«زفرة السوري الأخيرة».. مسرحية تمجد الحرية
بشيء من الرهافة يرصد الكاتب السوري الفارس الذهبي منحنى الثورات العسكرية ومصائر «الثوار»، الذين يحولون بلادهم إلى سجن كبير ويصبحون بدعوى الحفاظ على الثورة جلادين، يحترفون القمع والقتل حتى لو ضحوا بالشعب نفسه. وتعالج مسرحيته «زفرة السوري الأخيرة» العلاقة بين جيلين أحدهما يمثله جنرال عراقي مهزوم يهرب إلى سورية عقب احتلال العراق عام 2003، وجيل شاب يؤمن بحريته وينتزعها، ويرى أن انهيار نظام الدكتاتور يبدأ قبل وصول الغزاة حين يتحول الشعب، الذي قامت الثورة من أجله، إلى جرذان وخونة وعملاء وجواسيس وبأحسن الأحوال هم مجرد قطيع لا يستحق إلا الإهانة.
وجيل الحرية يمثله الأخوان الجامعيان «كمال» و«ريما» التي ترفض الاحتلال الأجنبي بالطبع، لكنها تؤمن بكرامة الشعب وأنه «لا يوجد شيء في هذا العالم يبرر لأحد أن يدوس أحدا من أجل قضية»، وأن الإنسان الذي يفقد كرامته أو يعذبه الجلادون حتى يفقد إحساسه بإنسانيته لا يصلح للدفاع عن قضية ولو كانت عادلة.
والعمل الذي صمم غلافه حاتم سليمان، وصدر في القاهرة عن «الكتب خان للنشر والتوزيع»، يضم نصا مسرحيا آخر عنوانه «صهيل الحصان العالي»، وهو مونودراما عن السياق التاريخي والنفسي الذي يجعل المواطن العادي جلادا. وهذا النص مهدى إلى المخرجين النشطين السوريين باسل شحادة وأحمد الأصم، اللذين قتلا في مايو 2012 بقصف مدينة حمص، أثناء تغطيتهما للانتفاضة السورية، التي اندلعت قبل 27 شهرا، بهدف إسقاط حكم الرئيس السوري بشار الأسد. وتبدأ مسرحية «زفرة السوري الأخيرة» بهروب الجنرال سعدون البغدادي بعد الاحتلال الأميركي للعراق ولجوئه إلى أسرة صديقه الراحل «أبوكمال»، في دمشق، ويجد ترحيبا من أرملة صديقه ومن ابنه كمال باعتباره بطلا. أما ريما شقيقة كمال فلا تبدي ارتياحا له، إذ تلاحظ فضوله وممارسته التلصص عليهم، كما يحاول فرض آرائه القمعية على أفراد الأسرة.
وفي البداية، يقول الجنرال إن «الرئيس والقادة يقودون الحرب المقدسة ضد الصليبيين الجدد»، ويسحرهم بكلام معسول عن استمرار المقاومة الشعبية لقوات الاحتلال الأميركي بعد تدمير الجيش الذي «انهار في لحظات، جيش كان يصنف الخامس عالميا، عشرات السنين في التجييش العقائدي، انهار في لحظات لا أعلم لماذا ولا كيف»، ويروي لهم أن مجلس قيادة الثورة بقيادة صدام حسين، كان يهدف منذ الوصول للسلطة إلى «رفع الظلم عن الناس»، لكن الجيل الذي يؤمن بالحرية سيفسر للجنرال الهارب لماذا انهار جيش بلاده. فعلى عكس كمال، الذي يعتبر الجنرال ضحية لا تتردد ريما في التنبيه إلى خطورة إيواء مجرم «سفاح، طريد العدالة»، وتتحداه أن يعود لينضم إلى مقاومة الاحتلال، ولكن الجنرال غارق في ذكرياته عن إسقاط «النظام السابق الفاسد» قبل عشرات السنين، وكيف أن صدام «ارتأى أن القفزة الديمقراطية لم تنضج بعد»، وبين الحرية والقمع مسافة لا يتجازها وعي الجنرال الذي ينهار حين يطلعه، كمال على قرص مدمج يسجل وحشيته.