«الربابة» تــصدح في قلعة الفجيرة
لثلاث أمسيات متتالية، صدحت آلة الربابة الموسيقية العريقة، بين جنبات قلعة الفجيرة الأثرية، خلال الملتقى الثالث للربابة الذي استضافته الفجيرة، بمشاركة عربية متميزة، بالاضافة الى وجود أوروبي، تمثل في أذربيجان، أدهش قطاعاً واسعاً من حضور الملتقى.
وللمرة الأولى على مدار دورات الملتقى الذي يقام كل عامين، احتضنت قلعة الفجيرة الأثرية داخل اسوارها فعاليات الحدث الذي اختتمت فعالياته أمس، ما أضفى أجواء خاصة على الأمسيات التي ساعدت طبيعة المنطقة على أن تكون مسموعة بشكل واضح، ولجأ المنظمون إلى الاستعانة بمكبرات صوت، وهو ما لم يعتد عليه كثيراً عازفو الربابة الذين اعتادوا أن يكون جمهورهم منصتاً إليهم بتركيز تام في حلقات دائرية.
وانعكس تنوع تطور الربابة، التي تتميز عن غيرها من الآلات بأنها «آلة الوتر الواحد»، في البيئات البدوية عنها في الحضر، ثراء في أمسيات الملتقى، الذي افتتحه سمو الشيخ محمد بن حمد الشرقي، ولي عهد الفجيرة، وأكد سموه أن الحدث أضحى من الفعاليات التراثية المهمة التى تسهم في الحفاظ على الموروث الشعبي، ويشكل تواصلاً ثقافياً مع مختلف المناسبات الثقافية.
الحدث الذي شهد ايضاً حضور الشيخ راشد بن حمد الشرقي، رئيس هيئة الفجيرة للثقافة والإعلام، ضم عازفين وباحثين من 10 دول عربية وأجنبية، الأمر الذي اعتبره البعض انتصاراً لآلة الربابة في وقت تجابه خصوصية الثقافة والفنون العربية كثيراً من التحديات، لدرجة أن بحوثاً معاصرة نبهت إلى امكانية اختفاء هذه الفئة من الفنون بشكل تدريجي.
وأكد نائب رئيس هيئة الفجيرة للثقافة والإعلام، محمد سعيد الضنحاني، أن تطور ملتقى الربابة، الذي يلامس عامه السادس، والرمزية التي تمثلها هذه الآلة في الثقافة العربية، رشحا هذه الدورة لأن تكون فاتحة الأحداث المهمة التي تحتضنها اسوار القلعة للمرة الأولى، مؤكداً حرص الهيئة على تعميق فعالياتها وتنويعها والوصول بها إلى البعدين العربي والدولي، كاشفاً عن ان الفجيرة مرشحة لإطلاق العديد من المبادرات الثقافية المهمة وفق رؤية واستراتيجية واضحتين سيتم الكشف عنهما في المرحلة المقبلة.
بداية إماراتية
«رحلة» أحال مدير بلدية الفجيرة، محمد الأفخم، إلى عنوان العرض الافتتاحي لملتقى الفجيرة الثالث «رحلة ربابة» في معرض إجابته عن سؤال لـ«الإمارات اليوم»، حول فكرة تطوير الملتقى ليتم استيعاب عدد من ورش العمل التي تتضمن استعراض دراسات وبحوث مرتبطة بالربابة، من دون الاكتفاء بالأمسيات الموسيقية. وأضاف أن الأمر أشبه برحلة لا تستطيع أن تنجز كامل أهدافها في مرحلة وحيدة منها، لكن مع رحلة الربابة عبر فعالية تكتسب كل دورة خبرات وإيجابيات أوسع، هناك رحلات اخرى سيتم الكشف عنها مرحلياً بحيث يكون الاستيعاب لمختلف مجالات الفنون قائماً بعد أن انفردت الإمارة بمهرجان أضحى عالمياً في مجال المونودراما». يذكر أن مختلف الفعاليات التي كانت تنظمها هيئة الفجيرة للثقافة والإعلام، ومن ضمنها بطولة السيف، المخصصة لفن المزافن التراثية، فضلاً عن الدورتين السابقتين لملتقى الربابة نفسه، كانتا تقامان أمام اسوار القلعة التراثية، وليس داخلها، كما الحال في دورة هذا العام. |
فعاليات الملتقى بدأت إماراتية من خلال فرقة تخت الإمارات، التي قدمت عرضاً متكاملاً بعنوان «رحلة ربابة» بقيادة الفنان الإماراتي علي عبيد الحفيتي، وتضمنت إلقاء قصيدة بعنوان «عيون القوافي»، بمشاركة آلة الربابة، عزف عليها الفنان جبر اسماعيل، مع وصلة من الطرب الأصيل لعازف آلة الجوزة، الفنان العراقي أنور أبودراغ، وقدم خلالها المقامات العراقية.
وشهد الملتقى أداء مميزاً للعازف السعودي، سعد العطوي، الذي قدم أربع مقطوعات مميزة متكئة على خصوصية توظيف الربابة في السعودية، مازجاً بين العزف والغناء، فيما فضل العازف الفلسطيني الاستغراق التام في العزف من خلال أربع مقطوعات.
وعلى الرغم من ان العازف المصري، شاكر إسماعيل، لم يلتزم بالزمن المحدد لفقرته، إلا ان المنظمين لم يسارعوا إلى تنبيهه الى انه احتاج إلى ضعف المساحة الزمنية لسابقيه، بعدما لاحظوا الانسجام الشديد للحضور مع أدائه، لاسيما ان إسماعيل اعتمد على عزف مقطوعات متعددة من مكتبة كوكب الشرق ام كلثوم، منها «هو صحيح الهوى غلاب» و«ألف ليلة وليلة» وغيرهما.
وبدا واضحاً أن آلة الربابة التي يحملها شاكر إسماعيل شديدة التباين عن غيرها، وهو ما جعل الإعلامي والباحث المهتم بتاريخ هذا الفن، حسام عبدالهادي، يوضح أن إسماعيل يعد رائداً في صناعة الربابة في المنطقة العربية عموماً، كما ان له مجهودات دؤوبة في تطويرها، مضيفاً «قام شاكر بإلحاق تجويف محد لتضخيم صوت الربابة أكسبها ثراء وتنويعاً، لكنه لا يتوقف عند حد معين، وغالباً ما يطالعنا كل فترة بتعديلات جديدة»
كما شهد الملتقى عزفا مميزاً لفرقة حوران التي تجمع عازفين من سورية والأردن بقيادة الفنان بيان فارس، إذ مزجت الفرقة بين أكثر من آلة موسيقية جاءت مساندة للعزف على الربابة، بالإضافة إلى الأداء الصوتي.
أرشيف
من جهته، أكد منسق عام الملتقى، سامي الباسلي، أن دورتي الملتقى السابقتين أسهمتا في صياغة أرشيف نوعي في مجال البحث والدراسة لجميع المهتمين بهذه الآلة الموسيقية الأكثر حميمية وارتباطا بالتراث الشعبي العربي، مشيراً إلى أن هيئة الفجيرة للثقافة والإعلام استقطبت لإنجازه نخبة من الباحثين والمهتمين على مستوى الوطن العربي، بل إنها تجاوزت حدود الوطن العربي نحو دول عدة لديها ما تقدمه في هذا المجال مثل تركيا وأذربيجان.
وأشار الباسلي إلى أن هناك اتجاهاً لأن يتم إصدار نتاج هذا التوثيق في كتاب جامع، خلال الدورة المقبلة، ليكون بمثابة المرجع المهم لجميع المهتمين في هذا المجال.
ورأى المنسق العام للملتقى أن أبرز ما يميز هذه الدورة، من الناحية الفنية، هو اشتمالها على عدد من اللوحات الغنائية التي تكون فيها الربابة جزءاً من اوركسترا موسيقية متكاملة، وهي تجربة تساعد على اذابة الحواجز الوهمية التي تفصل بين الربابة ومختلف الفنون الموسيقية.