«أسرانا».. تحمل عذابـــات السجناء إلى العالم

لم يتمكن أحد من اختراق السجون الاسرائيلية والمعتقلات التي توصف بأنها الأكثر قسوة وشراسة في التعامل مع المعتقلين الفلسطينيين، إذ إن ذكر تلك المعتقلات، بحد ذاته، يثير مخاوف الكثيرين، فكيف باختراق أسوار تلك السجون والتغلغل بين دهاليز تلك الزنزانات المعتمة.

هذا الأمر ما عاد بتلك الصعوبة بوجود أشخاص آمنوا بالقضية الفلسطينية، وعايشوا النكبات والمذابح والاعتقالات التي يواجهها الشعب على أيدي المحتل، حيث أنشأت الاعلامية الفلسطينية المقيمة في لندن، لينا أبوبكر، جريدة «أسرانا» الإلكترونية المتخصصة في قضايا الأسرى المعتقلين في السجون الاسرائيلية والمحررين من تلك المعتقلات، في خطوة منها للدفاع عن هذه القضايا، وإيصالها للرأي العام في العالم أجمع.

«من يصنع الجريدة هم الأسرى»، بهذه الجملة بدأت أبوبكر حديثها عن صحيفة «أسرانا» الالكترونية، التي صدر عددها الأول في يوم الأسير الفلسطيني في أبريل ‬2011، وقد تزامن مع أكبر اضراب في تاريخ الحركة الأسيرة شارك فيه نحو ‬1300 أسير فلسطيني، إذ بدأت الجريدة بالتعامل مع الأسرى المحررين من السجون والمعتقلات الاسرائيلية عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، وتحديداً «فيس بوك»، ومن خلال تلك القنوات اكتشفت أبوبكر أن هناك ابداعات وفنوناً أدبية وثقافية وفكرية بين هؤلاء الأسرى.

من هنا، أصبحت «أسرانا» منبراً للأسرى والمحررين، توثق ابداعاتهم وقضاياهم وقصصهم التي عبروا عنها بطرق متنوعة، فمنهم من صار يكتب ذاكرة السجون وكل ما يتعلق بتلك الزنازين والممارسات التي ترتكب في حقهم دون تفريق بين طفل أو شاب، رجل او امرأة، إذ من خلال تلك المعاناة تتفجر طاقات الابداع لديهم، ومنها الأدبية والفكرية والفنون المتنوعة.

اختراق أسوار

حول آلية اختراق تلك السجون والمعتقلات للوصول إلى الأسرى المبدعين داخل سجنهم، قالت أبوبكر: «مراعاة للدواعي الأمنية يصعب علينا الكشف عن مصادرنا التي من خلالها نتمكن من التواصل مع الأسرى، إذ يجب أن نفكر في مصلحتهم طالما هم قابعون في تلك السجون. الأهم من آلية الوصول هو ايصال تلك الابداعات وكشف حقائق المعتقلات ومعاناة الأسرى ،والتذكير الدائم من خلال هذه الجريدة بكل أسير فلسطيني عبر طرح قضيته ومعاناته».

وتتابع «من خلال الجريدة نقوم بتحويل قضية الأسرى والمعتقلين إلى قضية ابداعية ثقافية ليس فقط سياسية، طالما أن هناك غياباً للمعيار الاخلاقي في تلك السجون التي تكتظ بالأطفال الصغار والنساء، وحتى الرجال الكهول، إضافة إلى الشباب الذي هم ينتمون إلى فئة المتعلمين والدارسين، إذ إننا نتعامل مع نخبة من المبدعين، كل في مجال اختصاصه».

وأوضحت أبوبكر أن «الجريدة تقسم إلى عدد من الابواب الثقافية والأدبية والسياسية، إضافة إلى الأعمدة الثابتة والمتغيرة، ولدينا محررون دائمون يعملون في الصحيفة التي تصدر من لندن، ناهيك عن المواد والأعمال الابداعية المقدمة من الأسرى المحررين، والمعتقلين حالياً في السجون الاسرائيلية، من بينهم نساء وشباب وأطفال، إذ هناك أبواب اجتماعية تتحدث عن معاناة الأسرى والمرأة والطفل، وذاكرة القضبان، ويوم الاعتقال، وفلسفة استمرار الحياة خلف القضبان».

لافتة إلى ان «الكثير من الاسرى المحررين انضموا إلينا للإسهام في نشر ذكرياتهم داخل السجن، وكشف الكثير من الحقائق والممارسات التي يتعرض لها زملاؤهم في الحبس، كذلك هناك أسرى قابعون حالياً في عدد محدد من السجون وليس معتقلاً واحداً، يتواصلون معنا بشكل دائم وبطرق خفية، إذ إنهم قادرون على مواجهة التحدي القمعي داخل تلك السجون، والتعبير عن كل ما يحصل فيها من انتهاكات وممارسات لا أخلاقية وغير إنسانية».

وفي عددها الثالث نشرت جريدة «أسرانا» موضوعات تتزامن مع احتفالات العالم بيوم الأم، حيث خصصت الجريدة صفحة اجتماعية للاحتفال بالأم الأسيرة وصمودها ودعمها لابنها الأسير، وعرضت نماذج عن نضال الأم التي تعيش حالة الأسر مع ابنها في كل لحظة، وتعاني مرارة الحرمان والحنين، والعديد من الموضوعات والقضايا، منها التحقيقات الصحافية مع الأسرى داخل وخارج السجون، وقضايا شؤون أبناء الأسرى الذين يتجرعون الحرمان والفقر، كما تعرض حالياً الصحيفة مجموعة من الشهادات التي يرويها أسرى أحرار، من بينهم الأسيرة قاهرة السعدي التي كانت خائفة على أولادها في يوم اعتقالها، كذلك الأسير واصف أبوبكر الذي أصرّ على اعتقاله، رغم أن الضابط طلب منه أن يعود إلى البيت.

مفكرة سجون

يضم هذا الباب من الصحيفة الكثير من الموضوعات التي تكشف الممارسات غير الانسانية التي ترتكب بحق المعتقلين والأسرى، منها التصفية الجسدية للأسرى في مستشفى الرملة. ويكشف التقرير ظروف الاعتقال المزرية في سجن الرملة، الذي ترفض إدارته السماح للأطباء من خارج السجن الدخول إلى المستشفى ومعاينة المرضى، كما أن العلاج المقدم هو عبارة عن مسكنات أكثر من كونها علاجات شافية، كما أنّ الكشف الطبي غالباً ما يكون روتينياً، كما يعاني المعتقلون سوء معاملة الأطباء والممرضين.

أما عن سجن المسكوبية فهو يعد مسلخ الاعتقال والتحقيق، بحسب تقرير الصحيفة، إذ إن المعتقلين يقادون إلى السجن الذي يقع في مدينة القدس ضمن ما يسمى المعسكر الروحي أو ساحة الروس، والذي أقيم في عهد سلطات الانتداب البريطاني، وكان يعرف بالسجن المركزي، هذا السجن مخصص للتوقيف والاعتقال، ويطلق عليه اسم «المسلخ»، إذ صممت الزنزانات بطول متر ونصف المتر، وعرض ‬80 سنتيمتراً وارتفاع أربعة أمتار، والضوء الكهربائي ساطع طوال اليوم، كما أن هناك غرفاً أخرى للتعذيب والتوقيف الإداري وغرفة معدّة لإجراء الفحوص الطبية، إضافة إلى الغرف التي تستعمل منامة للمعتقلين.

الأكثر مشاركة