سميحة أيوب: بعض المـسارح «ملاهٍ ليلية»
لا تغيب عن الليالي المفصلية في عوالم المسرح العربي، حتى إن لم تحضر بشخصها، فالإحالة إلى سيدة المسرح العربي، الفنانة المصرية سميحة أيوب تبقى وفاء بالنسبة للمسرحيين، لابد منه، ومن هنا فإن اسم سميحة أيوب لم ينقطع عن مختلف دورات مهرجان المسرح العربي الذي قام بتكريمها في دورته الأولى في القاهرة منذ خمس سنوات، لكن مع اختلاف المكرمين والمكرمات، فإنه قلما أن يصعد علم مسرحي إلى منصة التكريم دون أن يقر بدور أيوب الريادي، وهو ما كان من مواطنتها فتحية العسال التي تم تكريمها في الدورة الأخيرة بقطر عندما قالت: «هذا التكريم رصيد يجب أن يضاف للقديرة سميحة أيوب التي أدين لها بالاستمرار في الكتابة للمسرح».
سؤال أيوب عن أهم أدوارها وأقربها إليها يغدو عبثاً، فالقائمة هنا لابد أن تطول في ظل مسيرة طويلة لا تخلو من العطاء النوعي المكثف، فهي صاحبة «الفتى مهران»، «الوزير العاشق»، «دماء على ستار الكعبة»، «سكة السلامة»، «السبنسة»، «دائرة الضباب»، وغيرها، لكن الحقيقة التي تؤكدها دائماً هي أنها لم تقدم عملاً فنياً لم تقتنع بأهميته، بل الصحيح حسب وجهة نظرها هي أن الأعمال الجيدة تكتسب ديمومية حتى في غياب أبطالها.
«الإمارات اليوم» التقت أيوب التي حلت ضيفة على الدورة الأخيرة لمهرجان المسرح العربي في العاصمة القطرية الدوحة، في حوار أكدت في مستهله أن الفنان المسرحي الحقيقي الذي يفضل الخشبة على اضواء التلفزيون والسينما إما مضحٍ أو عاشق للخشبة، مشيرة إلى أن استضافة الإمارات للمقر الدائم للهيئة العربية للمسرح أعطى زخماً مضاعفاً لمختلف الخشبات الخليجية التي باتت تشهد اهتماماً ملحوظاً بمختلف فنون المسرح، مشيرة إلى أن واحداً من العوامل التي أسهمت في تطور المسرح الخليجي هو الاهتمام بإقامة ورش مسرحية نوعية، فضلاً عن الحراك الإيجابي الذي أسهم فيه تعدد المهرجانات الخليجية سواء المحلية أو غيرها.
صحوة
رُدت الروح تتمتم في خاطرها حينما تصادف عملاً مسرحياً تراه جيداً «رُدت الروح»، وقلما يحدث ذلك مع سيدة المسرح العربي سميحة ايوب التي ترى ان المسرح هو أكثر الفنون الإنسانية التي تعرضت لمحاولات إقصاء وتجاهل وإفقار لأهلها، لكنه في الوقت نفسه أضحى فناً غير قابل للفناء، وقد يمر بمراحل انتعاش وجفاء في علاقته مع الجمهور، دون أن ينقطع عنه. ورأت ايوب أن مأزق المسرح الجاد مادي، مضيفة «في زمن القنوات الفضائية المسلية لا نتوقع أن يُنصف المسرح، لأن من يفرض سياسة تلك القنوات في الأساس هم المعلنون». واستغربت أيوب من دعوات ترى أن الفنان المسرحي يفشل في اختبارات الكاميرا التلفزيونية»، مضيفة: «من يدعي ذلك لا يعرف حتى القليل عن فنون المسرح وأدواته، ويظن أن الممثل لايزال يصدح كما مسرح العصور الوسطى مستعرضاً حنجرته بتشنجات انفعالية». سميحة ايوب التي بدا التأثر الشديد عليها حينما توجهت لها «الإمارات اليوم» بسؤال يتعلق بتطور الوضع السياسي في بلدها مصر وتأثيره في المسرح، اختزلت أقصى طموحاتها الشخصية الآن بأن «يعاد ترميم المسرح القومي وتعاد لخشبته الحياة، ويعود كما كان حاضناً للمسرح العربي».
|
أكدت أيوب أنها تعول كثيراً على حاضر ومستقبل المسرح الخليجي في ظل الحالة الاستثنائية التي تشهدها مسارح عربية أخرى عريقة خصوصاً المسرحين المصري والتونسي، مضيفة: «تلك الصحوة والرغبة في التجويد، وإزكاء روح التنافس الخلاق، فضلاً عن الحرص على إقامة فعاليات مهمة مثل أيام الشارقة المسرحية وغيرها لابد أن يكون لها ثمارها الملموسة على المسرح الخليجي». هذه الصحوة المسرحية الخليجية لا تعني حسب ايوب أنها مرحلة ازدهار مادية لفناني المسرح، لأن المسرح العربي بما فيه المسرح الخليجي تأصل فيه الفقر آفة مزمنة، لعيوب لا تعود إليه بقدر ما تعود لطبيعة الأشياء، مفسرة: «هو ابوالفنون لكنه سيظل فقيراً، وبحاجة إلى دعم رسمي من الحكومات والدوائر المهتمة بالثقافة والفنون، بسبب جديته، فدائماً ما يعوز كل ما هو جاد في مجال الثقافة والفنون القدرة المادية، ويلازم ما هو ترفيهي ومطلق التسلية الثراء والبذخ الإنفاقي».
تجاري
استشهدت أيوب في ذلك بما أصاب المسارح التي تخصصت في انتاج أعمال أُطلق عليها تجارية، مضيفة: «معظم المسرحيات التجارية كانت تحقق مكاسب خيالية وكانت تعتمد على طبقة من الجمهور تبحث عن التسلية ومستعدة لشراء تذاكر باهظة من اجل ذلك، بعدما تحول الكثير من تلك المسارح إلى ما يشبه ملاهي ليلية جمهورها باحث عن التسلية المطلقة، وهو ما جعلها تتعرض لإفلاس تام في ظل الظروف السياسية والاقتصادية السيئة التي تمر بها مصر، في حين ان المسرح الجاد له أيضاً جمهوره العريض، لكنه لا يطبق الآليات المرتبطة ذاتها بقيمة التذاكر حتى في أوقات انتعاشه، نظراً للعلاقة القوية التي تربطه بالجمهور، وليس شباك تذاكر الجمهور».
واستغربت أيوب من المغالطة التي يرددها المنتفعون من المسرح التجاري المسف حسب تعبيرها، مضيفة: «هم يقومون بالإسفاف ويسعون للإبداع فيه مبررين بأن (الجمهور عايز كدة)، وهي مقولة ثبت خطؤها بدليل أن هناك فرقاً أصرت على تقديم اعمال جادة حتى لو لم يأتِ الجمهور، لكن المفارقة أن الجمهور أتى واقبل عليها وشجعها، مؤكداً أنه أكثر وعياً مما يظن البعض».
ورغم الهالة الإعلامية التي غالباً ما تصاحب نجوم تلك الأعمال الموسومة بصفة «الجماهيرية»، إلا ان صاحبة «الوزير العاشق» أكدت أنها هالة سريعة الزوال، وفقاعة سرعان ما تنكشف عن خواء، مستشهدة بمسرحية «الوزير العاشق» التي كانت تجد لها جمهوراً على مدار سنوات متعددة كانت تتوقف ثم تعود بناء على رغبة الجماهير نفسها، في ظل مرحلة وصل فيها المسرح التجاري إلى أوج ارباحه.