«أنا كوماري من سريلانكا»
حازم صاغية يروي حكايا «الخادمات»
في مزيج من التحقيق والعمل الروائي يكتب الكاتب والصحافي اللبناني، حازم صاغية، من خلال سيدة سريلانكية، قصة الآلام التي يعانيها الخدم الأجانب في عدد من البلدان العربية.
وقد أورد الكتاب حالات تعرضت فيها بطلته (كوماري) للضرب والتجويع والاحتجاز في اماكن مغلقة وحرمانها أجرها، واتهامها اتهامات باطلة تشفياً وانتقاماً. ألا أنها لا تتحدث عن الناس في البلدان التي عملت فيها باللغة نفسها، فهناك دائماً عندها أشرار وأخيار طيبون.
الكتاب الذي جاء في 93 صفحة متوسطة القطع، حمل عنوان «أنا كوماري من سريلانكا»، وصدر عن دار الساقي في بيروت. وحازم صاغية كاتب سياسي ومعلق في صحيفة «الحياة».
في تعريف بالكتاب ومحتوياته، حمل غلافه ما يلي «كوماري سيدة سريلانكية اضطرها العوز الى مغادرة بلدها والعيش في الخليج ومصر ولبنان. كوماري ليست رقماً ولا شيئاً. إنها مثل كل انسان آخر، محكومة بمواصفات وشروط. إلا أن الحياة التي استقبلتها كانت تليق بالأرقام والأشياء اكثر مما بالبشر».
وخلص الى القول «هذه الصفحات تحقيق مطول عن عذابات امرأة نلقاها ونتعامل معها كل يوم».
يكتب حازم صاغية ببساطة وسهولة تنسجمان مع كون الموضوع تحقيقاً، كما تنسجمان بقدر كبير مع الشخصية او البطلة. وقد جاء الأمر عملياً رواية فعلية وواقعية، اذ تمت له عناصر روائية من نواح عدة، وربما باستثناء عنصر الخيال من حيث خلق الموضوعات، اذ ان موضوعات ما عالجها الكاتب جاهزة ومتوافرة وعلى الصحافي الكشف عنها. ويبقى عمل الخيال هنا منصباً على الربط بين التفاصيل واختيار اسلوب إيراد الأخبار والمعلومات التي يقوم عليها التحقيق.
يبدأ الكاتب معرفاً بالبيئة الاجتماعية التي جاءت منها (كوماري) فيقول مورداً المعلومات في قالب قصصي «ولدت في 1971 في ماتيلي، تلك القرية القريبة من مدينة كاندي في وسط بلادي سريلانكا، هناك يعيش بوذيون وهندوس ومسلمون ومسيحيون، ينقسمون جميعا الى سنهال وتاميل. ولئن كان البوذيون الأكثر عدداً في قريتنا فالمسلمون عموما هم الأغنى، كما انهم المعروفون بوجوههم الفاتحة التي تقل سمرة عن سواها».
«بعض اتباع الديانات يسكنون حارات وأحياء منفصلة في ماتيلي لكن بعضهم الآخر يتجاور في السكن وفي البيوت، فيما تبقى العواطف والعادات مسألة اخرى بعضها يبعّد في ما بيننا وبعضها يقرّب، فالتاميل، ونحن منهم، يحبون الهند لأنهم من اصول هندية»، والسنهال هم الأغلبية وهم الحاكمون في سريلانكا.
وقالت «على انني لم ألاحظ في صغري ان الناس يتحدثون في الدين على النحو الذي صاروه لاحقاً، وربما هم لم يكونوا يتحدثون فيه اصلا. كذلك لم يكن الخوف سلعة يتبادلونها في ما بين اديانهم وطوائفهم، ذاك ان الكل فقراء والكل متشابهون في جوانب اساسية عديدة من حياتهم».
اتمت المرحلة الدراسية المتوسطة لكن الفقر حال بينها وبين اكمال دراستها، عملت في القرية في زراعة الشاي ثم في تعبئته بأكياس النايلون وفي نقل مياه الشرب لبعض الناس، وغير ذلك من اعمال قبل ان يتقرر ان تسافر لتعمل في الخارج بعد الأخبار عن المال الذي جناه بعض من عملوا في الخارج.
دفعت مبلغاً من المال لقريب لهم احتال عليهم، وذلك ليحصل لهم على جواز سفر، وتراكمت بسبب ذلك ديون على امها. ابلغهم القريب ان هناك عملاً جيداً في الكويت. الا انه وضع صورة امرأة غير كوماري على ما يفترض انه جواز سفرها ما تسبب لها في مشكلات لاحقاً. عملت في البداية لدى زوجين. عند اكتشاف قضية جواز السفر اخذتها ربة المنزل الى مكتب الاستخدام حيث ضربها رجل بعصا على اصابعها. وما لبثت المرأة ان اتهمتها زوراً بأنها حاولت تسميم العائلة، بينما هي التي دست السم في الطعام، وفي النهاية حرمتها قسماً من أجرها.
طلبت من المكتب العمل عند غيرهم فانتقلت الى آخرين كانوا افضل منهم. ثم عملت لدى امرأة مصرية عاملتها معاملة حسنة، وبعد مدة اخذتها معها الى مصر، لكنها اضطرت الى تركها هناك من دون اوراق قانونية والعودة الى الكويت. دبرت عملاً في مصر وعوملت باحترام. عملت سنتين من دون اقامة شرعية. مرضت امها فأرادت العودة الى بلدها، وبسبب وضعها غير الشرعي اضطرت الى دفع رشى باهظة لتستطيع السفر.
في بلادها احبت رجلاً وأحبها فتزوجا ورزقا بابنة، وكان جيداً معها. الا انها اكتشفت ان له زوجة وعائلة. صارت زوجته تهددها وتثير فضائح ورفعت دعوى تعدد زوجات على الرجل. ساءت علاقتهما وافترقا في النهاية. هذه المرة سافرت الى لبنان.
استقبلها مخدومها وهو قاضٍ بدا طيباً لكنه يعيش مع امه الرهيبة في معاملتها لـ(كوماري). عانت الكثير الى ان هربت ووصلت الى منطقة فقيرة يقيم فيها سريلانكيون وآخرون حيث سكنت مع سريلانكية شريرة صارت تسرقها وتسيء معاملتها
تعرفت الى (منير) وهو رجل لبناني مسلم كان طيباً معها، وما لبثا ان تزوجا، إلا أنه بعد مدة غرق في شرب الخمر وتعاطي المخدرات.
تسرد علينا كوماري سلسلة عذاباتها وحياتها البائسة. وتقول في الختام «هكذا اعيش الآن، اتوق الى سهرة هادئة امام التلفزيون بعد يوم عمل مضنٍ. اتوق الى حنان وإلى حب وإلى عالم اوسع قليلا يمنعني عنه (منير). أتوق خصوصاً الى بيت يكون لي. سأعود عاجلاً أو آجلاً الى سريلانكا. هناك أعمر الآن بيتاً لي ولابنتي التي اصبحت في الـ15، نعيش فيه معا. بيتي الذي يكلفني 150 دولاراً في الشهر قريب من بيت أهلي لكن اكلافه فاقت كثيراً ما كنت أتوقع. لقد ضيعت نفسي وشاركني كثيرون في تضييعها»، وتتحدث عن ابنتها فتقول «أنا من اجلها فعلت ما فعلته. من اجلها عشت خارج بلدي ولا أزال كما تعرضت للتجويع واحتملت وأحتمل الى اليوم أناساً كثيرين لا يحتملون. أشكر ربي كل يوم على ان الحياة لم تكن قاسية معي الى الحد الذي كانته مع كثيرات مثلي ممن اغتصبن وأحرقن وشوهن وانتهى بعضهن منتحرات».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news