أهازيج الأمهات تساعد الأطفال على الخلود إلى النوم
«المهاواة».. أغاني المهد تسكن الذاكرة
منذ القدم، استعانت الأم بالغناء والأهازيج، ودندنة القصص المشوقة، لتهدهد طفلها في المهد، وتهيئه لنوم عميق، ولتكسبه أيضاً، بعفوية، مهارات حياتية يحتاج اليها في مستقبله، كما استخدمت الأغاني والترنيمات عندما يصاب الطفل بمرض أو صعوبات، لتحويل تركيزه عن الألم والتعب من خلال الأهازيج الخفيفة والشعر المغنى.
وفرضت العادات والتقاليد القديمة على الأم الإماراتية أن يقتصر دورها على الأعمال المنزلية فقط، ومنها تربية الأطفال، من هنا ظهر ما يعرف بـ«المهاواة»، بحسب الباحثة في مجال التراث والإعلامية حليمة الملا، التي عرفت المهاواة بأنها «همسة حانية كانت تجود بها الأمهات قديماً مع الرضع تحديداً، ليخلدوا إلى النوم، إذ كانت الأم تعطي أهمية بالغة في الحفاظ على هدوء الرضع ليتمكنوا من النوم بهدوء تام حتى تقوم هي بالأعمال المنزلية الملقاة على عاتقها».
تنوع تتنوع أغاني المهد التي تشدو بها الأمهات في الدول المختلفة، ففي مصر مثلاً يغنين «نينا نام، نينا نام.. وادبح لك جوز حمام»، وفي تونس «ننى ننى جاك نعاس.. أمك فضة أبوك نحاس.. ننى ننى جاك النوم يا خدين بو قرعون»، وفي السودان «النوم النوم، سكت الجمال النوم تعال، بعطيك الدوم (الدوم نوع من الثمر)»، وفي لبنان «هي هي وهللا، سمن وعسل بالجرة.. منكل نحنا ولبوبو، ومنشحط خيوا لبرا». وفي ألمانيا «نم يا طفلي نم.. أبوك يرعى الغنم.. وأمك تهز شجرة الحلم.. وتتساقط منها الأحلام». |
«هوا تنام»
وأضافت حليمة لـ«الإمارات اليوم» أن «هوا أو هو» تعني كلمة «نم أو نام»، وهذا اللون الغنائي هو أول لون للغناء البدائي والتقليدي لمعظم أغاني «الهدهدة»، التي اقتصرت على الأم التي تمارسها بشكل يومي مع انشغال الأب بأعماله، وتبدأ أغنيات الهدهدة في مطلعها بـ«هوه هوا هووا».
وذكرت الباحثة أن «أحد أكثر النصوص شيوعاً في الإمارات، هو (هوا هوا يالهادي محمد ساكن الوادي، هوا هوا يا سنادي لا ماي ولا زادي)، فمن منا لا يسكن ذاكرته النوم في أحضان أمه، وما كانت تدندن له حتى يغط في نوم عميق في هدوء وسلام نابع من صوتها الحنون، وقلبها الفائض بالحب الكبير، ومن بين الأغاني (هوا هوا يا وليدي، هوا هوا يا كبيدي، أمي أمي في البستان، تقطع خوخ ورمان)».
وأشارت حليمة الى أن «جميع الأمهات في قارات العالم المختلفة استخدمن (المهاواة) لينام أطفالهن، إذ تختلف اللهجات وتبقى المهاواة واحدة، فالغناء للأطفال عند الشعوب هو الترنم بالكلمات الموزونة التي تصحب عادة مداعبة الطفل وملاعبته، وهز المهد ليتمكن من النوم، وتعد المهاواة جزءاً من الغناء الفلكلوري العام مجهول المنشأ، الذي تردد بين ألسنة عامة الناس في الأزمنة الماضية».
تاريخ
رأت حليمة الملا أن «معظم أغنيات المهاواة تعبر عن الحالة النفسية للأم، والوضع الاجتماعي والعائلي الذي تعيشه في تلك اللحظة التي تلجأ فيها إلى الترنم بالأغنيات، إذ تحمل بعض الأغاني معاني الألم والحزن الذي تعيشه الأم جراء الصعاب التي تواجهها في الحياة، كما تحمل أخرى شكوى على الزوج والحماة، وتارة تشكو الزمن الجائر الذي لم ينصفها، وربما تتذكر الأب الذي طال غيابه».
وأضافت أن «تاريخنا الإسلامي حافل بهذا اللون من الأغاني، ومن ذلك قول الشيماء أخت النبي محمد صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، عندما كانت تغنى له في طفولته وتلاعبه (هذا أخ لم تلده أمي، وليس من نسل أبي وعمي، فأنمه الله فيما تمنى)، كذلك أعرابية ترقص ولدها قائلة له (يا حبذا ريح الولد، ريح الخزامى في البلد، أهكذا كل ولد، أم لم يلد قبلي أحد)، أما السيدة فاطمة الزهراء فكانت تهدهد الحسين بن علي، قائله (أنت شبيه بأبي لست شبيها بعلي)». ولفتت الباحثة في التراث الى أن الأم تحاول قدر الإمكان ان تجعل من النوم فعلاً مفرحاً، إذ حينما يأتي وقت النوم تلاعب الطفل وتقبله، وتهمس في أذنه كلمات وعبارات تتخللها أسماء الله الحسنى، وكلمات الحمد والتسبيح والتكبير والتهليل، وجملا جميلة المعنى، وأخرى لا مغزى لها إلا ان تردديها على مسامع الطفل يجعله مطمئناً في مهده وينام بهدوء، خصوصاً أن الغناء للطفل وتحريكه بلطف يجعله مسترخياً وبعيداً عن المخاوف والاضطرابات النفسية والكوابيس التي قد تلاحق الطفل.
تسميات مختلفة
سميت أغاني المهد بأسماء عدة، تتناسب مع المجتمعات كافة ولغاتها، فهي تحمل تسميات متنوعة منها المهاواة، والهدهدة، وأغاني المهد، كذلك الترويدة، والتهويدة، والتهليلة، وجميعها تحمل في مضامينها تدليل الطفل وهدهدته حتى ينام، بكلمات عذبة وصوت ناعم، وهز خفيف، فتحمل تلك الكلمات أحاسيس الأم التي تعالجها بأفكارها ومعتقداتها الدينية وربما عاداتها أو حتى الخراريف التي تعلقت بها.
وقسم الباحثون الغناء للأطفال في هذه المرحلة إلى قسمين هما أغاني المهد، وهو ما يتصل بتنويم الطفل، أما القسم الثاني فيعرف بأغاني الترقيص وهو ما يتصل بالملاعبة والمداعبة والتدليل، إذ تتشابه أغاني المهد والترقيص عند معظم شعوب العالم سواء الدول العربية، أو حتى افريقيا، وأوروبا، إذ إن المتتبع لتلك الأغنيات يجدها متشابهة في موضوعاتها كثيراً، مهما اختلفت اللغة ولكنها تصب كلماتها واحاسيسها في غاية واحدة.
وبحسب حليمة الملا، فإن «معظم أغاني المهاواة تنادي الطفل بأمور مختلفة، منها رجاء الطفل بالنوم نوماً هنيئاً بحراسة الله والملائكة والرسل، وفي الأديان الأخرى جميع القديسين، وإعطاء الوعد بالمكافأة والهدايا للطفل الذي ينام في الوقت المحدد، إضافة إلى إشعار الطفل بالخوف إذا لم ينم، وابداء الإعجاب بالطفل، وتعديد صفاته، وبث الحب والحنان إلى قلبه، والتنبؤ بمستقبل زاهر للطفل».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news