فنانة ألمانية حملت رمال العالم لترسم سحر النمط الإسلامي

ألفيرا فيرشيه: الشرق والغرب لن يفترقا

فيرشيه تقدم للقاسمي والضيوف شرحاً حول مشروعها الفني. تصوير: أشوك فيرما

«الشرق والغرب لن يفترقا»، هنا في الشارقة، وتحديداً في متحف الحضارة الإسلامية، حيث دمجت الفنانة الألمانية الهولندية ألفيرا فيرشيه، لأول مرة في الشرق الأوسط، الحضارات الإسلامية والأوروبية، بما تحتوي من فنون وأصالة في معرض «رحلة»، ومشروع «تقاسيم»، الذي جمع الفن الإسلامي برؤية أوروبية.

وقدمت فيرشيه في معرض «رحلة» الذي افتتحه، أمس، الشيخ سالم بن عبدالرحمن القاسمي، مدير مكتب حاكم الشارقة أعمالاً فنية ضمن فن الفسيفساء الهندسية معقدة التكوين، إذ شكل عملها نقله نوعية في هذا النوع من الفنون، لاسيما طريقة العرض التي اعتمدتها الفنانة من خلال تخطيط أرضية القاعة بخطوط هندسية متقاطعة شكلت مثلثات ومكعبات وأشكالاً هندسية حادة، إضافة إلى نهايات محدبة.

تقاسيم

فن إسلامي

أكدت الفنانة الألمانية الهولندية ألفيرا فيرشيه، أنها تعلمت الأنماط الإسلامية من خلال دراستها الكثير عن الحضارة الإسلامية التي تأثرت بها عبر زياراتها لعدد من الدول الإسلامية، إذ أحدثت تلك الأنماط الإسلامية والميزة الكلية للفن الاسلامي، نوعاً من الدهشة والإعجاب لم تجد لهما تفسيراً، الأمر الذي دفعها إلى دراسة التصاميم الهندسية والتعمق في مبادئ هذه التصاميم وتعويد ذهنها عليها بالتدريب والتحويل والتشكيل في لوحاتها الرملية.

مضيفة ان عنوان «الرحلة» مرتبط بالمشروع المعروض من نواح عدة، منها المحتوى والمادة ومصدر الزخرفة والشروط والمتطلبات الأساسية لهذا العمل، وهي التجوال وتذكارات الرمل، ويحمل عنوان «رحلة» علاقة تضمينية للترحال بغرض اكتساب المعرفة والتجوال، على اعتبار أن الرحالة التقليدي ليس مجرد مسافر، بل هو دائم التنقل، ولا يستقر.

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2013/02/032145639.jpg

حول معرضها الذي يستمر لغاية ‬25 ابريل المقبل، قالت فيرشيه لـ«الإمارات اليوم»، إن مشروع «تقاسيم» استغرق ‬10 سنوات من العمل المتواصل، تخللها تنفيذ الكثير من الأعمال والمشروعات الفنية، إذ يعد المشروع أحد المشروعات المعقدة التكوين، من خلال انشاء الزخارف وعناصرها الأساسية والمواد المستخدمة في تنفيذ هذا العمل، والتي هي عبارة عن رمال متنوعة تم جمعها من نحو ‬1000 منطقة رملية في عدد كبير من الدول، منها دول عربية وآسيوية وأوروبية.

وتابعت فيرشيه «أدرك أن الرمل مجرد غبار أو مادة غير حية، لكنه يتغير بشكل كامل عندما يصفى، فتتغير ألوانه وتتخلص من شوائبها فتصبح مادة ثمينة ذات رونق ولمعان يصعب الوصول إليه دون تنقية، بالتالي يحصل هذا التغير في المادة، التي أعتمد عليها في تنفيذ أعمال الفنية، كما هناك ميزة في ذلك الرمل أنه مجموع من أماكن متفرقة من العالم، الأمر الذي يكسبه خاصية الجودة والتنوع اللوني».

وقد استخدمت الفنانة في العمل كميات كبيرة من التربة المنتقاة ذات الألوان الغريبة، منها التربة الصحراوية الناعمة التي حصلت عليها من منغوليا والصحراء الكبرى، إضافة إلى التربة الطينية من انجلترا وبولندا وكازاخستان والهند، كما استخدمت التربة الحمراء التي حصلت عليها من مدينة البتراء، أما التربة البركانية فجمعتها من آيسلندا وبومبي وجبل إتنا في صقلية.

رمال ملونة

في مشروعها الذي استغرق ‬10 سنوات من البحث وجمع الأتربة، أكدت الفنانة أنها جمعت جزءاً كبيراً منها بنفسها، والبقية حصلت عليها نتيجة التفاعل الذي حصل بينها وبين أصدقائها والمقربين منها، إضافة إلى بعض الأشخاص الذين لا تربطهم علاقة بها، أو من اعتبرتهم بـ«المشجعين لها والمعجبين بفنها»، لافتة إلى أن «معظم الأتربة أرسلت إليها من مناطق متفرقة على شكل أكياس رمل متنوعة الأحجام والألوان الطبيعية غير المصبوغة، فمنها اللونان الأحمر والأسود، إضافة إلى لون غريب هو التركواز أو الفيروزي»، مشيرة إلى أنها لم تكن تتوقع وجود مثل تلك الألوان في الطبيعة حتى تعاملت مع هذا النوع من المواد.

وتقديراً منها للدور الذي قام به الأشخاص الذين ساهموا في جمع الرمال، عرضت الفنانة عينات من الرمال التي يمثل بعضها مواقع مقدسة ومعالم أثرية ذات تاريخ، كلٍّ على حدة، مع توثيق ملاحظة باسم المرسل ونوعية الرمل المرسَل، ومنها تربة من آثار بيشو في البيرو، وتربة من معبد النار في ايران، وتربة من سربرنيتسا وفيتنام وكوريا، إضافة لتربة من أوغندا وفلسطين، وتربة من أرض الصفر في نيويورك.

وحول مشروع تقاسيم الذي يعرض حالياً في متحف الشارقة للحضارة الإسلامية، قالت الفنانة، إن «المشروع استغرق تنفيذه في الشارقة أكثر من أسبوعين من العمل المتواصل دون انقطاع، إذ تجاوزت ساعات العمل على المشروع الهندسي الضخم نحو ثماني ساعات، واستخدمت طرقاً بدائية في تنفيذ العمل بشكل خلاب، وذلك لأني اردت الاعتماد على البساطة والوضوح عبر مكونات الرمل والطباشير الموصولة بخيط لرسم الخطوط، إضافة إلى مصفاة الشاي المنزلية، وقطع من الورق المقوى».

تعبير هندسي

ترى الفنانة ألفيرا فيرشيه في العمل تعبيراً هندسياً تجريدي الإلهام، ما يصنع حقلاً هندسياً ديناميكياً في الغرفة من خلال التقسيمات والدوائر المعقدة والمتكررة وعدد الخطوط المرسومة والأشكال العشوائية التي تتناسق مع بعضها لتكون أشكالاً هندسية، تعكس لدى المتفرج نوعاً من الديناميكية الحركية تتغير بحسب اتجاه وزاوية النظر ونقطة التركيز.

وتعتمد فيرشيه على تقديم عروض فنية حية، لتحقيق التكوين الديناميكي في العمل، إذ سمحت للزوار قبل افتتاح العرض بأيام، بالدخول لقاعة العرض لمشاهدتها أثناء تنفيذ عمل «التقاسيم» في مراحل التكوين المختلفة. وعند انتهاء تنفيذ العمل الفني يترك لأسابيع عدة، ثم تقوم الفنانة بإزالة العمل كاملاً بشكل فني من خلال أداء تكويني مختلف، على اعتبار ان كل شيء متغير ومؤقت، كما ان أنماط الرمل المستخدم في كل عمل تختلف بحسب الموقع الذي تقوم فيه الفنانة بتنفيذ العمل.

تويتر