«متنزه الفن».. نحــت على شواطئ دبي

على رمال شاطئ مينا السلام في جميرا وضعت منحوتات ‬11 فناناً عالمياً في متنزه المنحوتات، الفعالية الجديدة التي اطلقت في الدورة السابعة من «آرت دبي». وحملت بعض المنحوتات مواصفات البناء المعماري، إلى جانب أخرى تحمل صفة التركيب. وتمحورت الأعمال المقدمة حول البناء الذي يصوغ علاقة البشر بالطبيعة من جهة، وبالمادة من جهة أخرى. المتنزه الذي يبلغ مجموع أعماله ‬19 عملاً، يجمع توجهات فنية طرحت الآراء الخاصة بالفنانين ضمن حدود المسافة التي تحافظ على وجود علامات الاستفهام عند المتلقي حتى مع أكثرها مباشرة. تبرز منحوتة الفنان الأميركي كريس بردن، نزوعه إلى الهندسة المعمارية، من خلال عمله الذي يحمل عنوان «الجسر المتقوس»، الذي بناه بردن من مادة «ستانلس ستيل» على قاعدة خشبية. ويتميز العمل بالتفاصيل الهندسية التي تقسم البناء إلى مربعات صغيرة الحجم تتقاطع وتتداخل مع بعضها لتبرز خلفيته الهندسية التي اكتسبها من الدراسة. عرف بردن بالأعمال التركيبية وكذلك العروض الحية، ولا يتخلى عن فكرة تكرار التفاصيل في معظم أعماله، ليوجد البناء الهندسي الذي يشبع تصوره المعماري والفني في آن، ويعد هذا العمل من أبرز الأعمال الموجودة، كونه الأقدم بينها.

مشهد تركيبي

فنانون مشاركون

تنتمي الأعمال التي يقدمها كل من كريس بردن، أماهيغور دولو، منير فاطمي ، بيتا فايزي، عبدلاي كناتي، غبريال كوري، حسن شريف، سلييفس اند تاترز، اوبك صادق واصل. وقد اختيرت أعمالهم من قبل شوس مارتينز الى سنوات متباينة. ويعد جسر التقوس للفنان الاميركي كريس بردن أقدم القطع المعروضة، فهو ينتمي الى عام ‬2003، بينما تنتمي أغلب الأعمال الموجودة الى العامين المنصرمين. وقد تباينت المواد التي وجدت في الأعمال بين المعدن والحديد والنحاس والألمنيوم والأسلاك الى جانب الخشب.

ليست أعمال بردن وحدها المنطلقة من نزعة البناء، فهناك عمل للفنان المغربي منير فاطمي، عنوانه «أحب أميركا»، الذي يعيد إلى الأذهان مشهد البناء من خلال الأعمدة الحديدية الملونة بألوان العلم الأميركي، والتي وضعها الفنان بطريقة طولية متعاكسة. هذا العمل الذي قدمه فاطمي يحمل الكثير من الهواجس السياسية التي يعيشها المواطن العربي الذي تحيط السياسية حياته اليومية، لكن حرصه على وجود عامل الإبهام في العمل كان واضحاً، فعمله يبقى على المسافة الحيادية التي تبعده عن طرح افكاره المباشرة وآرائه من السياسة الأميركية.

أما الفنان الهندي اوبك فطرح علاقة الطبيعة والبشر من خلال المواد التي يستخدمها، والتي يكسبها مظهراً يخالف واقعها. الفنان الهندي يخدع البصيرة من خلال إيهام المتلقي بأن ما يشاهده في عمله «لفتة ودية وقاعدة وهمية من الرخام»، حيث إن القاعدة الطولية التي تحمل اللون الرمادي لا تبرز حقيقة المواد التي شكلت منها، والتي هي الخشب والحديد.

أما العمل الثاني والمصنوع من الخشب الابيض الذي يحمل صفة السور، فقد أظهر نزعة اوبك للبحث عن الحماية، الحياة البشرية تحمل الكثير من الصراعات التي تتطلب بحث البشر عن الحماية، وقد يترجم هذا البحث من خلال الأسوار التي تعيق اختراق الذات البشرية من قبل العالم الخارجي، ومن الطبيعة أحياناً.

إرث ثقافي

المادة هي التي تصنع العمل، وتختلف رؤية كل فنان وتعاطيه معها من خلال الطرح الذي يقدمها به. الفنان المكسيكي غبريال كوري، قدم عملاً مؤلفاً من ثلاث قطع من الستانلس ستيل المطلي بالألوان، والذي بلور فيه رؤيته للشكل الذي تأخذه المادة وكيف يمكن إعادة قولبتها وتغييرها. انها نزعة التغيير عند البشر والاختلاف في ما بينهم. تترجم عبر الألواح المعدنية التي تتغير الأشكال بين المنحنية والحادة أو المسطحة. أهمية المادة في التركيب الفني لم تتوقف عند الفنان كوري، فقد ضم المعرض واحدة من أهم التجارب الإماراتية في التعاطي مع المادة، وهي تجربة الفنان الإماراتي حسن شريف، الذي يبحث في المواد المهملة ليعيد بناءها من جديد.

وقد كان عمل شريف في المتنزه بمثابه استعادة لجماليات ماضية سبق وشكلها في أعماله السابقة في الثمانينات، حيث عمد الى اعادة استخدام مواد اعماله القديمة في هذا العمل الذي حمل عنوان «نسج ‬2». العمل الذي يبرز فيه شريف جمال المهمل، يبرز نوعاً من التحدي، فالنسج الذي يصلح للخيوط، يطرحه شريف مع مادة الألمنيوم الذي يحيكه عبر الأسلاك النحاسية، ليتكون في العمل النهائي تركيبة تحكي الكثير عن نسيج الحياة الإماراتية التي يبرزها الفنان من خلال ارتباطه بكل ما يسمى مواد مهملة تعود الى هذا البلد.

الإرث الثقافي الذي يشكل وعي الإنسان لا يمكن أن يغيب عن الأعمال الفنية، لاسيما في بعض التجارب التي تتميز بلدانها بخصوصية في ثقافتها الاجتماعية وتقاليدها التي تحكم حياتها.

الفنان السعودي صديق واصل، بنى من خلال المعدن «المقشوط»، منحوتاته التي تشبه «القسطل»، ليبرز الفكر المتعلق بالعبادة والتصرفات التي تحكم الإنسان، وهو في بيت الله. هذا العمل يبرز تأثر الفنان بالثقافة المحلية التي تحيط الناس في بلده. أما التزامه التحدي في المادة التي يعمل عليها فيبرز النزوع الى التحدي الجسدي وكذلك نزوعه الى الخروج عن المألوف وتغيير النمط الفني السائد. هذا الاثر الديني لم يتوقف عند عمل صديق فقد شملت المنحوتات عملاً يطرح العلاقة بين الدين والقوة في الحياة للفنان عبدولاي كوناتي (مالي)، الذي يطرح العلاقة الجدلية والفلسفية بين ما يظهره الإنسان وما يخفيه.

الأكثر مشاركة