صعوبة اللهجة والصراخ والأداء أهم الانتقادات

«رابتر» قتلت طفلاً.. و«الطوفان» تضـيع البوصلة

مسرحية «رابتر». تصوير: تشاندرا بالان

مهرجان أيام الشارقة المسرحية كحال بقية المهرجانات الفنية، التي تتذبذب فيها مستويات الفرق المشاركة والعروض المقدمة، إذ لوحظ خلال اليومين الماضيين، مع تقديم الفرق أربع مسرحيات حتى الآن، أن تلك العروض كشفت عن نصوص جيده يقابلها أداء تمثيلي هزيل أو ربما فكرة متواضعة توازيها معالجة اخراجية جيدة، كذلك سوء الإضاءة الذي يضيع مشاهد كثيرة وخلل الصوت الذي بتر جُملاً حوارية.

هذا التباين في مستويات الفرق يكسب تلك الفرق المسرحية نضوجاً وخبرات تراكمية نتيجة المحاولات المتكررة والتعثر والوقوف، بشرط أن تبدي كل فرقة استعدادها لتصحيح مسارها وتقويم أداء ممثليها وتقبل النقد الذي من شأنه الإسهام في رفع مستوى فرقة عن غيرها، كذلك على المخرج والمؤلف، طالما انهما عقدا العزم على تقديم عمل ومشاهدة مسرحية، أن يكون لديهما أعلى درجات تحمل مسؤولية الفرقة وكل عناصر العمل المقدم من دون التنصل أو اللجوء إلى ذرائع أو أعذار واهية عند فشل العمل او بطريقة مخففه إن كان العمل دون مستوى المهرجان.

وفي اليوم الثالث لمهرجان أيام الشارقة المسرحية، قدمت فرقتا مسرح خورفكان ومسرح الفجيرة، عرضين، الأول «رابتر» للمؤلف والمخرج عبدالله زيد، والثاني «الطوفان» للمؤلف حميد فارس والمخرج صابر رجب، إلا أن العرضين وقعا في مطب التطويل في الحوارات والمونولوجات التي اتسمت بالصراخ في أحيان كثيرة وتحديداً في مسرحية «الطوفان».

لكن الغريب في العرضين أن اللهجة الإماراتية العامية المستخدمة لغة حوار، التي هي في الأصل لهجة عربية مفهومة، شكلت عائقاً كبيرة لدى عدد من الجماهير وضيوف المهرجان سواء العرب أو الخليجيون، وما فاقم من ضياع عدد من الجمل الحوارية التي هي في الأساس تخدم العمل، عدم وصول أصوات الممثلين بطريقة واضحة، ربما يكون لأسباب تقنية أو ضعف الطاقات الصوتية لديهم.

غياب المفاجأة

لمشاهدة الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.

ظهر الفنان المبدع عبدالله زيد، مؤلف ومخرج مسرحية «رابتر» على غير عادته، فقد غاب عنصر المفاجأة في عرضه الأخير وإن لاقى استحسان الكثير من النقاد والمسرحيين وحتى الجمهور العادي، إذ امتازت عروض زيد السابقة بوجود كل ما هو غير مألوف على خشبة المسرح، ولا يمكن نسيان ثور عبدالله زيد في مسرحية النطاح التي قدمت في «الأيام» العام الماضي، الأمر الذي شكل صدمة بالنسبة لكثير ممن تعودوا «جنون» هذا الفنان الذي يمتلك قدرات استثنائية في التأليف والتمثيل وحتى الإخراج لم تعكسها «رابتر».

أما ما هو متأصل في زيد فهو اهتمامه بنقل الجماهير من خلال سينوغرافيا العمل لتكون طبيعية، فقد حول مسرح قاعة معهد الشارقة للفنون المسرحية إلى ساحة «البر» أو الصحراء، وما تضمه من كثبان رملية معروفة باللهجة المحلية باسم «العراقيب»، وشجر يابس، ولأن البر لا يكتمل إلا بالدراجات الرباعية فقد دخل الممثلون الثلاثة؛ الفنان علي القحطاني في دور الأب «الشيبة»، والممثلة فاطمة حسن في دور الأم «العجوز»، والطفل عبدالله نبيل في دور «عمر»، على خشبة المسرح بدراجة «الرابتر» التي يقودها الطفل بين رمال الصحراء والكثبان العالية.

وتبدأ تفاصيل العمل بهذا الدخول المبهج، الذي من خلاله يبدأ المتفرج رسم خطوط أولية لطبيعة العلاقة التي تربط الشخصيات الثلاث، لاسيما أن دخولهم كان جماعياً، إذ فسر الجميع العلاقة بأنهم عائلة جاءت لتقضي عطلة نهاية الأسبوع في البر، حال واقع الكثير من الأسر الإماراتية، ومع أول حديث تكشفت أدوار الممثلين باكراً لدى الجمهور، فالأب والأم هما عجوزان تعطلت بهما المركبة على الطريق السريع فاضطرا إلى الاستعانة بأحد المارة، ولحسن الحظ كان الطفل «عمر» يتنقل بدراجته «رابتر» وتوقف لمساعدة هذين العجوزين، لتتصاعد التحولات في تركيب الشخصيات بصورة سريعة وبسهوله تامة، يبدأ بصراع بين الأجيال وغياب الثقة بين الشيبة والطفل، لاسيما أن كلاً منهما لا يعرف الآخر، لكنه مضطر إلى ان يتعايش معه، وإن كان ذلك لساعات معدودة، إلا ان كلاً منهما يرفض تفكير الآخر والتنازل، حيث يظهر الطفل براءة وعفوية فيما يقابلهما الشيبة بشيء من العصبية والتعنت، أما العجوز فقد وجدت في هذا الطفل شيئاً لم تجربه من قبل، ألا وهو إحساس الأمومة الذي طالما حرمت منه لأسباب باتت مجهولة.

مصير ضائع

ولأن مصير الثلاثة الذين تاهوا في الصحراء مرتبط، فالأنسب ان يتم التعاون بينهم ليتمكنوا من النجاة والخروج من هذا المأزق، فمن جهة هم ضائعون في الصحراء ومن جهة أخرى هم ليسوا متفقين في الرأي، فالعجوز تؤيد الطفل على حساب زوجها الشيبة في حوارات لمناكفات مطولة تخللها تراشق بالرمال وجمل فكاهية تذكر بالماضي الذي دفعها إلى الزواج به دون أبناء «الفريج» ليبدأ فصل جديد من هذا التحول في العمل، وتكشف الحقائق إذ إن الزوجين عقيمان، فكل واحد يلقي باللوم على الآخر فالأم تقول إنها لا تعاني أي مرض يمنعها الإنجاب سوى مرض الضغط، أما الأب فيقول إنه سليم ويمكنه الزواج ليثبت ذلك.

سلسلة من المناكفات بين الشخصيات الثلاث والتنقلات السهلة ما بين الحزن والفرح والعراك، التي لم تدم طويلاً، خصوصاً مع تكشف حقيقة الطفل عمر، الذي كان يظن العجوزان أنه ينتمي لإحدى الأسرة التي لا تهتم بأطفالها، خصوصاً أنه يمتلك دراجة رباعية ويهيم بها حتى اوقات متأخرة من دون ان يفقده احد أبويه، غير أن الطفل يتيم الأبوين، فقد توفي أبوه وأمه بعد يومين من ولادته في حادث مأساوي كان هو الناجي الوحيد منه، لينتقل للعيش في كنف جدته وهو سعيد بالعيش معها رغم انه يفتقد أبويه.

ولأن الطفل بطبيعته يحب الاطلاع دفعه الفضول لسؤال العجوزين عن ابنائهما ولماذا هم ليسوا معهما، ليثور غضب المسن ويرفض الإجابة في البداية إلا ان إلحاح الطفل لمعرفة الحقيقة دفع العجوز إلى كشف المستور، وتناول قصة محاولات الزوج الإنجاب من خلال تعاطي المنشطات الذكورية والحقن الصينية، إلا أن الأخير هاجم زوجته واتهمها بأنها عاقر لا تستطيع الإنجاب وهددها بأنه سيتزوج ابنة عمه، ما جعل الموقف يتحول من مشهد فكاهي إلى موقف تراجيدي تخللته حركات درامية مبالغة ما بين البكاء وادعاء المرض من قبل الزوجة، إلا أن الطفل من خلال كلمة «أمي» التي قالها من دون ان يشعر، صفت الأجواء المشحونة بين الزوجين.

غير أن فرحة الزوجين بالطفل عمر الذي سيعوضهم حرمان ‬38 سنة لم تدم طويلاً إذ إن الطفل مريض بضيق التنفس (الربو) ويحتاج إلى البخاخ الدوائي الملازم له، الذي فرغ أثناء تجوله بالدراجة، وفي طريق عودته إلى المنزل لجلب بخاخ بديل توقف لمساعدة العجوزين في الطريق العام، هنا يقف الزوجان عاجزين عن فعل أي شيء فشمعة الأمل والاستمرار تذوب أمامهما وهما حبيسا الصحراء ومنقطعان عن العالم المحيط بها.

طوفان الغريب

أما مسرحية «الطوفان» المقدمة من قبل مسرح الفجيرة، التي بدأت بتنبيه بلهجة محلية «طوفان.. طوفان، يرمل وييتم ويفرق صلة لرحوم، دخلوا عيالكم وأزلوا بيبانكم، فضوا السكيك والدروب»، فقد نالت نصيباً كبيراً من النقد اللاذع، لاسيما مع عدم وضوح الرؤية والمعالجة الإخراجية للنص الذي وصف بالجيد، فضلاً عن عدم وصول الحوارات، وضعف الاشتغال على أداء الممثلين.

تدور أحداث المسرحية في الماضي وتحديداً في زمن صراع النواخذة والتجار وسيطرتهم على الفرجان، وتبدأ الحكاية من النهاية وتبين كيف أن العم سيف «عبيد الهرش» والعم زيد «عبدالحميد البلوشي»، يتقاتلان من أجل السيطرة رغم انهما أخوان، إلا أن الغريب شاهين «عبدالله سعيد» دخل بينهما وأجج ذلك الخلاف وجعله يتفاقم ليضعف الأخوين ويتمكن من السيطرة على كل شيء، لاسيما بعد ان تزوج ابنة زيد وصار ابناً لسيف.

ومع بداية العمل يظهر سيف وزيد وهما يتصارعان على المال والتجارة والحلال، أي صراع الكبار، فسيف يريد أن يكون النوخذة الوحيد ذا الكلمة المسموعة، إذ تمكن من السيطرة على أهل بيته وطمس حقهم في الكلام او التعبير، وصار ينمي في شاهين ابنه بالتبني كونه وزوجته لا ينجبان أطفالاً، روح القتال والثأر، وأن الحق لا يؤخذ إلا بالسلاح، إذ لا وجود للغة الحوار في صراع الكبار.

حلم سيف

تتصاعد الأحداث والصراعات بين زيد وسيف الذي راوده حلم لم يجد له تأويلاً إلا عند غالية «علياء المناعي» زوجة شاهين وابنة أخيه زيد، إلا أن الغضب والحقد على أخيه أعمى قلبه، وتكبره على ابنة اخيه جعله يعتقد انها تعاني مرضاً نفسياً منذ وفاة والدتها، إذ إنها لا تغادر غرفتها او تختلط بهم وطوال الوقت وهي تبكي وتصرخ وتنوح، إلا أن حقيقة الأمر أن غالية تعاني القهر والظلم الممارس ضدها من عمها أولاً وزوجها شاهين ثانياً، هذا الخير الذي طوال سنوات زواجهما لم يقترب منها فهي لاتزال عذراء.

ولم يتوقف شاهين عن تجبره الذي يستمد قوته من والده سيف الذي ترك له حق السيطرة على السوق، فصار يرفع أسعار البضائع، بل ونصب نفسه نوخذة وصار يتمادى في تصرفاته التي لا تفرق بين نوخذة او خادم، حتى جاء اليوم الذي يعتدي فيه على عمه زيد الذي يطالب بحقه في البضاعة التي احترقت في المخازن.

من جانب آخر العذابات التي تعيشها غالية ووتذوقها من زوجها وابن عمها، الذي صار يهددها بأنه سيتزوج عليها دانة بنت النوخذة جوهر، في المقابل هناك حس الفكاهة والروح المرحة في العمل الذي اتسم بالسوداوية، إذ كان بروك «ابراهيم القحومي» وهو خادم النوخذة سيف وكان خفيف العقل ويتصرف بتلقائية وعفوية تضعه في مشكلات مع العم سيف الذي يخشاه ويعيش في خدمته منذ ولادته، فتارة يحلب البقر في المزرعة وتارة يجلب له اخبار السوق، وتحديداً ما يدبره له النوخذة زيد من مكائد وما يفعله شاهين من بطش وممارسات ليفتخر بها العم سيف.

تمرد شاهين

ما بين الصراعات والألم والمعاناة، ينفش ريش شاهين شيئاً فشيئاً، خصوصاً من رؤية الأخوين زيد وسيف اللذين يتقاتلان ويتخاصمان، الأمر الذي أضعف قوتهما وهيبتهما، حتى جاء اليوم الذي يقتل سيف زيد في مواجهة عنيفة بين الاثنين، ليعتقد العم سيف انه صار النوخذة الأوحد في المنطقة، الأمر الذي لم يوافقه عليه شاهين الذي تمرد على أبيه وكسره وانتزع منه كل شيء يملكه وطرد اباه من البيت.

وفي نهاية العمل كشفت روية «هيفاء راشد»، التي هي زوجة سيف، لغالية أن شاهين ليس ابن عمها الذي كان واجباً عليها أن تتزوجه، انما هو ليس ابنهم فهو لقيط عثر عليه على شاطئ البحر طفلاً صغيراً خائفاً وجائعاً، ولأنهم لا يستطيعون الإنجاب قرر سيف أن يربي شاهين ويتبناه ليكون ابنه، هنا نطقت غالية بتأويل حلم العم سيف الذي رفض أن تفسره، بأن الغريب يبقى غريباً، فهو كالطوفان يهدم ولا يبني.

نقذ لاذع

رغم أن فريق العمل بذل جهداً ملموساً لإنجاح هذا العمل، إلا ان العمل لاقى نقداً لاذعاً في الندوة التطبيقية التي تلت العرض، فقد اعتبر مشاركون ان الحوارات لم تصل، إذ كانت هناك جملاً سخية لا نفع منها، كما لم يكن واضحاً أن هناك اشتغالاً على الممثلين رغم الورش التي تقدم، إلا انه لا يوجد تمثيل حقيقي في هذا العمل، ويمكن اعتبارهم أسوأ مفردات المسرحية.

أما الصراخ فكان واضحاً فقد كانت الانفعالات طاغية على الجمل التي كانت هي الأخرى مبتورة والحروف ان صح التعبير يمكن القول إنها «مبلوعة»، والمخرج لم يشتغل على الممثلين ورغم انهم يمتلكون طاقات جيدة ويمكن ان يصبحوا ممثلين لهم شأنهم مثل الممثل ابراهيم القحومي في دور بروك، إلا أن الأخير أعطى واخرج كل ما لدي من طاقة، لكن دون ان يتم تشذيب تلك الطاقة وتهذيب الموهبة وصقلها وهنا دور المخرج.

كما أن عائق اللهجة كان حاضراً في هذا العمل، إذ واجه العرب والخليجيون وكذلك بعض الإماراتيين ممن لم يقرأ النص قبل العرض، صعوبة في معرفة المحتوى الحواري لاسيما في وجود ربما خلل في الصوت، فأصوات الممثلين عندما يكونون في مقدمة الخشبة تكون واضحة أما في العمق فلم تكن كذلك، وما أسهم في عدم فهم الحوار طغيان النبرة البكائية على الأداء، كما ان المونولوجات تعيد تفسير الحدث ما ولد إرباكاً للمتفرج.

هناك اشادة بمواهب الممثلين، من بينهم عبدالله سعيد وعلياء المناعي، إلا ان المخرج لم يشتغل على أداء الممثلين بشكل جيد، لاسيما أنه يمتلك نصاً جيداً وخامات يمكن أن يكون تأثيرها أعمق، إضافة إلى سنوغرافيا ضخمة لم تستغل بصورة حقيقية، وما كان مخيباً أن المخرج اعترف بأن الممثلين لم ينالوا اعجابه في العرض.

تويتر