منحوتات القره غولي.. شخــــــــوص تحلّق عالياً
تتميز منحوتات الفنان العراقي، إياد القره غولي، بارتفاعاتها العالية، حيث تبدو شخوصه كأنها تحلق بعيداً في السماء. وأبرز ما يميز هذه المنحوتات التي ترتفع أمتاراً هو التوازن الدقيق تقنياً. وتحتل المرأة مكانة مهمة في منحوتات القره غولي الذي يبرز أنوثتها من جهة، ورقي العلاقة التي تجمعها بالرجل والمجتمع من جهة أخرى. وقد عرضت مجموعة من أعمال القره غولي في الساحات العامة في أستراليا، هذا البلد الذي تبلورت تجربة القره غولي فيه، فتأثرت بالتوجه الغربي لجهة القضايا التي يطرحها، مع حفاظه على الملامح الشرقية في الثيمة التي تحملها الأعمال.
القره غولي تحدث في حوار لـ«الإمارات اليوم»، أثناء زيارته دبي، أخيراً، عن رحلته الفنية، وقال: «كان انتقالي الى أستراليا انتقالاً للعالمية، فقد درست الفن في أستراليا، علماً اني كنت قد انهيت دراستي في العراق، وقد واجهت انتقاداً من الفنانين الزملاء الذين رأوا أنه لا داعي لدراسة الفن الاسترالي، إلا أنني أرى أن ما درسته أفادني كثيراً». وأضاف «الاختلافات بين الثقافة المحلية والغربية كثيرة، وقد استفدت كثيرا من هذه التجربة، كما أن الخط الفني الخاص بي قد اصبح اكثر غنىً، بعدما تعرفت الى طبيعة الفن الغربي». ولفت الى ان الفنانين العرب الذين تأثروا بالفن الغربي دون محاولة المزج بين الموروث والمكتسب لم يحققوا العالمية، وذلك لأن الثيمة الفنية الخاصة بأعمالهم غربية محض. ورأى صاحب المنحوتات التي وضعت في ساحات أستراليا، أن الموضوعات التي يعالجها في فنه تنطلق من القضايا الاجتماعية، وتبين احترام الانسان للآخر واحترام المرأة في المجتمع، وذلك بهدف توضيح ماهية المجتمع العربي.
مشاعر حميمة
منحوتات للساحات يؤمن النحات العراقي إياد القره غولي بأن النحت يجب أن يوضع في الساحات العامة، وأكد أن النحت مكانه حساس، ويجب أن يوضع في مكان خاص كي يرى، بخلاف اللوحة التي توضع على جدار. واعتبر ان اقتناء النحت صعب جداً، لكون المرء يفكر في المكان الذي سيضعه فيه، لكنه في الوقت عينه صعب المنال، لأن الأعمال النحتية ليست متوافرة بكثرة الأعمال اللونية. وقدم مجموعة من المنحوتات الضخمة التي عرضت في الساحات العامة في أستراليا، ومنها التي حملت عنوان «نحت من صنع الشاطئ»، الى جانب منحوتته الاخيرة «حبيبي»، ومعظمها موجودة في مدينة بيرث في غرب أستراليا. |
الفنان العراقي أكد أنه منذ وصوله الى أستراليا أثارته المشاعر الانسانية الحميمة، وكيف يتم التعبير عنها بين البشر بطريقة متحضرة وجميلة، ولذلك عمد الى تجسيد هذا الشعور الانساني في الفن. ولفت الى ان البلدان الغريبة التي زارها وهي بلدان مملوءة بالثقافة والفنانين قد دفعته الى تقديم ما يحمل الكثير من التحديات، لاسيما لجهة التوازن المحكم الذي يوجده الى جانب ارادته ان يجعل الاعمال ضخمة وعالية، وذلك كي يجعل المتلقي يرفع رأسه للأعلى كي يراه كاملاً. ورد القره غولي هذا النوع من الأعمال الى طبيعة الحياة التي عاشها والقلق والسفر، مبيناً أنه يحب السفر والمطارات، لأنه يعتقد أن هذا المكان هو أكثر الأماكن سلاماً في العالم.
أما الأعمال الحديثة التي يحضرها القره غولي فتتحدث عن تاريخ استراليا، وتعتبر توثيقية، ولفت الى ان هذا العمل سينشئ علاقة مهمة مع المتلقي، لاسيما انه سيوضع في الساحة العامة، معتبراً العمل الذي يفرحه هو العمل الذي يوضع في الساحات العامة وليس في المنزل، وذلك لأنه يتوجه لكل الناس، وبالتالي هو فرصة للدفاع عن الثقافة العربية. ورأى الفنان العراقي أن التبادل الثقافي بين الشعوب مهم، وهو ما يسعى الى القيام به مع العديد من الفنانين، وكانت البداية في الاردن، منوها بأن أعماله هي رد فعل على الرؤية التي تطرح في الغرب حول المجتمع العربي، ولهذا عنته المشاعر الانسانية ودافع عنها في أعماله. ورأى أن الفنان يجب أن يغير في المجتمع، وان وجهة النظر التقليدية التي طالت النحت لابد من تغييرها، لانه لابد من ترك أثر من خلال الأعمال لتقرأه الأجيال المقبلة التي لن تتعرف الى التاريخ الا من خلال الفن. واعتبر القره غولي ان التشخيص مهم في الأعمال الفنية، لأنه ينطلق من الطبيعة التي ترتبط بالانسان، مؤكداً ان الطبيعة تلغى إن غاب الانسان، وان المرأة بالنسبة له أجمل كائن في الحياة.
تجريد وتشخيص
لفت القره غولي الى أن الشرق الأوسط يركز على الفن التجريدي، بينما في الغرب تتوجه الغاليريهات المهمة للترويج للأساليب الفنية التي تحمل قصة وحكاية، بينما تتوجه الحكومات للترويج للتجريدي في الغرب. وشدد على ان المقتني حين يقرر اقتناء اي عمل سيبحث عن مفهوم هذه القطعة ومعناها، لذا لابد من وجود ثيمة واضحة في العمل الفني كي يتشجع الناس على الشراء والاقتناء. واعتبر القره غولي ان المشاعر العاطفية التي تتعلق بالانسان لا يمكن ان تلغى من الحياة، ولهذا فإن هذه الاعمال هي التي تبقى للتاريخ. اما النحت فاعتبره من الفنون المعمرة على مر التاريخ، لاسيما انه كانت له تجربة سابقة مع اللون بدأت في العراق. أما اعتماده على البرونز في النحت وهو المادة التقليدية، رده القره غولي الى نظرته للفن على المدى البعيد، كما انه لا ينظر الى العمل الذي ينجز بطريقة سهلة، فهو يبحث عن التحدي والتعقيد، مشيراً الى ان البرونز مادة تاريخية مهمة ترتفع قيمتها في التاريخ. ونوه بأنه يبحث عن تواصل الشرق الأوسط مع العالم الغربي، لذا اعتبر دبي مقراً مميزا للتبادل الثقافي، مشيراً الى التجارب التي جمعته مع فنانين من اليابان واستراليا، ومؤكداً الحرص على استكمال وتطوير المشروع في استراليا، حيث سيجمع نحاتين من دبي والعراق والاردن وجنوب كوريا واليابان واستراليا. وشدد على ان الفن العربي يحمل الكثير من السحر، وذلك بسبب الطبيعة العربية وحياتنا العربية وكذلك ثقافتنا، وبالتالي يجدونه في الغرب مميزاً.