منى عراقي غامرت بحياتها في تجربة صحافية خطرة. الإمارات اليوم

«مصنع البلطجة»..تسجيلي يكشف أسرار عشوائيات القاهرة

عرض نادي مقهى ريش السينمائي في القاهرة، نهاية الأسبوع الماضي، ولأول مرة، الفيلم التسجيلي «مصنع البلطجة» للمخرجة والصحافية منى عراقي، الذي يتعرض عبر مادة فيلمية حقيقية ومباشرة لمشكلة البلطجة في مصر، تقتحم فيها الكاميرا في مغامرة خطرة عالم مجرمي العشوائيات وأوكارهم وبيوتهم وأفراحهم، ويضم تشكيلات من نساء ورجال وأطفال بعضهم تماهى مع عالم الإجرام حتى اصبح حياته بالكامل، وآخر يتلمس مخرجاً او نقطة ضوء بلا أمل.

فاجأت منى عراقي، جمهورها في عرضها الاول الذي تصادف ان يكون من النخبة الثقافية المخملية من رواد مقهى ريش، بقاهرة اخرى مغايرة لتلك التي يعرفونها، ليلتقوا بـ(فطوطة) و(وحيد برشامة) و (عماد)، حيث يعمل احدهم موزع حشيش وبانجو، والثاني حبوب مخدرة، والثالث اقرب الى «ممارس عام للجريمة»، تلتقيه المخرجة في جلسات خاطفة ما بين رحلاته المكوكية من وإلى السجون والمعتقلات، بسبب جنح وجنايات قتل وسرقة وادمان وما شابه.

ويبرز الفيلم «حزام العشوائيات» المحيط بالقاهرة، الذي يتضمن ‬54 منطقة عشوائية خطرة، تضم ‬15 مليون شخص، كظرف هو المجرم الحقيقي في صناعة البلطجة، ويبدو طبيعياً ومنطقياً ومبرراً في عالم من هذا النوع ان نرى بنت البلد الجدعة والبسيطة التي لا تتردد في الزواج من المدمن ومحترف الاجرام (وحيد برشامة) ليحميها من عالم القهر والرذالات والاغتصاب المحيط بها، وأن ترى فيه فارس احلامها فتودعه كبطل استشهادي اثناء خروجه لسرقة موتوسيكل، أو نرى أم وحيد تتقبل بصدر رحب تصريح ابنها الصادم باستعداده لقتل أي انسان على وجه الأرض نظير ‬50 الف جنيه فقط، وتعترض فقط على المبلغ حيث تطالب بـ‬100 الف، أو حتى نرى محترفة الخناقات بالأجر، او المجرمة بالقطعة، (وداد) تعلن عدم ممانعتها للقيام بأي جريمة (عدا الدعارة التي هي وحدها العيب) بما في ذلك تشويه نساء او رجال «بمية النار» أو «حمض الكبرتيك»، وتبرر تصرفاتها بأنها «قد يكون في ذلك نصرة لمظلوم او حكمة إلهية لا تعرفها».

ويكشف «مصنع البلطجة» عن قراءة اخرى للعالم ذاته الذي يعيشه عموم المصريين، لكنه هناك وبعيدا في دهاليز احزمتهم العشوائية في اطراف امبابة او شبرا الخيمة او عزبة الهجانة. فأحداث ‬25 يناير التي يعتز عموم المصريين بمشاركاتهم هنا او هناك في يومياتها وتظاهراتها السلمية موجودة في الفيلم، لكن الافتخار هنا عند (وحيد برشامة) او الندم على عدم المشاركة من قبل (عماد)، متعلق بأحداث السرقة والسلب والنهب التي صاحبت الثورة وليس الثورة ذاتها، كما ان السقوط العظيم (والفرحة الكبرى) ليست بسبب سقوط نظام مبارك، وإنما لسقوط سجن الفيوم وكسر ابواب عنبر الجنائيين فيه، وهروب المساجين الى الشارع، في لقطات حقيقية اسطورية التقطت بموبايل على يد سجين، وخرج فيها بطل الفيلم عماد الهارب حتى اليوم من حكم بست سنوات.

عكس ما ابتدأ من التزام بزمن تتابعي اقترب به في لحظات من الفيلم الروائي، انتهى الفيلم بتداخل ازمنة بانورامي، في رسالة بأن الأزمة مستمرة، ومصنع البلطجة يواصل انتاجه الاجرامي ما بقيت العشوائيات على حالها، وما بقي التهميش لسكانها متواصلاً.

وتعقيباً على الفيلم قالت المخرجة منى عراقي، بعد انتهاء العرض إن «(مصنع البلطجة) استغرق منها سبعة اشهر بالكامل، عاشت فيها مع اللصوص والقتلة وتجار المخدرات ليل نهار، حتى اكتسبت ثقتهم عبر الصلة الانسانية مرة، والانفاق عليهم مرات، وحتى تمكنت في النهاية من تصوير ‬120 ساعة من المادة الحقيقية المباشرة لعوالمهم».

واعترفت عراقي بفضل الصحافة الاستقصائية عليها، وتأثيرها في نجاح الفيلم، وقالت إن «معظم ما ظهر في الفيلم ليس فقط واقعياً بل حقيقياً، اي اني اتيت بالأحداث ذاتها، وبالشخوص بلحمهم ودمهم متلبسين الى المشاهد، باستثناء بعض المواقف التي كان يمكن ان يعاقب عليها القانون ويعتبرها تواطؤا او مشاركة في الجريمة، مثل حادثة سرقة الموتوسيكل، التي تم الاكتفاء بأخذها مروية على لسان مرتكبها».

وروت عراقي أن «اندماجها في عالم (مصنع البلطجة) كاد يكلفها حياتها، حيث ارتد احد ابطال الفيلم (عماد) الى اصله الاجرامي، وهددها بسكين للاستيلاء على شنطتها، فأفلتت منه، وابلغت السلطات عنه».

في نهاية المداخلات التي تلت الفيلم، دعا الحقوقي امير سالم المخرجة الى التفكير في فيلم تسجيلي جديد، لمتابعة الظاهرة، وقال سالم ان «مصنع البلطجة» فتح افاقاً واسعة لعالم لا نرى منه سوى قمة جبل الجريمة، فهناك جوانب سياسية للكارثة من بينها «ان نظام مبارك استخدم ‬165 الف طفل شوارع لأغراض سياسية مباشرة أو غير مباشرة، ومازالت الكارثة في هذا النوع من الاستخدام مستمرة».

 

الأكثر مشاركة