نعمان لحلو: نحتاج إلى ثورة على الأغنيـة الـعربية

بصيغة تعكس إحباطه من واقع الفن العربي، ختم الفنان المغربي نعمان لحلو، الذي قام أخيراً بتلحين أغنية «عهد المحبين» للفنان وديع الصافي، لقاءه مع «الإمارات اليوم» بطلب ألا يتم تقديمه في الحوار بوصفه فناناً بل موسيقاراً، مبرراً «هذا المصطلح نال مضمونه للأسف الكثير من الابتذال، وما يتم تقديمه على أنه فن لم يعد كذلك حقيقة».

وتعكس عناوين أغاني لحلو اهتماماً وتناولاً مختلفين في التعاطي مع الكلمات والألحان والأفكار، فالفنان المغربي في سجله أعمال خارج الاهتمام التقليدي للمطربين العرب، فـ«رحمة» هي أغنية تنتصر لمرضى سرطان الأطفال، و«المدينة القديمة» تتطرق إلى مآسٍ وكوارث في حق مدن كاملة تذوب في بحور الحداثة فتتلاشى شيئاً فشيئاً، أما «المحبة» فهي كلمة السر للخروج من حكايات حب مكررة يتغنى فيها المطرب بـ«رمش الحبيب» و«شعره» و«موعده الغرامي»، لينفتح على علاقة تتجاوز الحالة الثنائية بين معشوقين، بالإضافة إلى أغانٍ أخرى تحت عناوين «الماء»، «قوارب الهجرة السرية» وغيرها.

ثورة على الأغنية

أغير جلدي

وصف نعمان لحلو المرحلة التي يمر بها حالياً على الصعيد الشخصي، بمرحلة تغيير الجلد الفني، مضيفاً «بالنسبة لي فإن الفنان مطالب بالتجدد مرحلياً، وهي خطوة تعني التأمل وتجديد الذات، لكنني أتأهب لمشروع يسهم في إحياء الجملة العربية اللحنية على أصالتها، بعيداً عن الأضواء».

وأشار لحلو إلى أن المدن الخليجية التي تتمتع بنهضة متسارعة مثل دبي وأبوظبي والدوحة، هي الأقدر حالياً على احتضان أصالة الأغنية العربية، مضيفاً : «من وجهة نظري لا ينفصل التطور الموسيقي عن سائر مناحي التطور الحضاري، بل إننا إذا كنا ننتظر نهضة موسيقية ثانية كتلك التي قادتها مصر في منتصف القرن الماضي، فإنني أتوقع أن تكون هذه النهضة القريبة خليجية بامتياز».

وكشف لحلو عن ان تصوره في مشروعه الحالي مرتبط بإدماج خصوصية اللحن المغاربي المتكئ على مزيج من الميراث الأندلسي والأمازيغي والمتوسطي بسمات الألحان العربية، مؤكداً أن القواسم المشتركة بين الأغنية المغاربية التقليدية والأغنية الخليجية متعددة، خصوصاً من جهة الإيقاع.

لحلو الذي يزور دبي حالياً بعد زيارة للدوحة، تضمنت إلقاءه محاضرات وعقد ورش عمل في جامعة جورج تاون، أكد أن هناك حاجة ماسة إلى إفراد بحوث ودراسات أكاديمية قابلة للتطبيق من اجل ألا تذوب الموسيقى العربية أمام تيارات العولمة الموسيقية التي يجب ألا تفهم مقاومتها على انها دعوة للتقوقع والانغلاق الثقافي والحضاري والفني.

دونما مبالغة في جلد الذات، يرى ابن مدينة فاس المغربية، الذي قضى حقبة من مشواره الفني بين فلوريدا والقاهرة، ويعد واحداً من أبرز الفنانين المغاربة وأكثرهم تنوعاً بين الغناء والتلحين خصوصاً، فضلاً عن كتابة الكلمات، أن الأغنية العربية تعيش مأزقاً حقيقياً جعلها في أمسّ الحاجة إلى «ثورة حقيقية».

ورغم أنه يحمّل الأغنية المصرية خصوصاً جانباً كبيراً من واقع الأغنية العربية، ويرى أنها كما أثرت «الأغنية العربية وقادتها في كثير من المراحل نحو مزيد من الازدهار، فإنها تقودها الآن إلى الخلف بعد أن دخلت رؤوس الأموال للاستثمار من الباب الخلفي للأغنية التي أصبحت تعتمد على طلة مبهرة وموسيقى صاخبة مثيرة للرقص»، إلا أنه رد جانباً كبيراً من إخفاق الأغنية المغاربية، خصوصاً للكثير من الفنانين المغاربة، إلى الغناء بلهجات مختلفة .

وتابع لحلو «لا أملك إلا أن أعود فأتذكر درساً مفصلياً غيّر حياتي منحه لي موسيقار الأجيال، محمد عبدالوهاب، حينما كتب لي القدر أن يستمع لصوتي في ولاية فلوريدا الأميركية التي كنت استقر فيها لسنوات، فنصحني بالذهاب إلى القاهرة لبدء مشوار فني، وحينما كان يعرفني إلى أصدقائه وطلب مني غناء أغنية وقمت بغناء رائعة (أنا هويت) لسيد درويش، انزعج كثيراً من اختياري، ومنحني العلامة (صفر) بإشارة مفهومة، وهو ما فسره لي في ما بعد بأنه كان يتوقع مني أن أبدع في ما لا يستطيع هو الإبداع فيه، وكان يعني هنا عدم تهاوني في خصوصيتي الفنية».

واضاف لحلو «الإشكالية التي تعيشها الأغنية المغاربية الآن لا تبتعد عن تلك المعادلة، فالكثير من الفنانين المغاربة يفضلون بأنانية مصالحهم الخاصة ويستسهلون الوصول إلى الجمهور العربي عبر لهجات غير مغاربية، وهؤلاء الفنانون متعددو ومتلونو اللهجات حسب طلب السوق، وهم احد أهم اسباب تراجع الأغنية المغربية».

في المقابل يرى لحلو أيضاً أن الآلة الإعلامية العربية تجاهلت الأغنية المغربية، مضيفاً «معظم المؤسسات الإعلامية العربية هي خليجية، والكثير منها يعمل وفق رغبة مالكيه أو رغبة المعلن في أحسن الأحوال، وفي كلا الحالين فإن الخاسر الأكبر هو الأغنية المغاربية، في الوقت الذي يفقد الجمهور العربي أعمالاً غنائية كثيرة أَولى بالتبني والاحتضان».

 

هوية المغرب

رأى لحلو أن الأغنية المغاربية لن يخلصها من مشكلات انفتاحها على المحيط العربي سوى ابنائها أنفسهم، مضيفاً «الفنانون الذين يتخلصون من لهجتهم الأصلية وخصوصية ميراثهم الموسيقي، ويذوبون في ثقافات البلاد التي يقصدون سوقها، لن يذكرهم تاريخ الفن، لأنهم ببساطة لن يتمكنوا من ترك بصمة مميزة، وكثيراً ما يكون الإغراق في العالمية هو الطريق الرئيس للعالمية بالفعل، والدليل القامات الفنية الخالدة مثل فيروز وسيد درويش وطلال مداح وغيرهم».

وأضاف أن هوية المغرب: عربية، امازيغية، إفريقية، متوسطية، أندلسية، وتلك الهوية منعكسة في موسيقاه، هي موسيقى يطغى عليها الطابع الأندلسي الذي أثر في معظم الموسيقى العالمية، في حين أن الموسيقى الأمازيغية ثرية ولها خصوصيتها، خصوصاً البعد الإفريقي منها المعروف بـ«جناوة»، وما عدا ذلك هي موسيقى عربية لكن بمقامات غير موجودة إلا في المغرب العربي، رغم تقاربها مع الموسيقى الخليجية من حيث الإيقاع، بسبب الهجرات العربية.

ورد لحلو الذي يحاضر أيضاً في الموسيقى الأندلسية، هذا التمايز إلى أن «المغرب هو البلد العربي الوحيد الذي لم يتأثر بالمد العثماني، بما في ذلك الموسيقى، نظراً لانفتاحه على الموسيقى الغربية أيضاً».

«استوديو دوزيم»

لحلو الذي له ألحان عديدة غناها الكثير من الفنانين المغاربة المعروفين، امثال نعيمة سميح، لطيفة رأفت، كريمة صقلي، حياة الإدريسي، فؤاد الزبادي، تحدث عن تجربته مع وديع الصافي مشيراً إلى أن الفنان القدير لم يتردد في أن يخضع للتدريب على المقامات الأندلسية الموجودة باللحن، في حين أن الكثيرين من الفنانين الشباب لا يكلفون انفسهم ذلك، لكن لحلو أشاد بشكل خاص بتجربة الموسيقار العراقي نصير شمة، مضيفاً «المميز في شمة أنه ظل مخلصاً لتيماته الموسيقية العراقية في الوقت الذي استفاد من التطور التقني المذهل الذي توفره الموسيقى الغربية».

وحول تجربته في الإشراف على برنامج مسابقات لاستكشاف المواهب الغنائية على النمط الغربي بعنوان «استوديو دوزيم» خلافاً لمجابهة فكرة الاستنساخ والذوبان في نموذج «الآخر»، قال لحلو «لا يمكن أن نغلق كل المنافذ أمام الجيل الشاب، والبرنامج لا يدعو إلى استنساخ المواهب وإن كانت فكرته غربية، لكنه يدعو إلى استكشافها، بشرط ان يكون لكل موهبة شخصيتها المستقلة، فيوفر لها بذلك فرصة جيدة تختزل مراحل يتطلبها انتشار أي موهبة ناشئة».

الأكثر مشاركة