أما السياسة فكانت شديدة الصلة بأعماله، إذ حاول من خلال عملين إيصال مغزاها عبر صور الحكام، التي رصدت رمزية كل انواع الحكم من الخلف عبر ما يميزها، كتاج الملوك وبدلات الرؤساء. وقد أبرز من خلال هذا العمل كيفية بقاء حال الدول على ما هي عليه، وإن تغير الأشخاص، لأن طبيعة الحكم هي نفسها في كل البلدان. واللافت في صور الحكام التي وضعها انها لا تحمل اي وجوه، حيث إن جميعها تبرزهم من الخلف بشكل شبه جانبي، لكنها أبرزتهم في حالة فرح وزهو من خلال الابتسامات التي كان يتضح أنها مرسومة على الوجوه من خلال العظمة الموجودة في أعلى الخدود الجانبية. بينما في المقابل أخذت اللوحات التي ابرز فيها الصراع بين الحمامة والنمر، منحى حياتياً أكثر من كونه سياسياً، فهي أبرزت وجوه الصراع الطبيعية بين مخلوقات الكون، التي من المؤكد أنها تتعدى فصيلتي الحمام والنمور. في الجهة الأخرى وتقنياً أبرز الفنان عمله على المواد المخلفة في الطيور بشكل خاص، فكانت اللوحات التي تصور مشاهد طبيعية تعتمد على الأكريليك بشكل أساسي بينما كانت الطيور معتمدة، بشكل بارز على الكولاج حيث جمع المواد المختلفة في اللوحة مستخدماً الأوراق، وواضعاً ألوانه في الفرن كي تنتج له الصيغة النهائية للعمل. ويمكن اعتبار الأعمال او اللوحات المقسمة كولاجية، نظراً لطبيعة تقسيم المشهد على أجزاء واعادة تكوينه وتركيبه مع الحفاظ على الانقطاع وعدمية التواصل بين الأجزاء المكونة للعمل.
وقال الفنان عن معرضه لـ«الإمارات اليوم» «يشغلني المفهوم المتعلق بالحياة والموت، ولذا احاول من خلال الحيوانات وكذلك الطبيعة أن أوجد كيف يمكن ان تموت الكائنات أو ان تعيش من جديد». وقد لفت الى أنه اعتمد على الطبيعة في أعماله، لأن اي شيء يموت يعود الى الطبيعة. أما الطيور التي أخذت حصة كبيرة من أعماله، فقد نوه بأنها تنتمي الى حياته وطفولته الخاصة، فهي ترتبط بحياته في ايران لأنه كان يملك الكثير من الحيوانات. أما لجهة الجمع الكولاجي في العمل، فهو ناتج عن الجمع بين الحالات التي لا ترتبط ببعضها البعض في الكثير من الأعمال، لكن كل هذا كان بشكل تلقائي، لأن الفنان يتجه سياسياً أو حياتياً تبعاً لكل ما يدور حوله، فالفنان يدرك العالم حوله ويترجمه عبر ألوانه. واعتبر ان دبي، المدينة التي يقيم فيها منذ سنوات، انعكست كثيراً على اعماله، لأنها تحمل الكثير من الهدوء، وقد انعكس ذلك في الكثير من لوحاته الحالية.