برامج المواهب.. الـسخرية أكثر من الغناء
لطالما ارتبط الفن بالجمال والرقي والقيم والجميلة، لكن يبدو ان الوقت الحالي يميل لفرض قيم أخرى على الفن وأهله، قيم المكسب والخسارة أو قيم السوق والتجارة، التي يمكن ان يتحول معها الفنان من رمز وقدوة يقتدي بها معجبوه إلى مصدر لتجريح الناس والاستهزاء بهم. وهي القيم نفسها التي يمكن ان تتحول معها برامج من المفروض انها أعدت لإسعاد الجمهور، وفي الوقت نفسه احتضان المواهب الشابة وتطعيم الساحة الغنائية بأصوات متميزة، إلى وسيلة للسخرية من الآخرين والمتاجرة بأحلامهم وآلامهم، لا لشيء سوى كسب المزيد من الجماهيرية، ورفع نسب المشاهدة. ولعل برنامج «آراب ايدول» من أكثر برامج المواهب التي صاحبها جدل كبير في موسمه الأول، وكان لاسلوب تعامل لجنة التحكيم مع المتسابقين، وحتى بينهم وبين بعضهم، نصيب كبير من هذا الجدل. وفي الموسم الجديد؛ يبدو ان البرنامج لن يتنازل عن حالة الجدل التي يصنعها بين جمهوره وعبر وسائل الاعلام المختلفة، وحيث فوجئ الجميع بخبر ينتشر في كل وسائل الاعلام، وشبكات التواصل الاجتماعي عن انتحار المتسابقة العراقية رغد التي عرفت باسم «مجنونة هيفاء وهبي»، بعد ان رفضتها لجنة تحكيم البرنامج بالإجماع في مقابلتها مع اللجنة، والتي انتهت بموجة من الضحك والتعليقات الساخرة من قبل أعضاء اللجنة، وما تبع ذلك من موجة من السخرية من الفتاة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث اطلق على موقع تويتر «هاشتاج» بعنوان «عادي»، وهي الكلمة التي اشتهرت بها رغد. ورغم تكذيب شائعة انتحار «مجنونة هيفاء»، خلال يومين على الاكثر، حيث أكدت رغد بنفسها «انها ليست مجنونة كي تتأثر بتعليقات الناس وتنتحر»، وانها بخير وسعيدة بما قدمته وليست نادمة على هذه التجربة، إلا ان السرعة الرهيبة التي انتشر بها الخبر والاهتمام الكبير الذي تلقفته به وسائل الاعلام كان غريباً ولافتاً، وبدليل ان فيديو رغد أمام لجنة التحكيم حقق أعلى نسبة مشاهدة على القناة الرسمية للبرنامج على موقع «يوتيوب»، فتخطى المليون مشاهد خلال يومين فقط ليصل الى مليوني مشاهد بعد ما يقرب من أربعة أيام، يدلان على الجماهيرية الكبيرة التي تتمتع بها برامج المواهب لدى فئة الشباب والمراهقين، وتأثيرها الكبير فيهم، وكذلك تأثير أعضاء لجنة التحكيم واسلوبهم في التعامل مع المتسابقين، وهو ما قد يتطلب مراجعة لجنة البرنامج، وغيره من البرامج المشابهة، لاسلوب التعامل مع المرشحين، فكل شخص يرى في نفسه الموهبة، ومن حقه ان يسعى لتحقيقها، قد يكون مخطئا في تقدير حجم موهبته واهميته، وهنا وجب لفت نظره إلى ذلك، ولكن في اطار من الاحترام المتبادل، وباسلوب مهني راقٍ، دون ان يتحول المتسابق إلى اضحوكة أمام ملايين المتابعين في مختلف دول العالم، فمثل هذه التصرفات تمس مكانة الفنان لدى جمهوره بالدرجة نفسها التي تمس بها المتسابق وربما أكثر. كما يدل الانتشار الكبير للخبر، وأسلوب صياغته إلى انه لم يطلق عبثاً، ولكنه يأتي نوعاً من الدعاية والاثارة، سواء للبرنامج أو للمتسابقة نفسها، أو كلاهما.
الطريف ان هوجة انتحار «مجنونة هيفاء» لما تكد تنتهي حتى ظهر متسابق آخر مثير للجدل هو المغربي شفيق نيبو الذي شن هجوماً حاداً على الفنانة المصرية شيرين عبدالوهاب، مؤكداً انها ليست نجمة، وانها كانت تعمل في فرقته الموسيقية كـ«كورال»، وانها قامت مع المنتج نصر محروس بمحاربته ومنعه من الانطلاق فنياً في العالم العربي، وهو ما أثار دهشة أعضاء لجنة التحكيم التي لم تنجُ هي ايضاً من هجومه، فاتهم نيبو احلام وحسن الشافعي بانهما رفضا صوته لانحيازهما لشيرين، مؤكداً انه ليس في حاجة الى البرنامج او إجازة لجنة التحكيم له، لانه يثق بنجوميته، وهو ما يثير علامة استفهام حول سبب اهتمامه بالمشاركة في تجارب الأداء في البرنامج إذا كان لا يحتاج إليه.
قصص إنسانية
شهدت الحلقات الماضية من برنامج «آراب أيدول» تركيزاً على القصص الانسانية لبعض المشاركين، بدت في بعض الاحيان تلقائية ومقبولة، كما في قصة المتسابق الذي يحلم بالمشاركة في البرنامج والنجاح، حتى يحقق حلم والدته التي لا تسمع وتتعامل معه بلغة الاشارة، واستطاع بالفعل ان يتأهل للمشاركة في المراحل التالية، كما قام حسن الشافعي بكتابة نعم على ورقة حتى تتمكن الأم من قراءتها. لكن في المقابل بدا التركيز على هذه القصص الانسانية مفتعلاً وغير مقبول، كما في المتسابق اللبناني الذي راح راغب علامة يسأله عن حالته وعمله، وما الذي يريد تحقيقه لنفسه واهله من المشاركة في البرنامج، وخلال حديثه اجتهد المشارك في التعبير عن تأثره حتى سقطت دموعه، وسيلةً للتأثير في لجنة التحكيم والمشاهدين، ورغم كل ذلك رفض علامة منحه بطاقة التأهل للمشاركة في المراحل التالية، وهو ما أثار دهشة واستغراب بقية اعضاء اللجنة، فاذا كان المتسابق لا يمتلك من الصوت والموهبة ما يؤهله للاستمرار، ما الداعي للاستفسار عن ظروفه ومشكلاته العائلية.