«الديكتاتور».. رسائل سياسية واضحة على مسرح متقشف
على مسرحٍ عارٍ إلا من أربع مرايا علقت في فضاء الخشبة وستة مكعبات سوداء وزعت بعناية، فكانت تارة كرسي العرش وأخرى منصة تنفيذ حكم الاعدام، وعلى عكس ما خيّل لكثيرين ممن لم يسبق لهم مشاهدة عرض مسرحية «الديكتاتور»، المستضاف في الدورة 23 لمهرجان أيام الشارقة المسرحية، لم يصاحب العرض اسراف في الديكورات والازياء والإضاءة، أو حتى أي مبالغة في الأداء، لتوصيل فكرة الثورة وديكتاتورية الساسة.
المسرحية الحائزة جائزة الشيخ سلطان بن محمد القاسمي لأفضل عمل مسرحي عربي في 2013، والتي كتبها عصام محفوظ واخرجها لينا أبيض، عكست ما وراء شخصية الديكتاتور من أمراض نفسية واضطراب في الشخصية، حولته إلى متوهم بأنه القادر على انقاذ العالم وهو من تنتظره البشرية، فجنون العظمة أقل صفاته المختلة.
ولأن شخصية الديكتاتور غالباً ما ترتبط بالرجل، وتحديداً الملك أو الحاكم المستبد، إلا ان العمل كان أنثوياً بامتياز، إذ أدت دور الجنرال الفنانة اللبنانية جوليا قصار، أما الخادم سعدون فقد أبدعت في تجسيده الفنانة عايدة صبرا، التي كانت جزءاً رئيساً في تفاقم جنون العظمة عند الجنرال، الذي يقود ثورته وانقلابه على الملك من غرفة موصدة، فيما (سعدون) أفرطت في تدليل ابنها ما جعله متمرداً ومختلاً لدرجة الغطرسة، الخادم الذي لا يعرف سوى تأييد وتأكيد كل ما يقوله جنراله المعتوه، حتى وصل للمرحلة التي نفذ حكم الاعدام فيه بعد توهم الأخير بانه سعدون هو الملك.
بدء العرض
تفتح الستارة لتكشف عن مسرح متقشف وبقع ضوء لا تتجاوز الثلاث بقع سلطت على المكعبات السوداء، ودون أي نوع من المؤثرات الصوتية، ما عدا صوت الشخصيتين، تدخل قصار وصبرا، وتظهران بشخصيتي الجنرال قائد الثورة وخادمه سعدون، تسيران حتى تتقاطعا وتصلان كل أمام مرآة على جانبي خشبة المسرح، لتتقمص كل منهما الشخصية، فالجنرال لا يصبح قائداً دونما البزة العسكرية والتي كانت شبه خالية من النياشين والأوسمة، اما الخادم سعدون فكان هو القائم لتنفيذ أوامر جنراله الظالم، إذ علّق في خصره سماعة الهاتف التي ينقل من خلالها تعليمات الجنرال وأحكامه التعسفية، ويدوّن بيانات وفرمانات الثورة.
وطوال العرض الذي استمر قرابة الساعة، كان سعدون يزيد من تضخيم شخصية الجنرال، بل وأظهر في أكثر من مناسبة تفوق الأخير على الملك، لدرجة أنه بات يقارن بينهما من ناحية الشكل والجمال وطول قامته، بل وحتى «غمازات وجهه»، ليظهر بأن الجنرال الذي يقود ثورة ضد الملك، هو متفوق عليه في كل شيء، لدرجة انه ومع حصول الانقلاب العسكري لم يتوقف الجنرال عن ملاحقة الملك من مكان إلى آخر، ليعتقد بان الثورة ستنتهي بمجرد القضاء على الملك، إذ إن مصير الملك بات معلقاً بالجنرال.
عبارة مكشوفة
في جملة حقيقية تلخص الأوضاع السياسية وحال الساسة عند ترشحهم لتولي المناصب وحكم الشعب، قال الجنرال إن «كل من غير العالم أظهر المحبة في البداية»، فصار الجنرال بعد أن تحقق النجاح لثورته المزعومة يصدر البيانات والفرمانات غير المنطقية والتي لا تخلو من الغطرسة والتجبر، فطالب في أثناء بحث العسكريين عن الملك، بشنق جميع الوزراء، وأمر مجلس النواب بإصدار بيان تأييد للثورة بالإجماع، وعندما أصدروا البيان ولم يكن بالإجماع طالب باعتقالهم جميعاً، وأمر بشنق زعماء الاحزاب ووضع الشعب تحت الرقابة المشددة طالما أن الملك لايزال حراً او بحسب التعبير اللبناني «فلتان».
المسرحية تحمل الكثير من الرسائل السياسية المكشوفة وغير المبطنة، فكانت هناك جمل واضحة للشعوب العربية بأن يستفيقوا ولا يرضوا بالخضوع والاستسلام، منها جملة يعتقد من خلالها الجنرال بأن «الشعب ليس لهم لون او شكل، هم فقط يأخذون لون وشكل زعمائهم»، كذلك من يخدم الديكتاتور ويساعده يصبح مصيره معروفاً، فإن لم يقتل على يد ديكتاتوره قتل على يد الثوار، كما حصل مع العسكريين الذين خدموا الجنرال المعتوه، الذي أمر بتصفيتهم الواحد تلو الآخر، حتى انتهى بخادمه سعدون الذي اعتقد بأنه هو الملك.
موت الملك
في المشهد الأخير، وبعد أن وصل الجنون والوهم بالجنرال إلى أقصى حالاته، اعتقد الأخير بان خادمه الوفي ما هو إلا الملك الذي يسعى للقضاء عليه، فأمره بان يختار طريقة موته، لاسيما بعد أن رفض سعدون الموت شنقاً على اعتبار أنه الملك وكيف للملك أن يشنق، فطلب اعدامه بالرصاص، إلا أن الجنرال لا يمتلك الأسلحة حتى اختار ان يطعنه بسكين في مشهد مؤثر كأنه صلب، جعل الجنرال يتردد كثيراً قبل ان يقتله، على الرغم من أنه قام قبل ذلك بقتل وتصفية الكثير دون رحمة، إلا أن مشهد قتل سعدون كان مختلفاً.
يحسب لمخرجة العمل لينا أبيض، اشتغالها على الممثل واستخدامها لبقع الضوء التي شكلت من خلالها حالات الغطرسة والعظمة التي كان يظهر بها الجنرال، من خلال اظهار خيال الجنرال على خلفية المسرح بحجم مضاعف على عكس سعدون الذي يظهر ظله صغيراً إذا ما قورن بالجنرال، كذلك استخدامها جزمة ذات كعب عالٍ أو «بوت نسائي» كان ينتعله الجنرال في رجله اليسرى ويترك الأخرى من دون حذاء، الامر الذي جعله طوال العمل كالأعرج، وهنا وصلت فكرة أن الجنرال غير متزن في تصرفاته، بل إنه مضطرب عقلياً ومتغطرس.