إعلامية إماراتية ترى أن الإعلام مازال يعاني التغريب
عائشة العاجل: برامجنا مــعلّبة ولا تناسب أطفالنا
لاتزال قنواتنا التلفزيونية والإذاعية والمطبوعات المحلية تعاني التغريب، كونها تستخدم الكثير من البرامج المعلبة، إن صح التعبير، إذ بات من النادر أن نشاهد برنامجا متخصصاً محلياً بامتياز، لاسيما في وجود الانفتاح الهائل في عالم الاعلام.
ولعل برامج الطفل هي الأخرى تشكو من ذلك التغريب، بل اقتصر فيها المنتج الإعلامي الموجه للطفل على المجلات وبعض الإصدارات من كتب وقصص، وعلى مساحة ضيقة في برامج التلفزة من أفلام كرتون وبرامج مدبلجة أو مستوردة إن لم يكن في الفكرة والمضمون ففي القالب الذي يعاد تشكيله في محاولة تطويعه ليتوافق مع البيئة المحلية، إلا ان معظم المحاولات يشوبها الكثير من الشوائب.
وبحسب الإعلامية الإماراتية عائشة العاجل، التي قدمت دراسة حول تأثير الإعلام في الطفل في مهرجان الشارقة القرائي لكتاب الطفل، أخيراً، فإن «الإعلام والطفل ليسا مجرد تأثر وتأثير، وإنما تفاعل آني، لأن الإعلام باعتباره منظومة شاملة (مسموع ومقروء ومرئي وإلكتروني) يعمل على إحالة الصورة والزمان والمكان في متخيل الطفل».
ولفتت إلى أن «مضمون الرسالة الإعلامية هو الأهم، إذ غالباً لا تراعى في المضامين التشكلات الاجتماعية والأنساق المعرفية والجنس والعمر والموقع الاجتماعي، وهذا ما يجده الطفل في تعاطيه مع المواقع الإلكترونية والشبكات الاجتماعية والألعاب الإلكترونية لا يطلب منه تحديد العمر ولا الجنس ولا البلد، وفي حال طلب منه يستطيع أن يحتال على الواقع الافتراضي بهوية مختلقة، والتي يشكلها وفق ما يريد في ذاك الموقف».
طفل مميز
قوانين موجودة وإعلام غائب أكدت الإعلامية الإماراتية عائشة العاجل أن «هناك قوانين صدرت أخيراً في الدولة، تضمن حقوق الأطفال، منها مشروع قانون (وديمة) لحماية حقوق الطفل، كما أن هناك قوانين لوقاية الطفل من مخاطر التلوث البيئي ومكافحته، ودعم نظام الصحة المدرسية ليقوم بدوره في مجال الوقاية والإرشاد الصحي، كذلك مشروع القانون الذي يمنع بيع أو الشروع في بيع التبغ أو منتجاته للطفل دون الثامنة عشرة، وبيع أو الشروع ببيع الكحول، أو أية مواد أخرى تشكل خطورة على صحة الطفل، كما يمنح مشروع القانون، الطفل الحق في امتلاك المعرفة ووسائل الابتكار والإبداع».حيث في وجود هذا الكم من القوانين، ورغم معرفة الاعلام بمختلف وسائله التي تفاعلت وتسارعت لتغطية ملابسات الجرائم التي تقع في حق الأطفال، لم يتم إعداد برامج خاصة تخاطب الأطفال وذويهم في معالجة مثل هذه القضايا أو محاولة تجنبها، إذ ليس لدينا من البرامج الثقافية ما تعزز لدى الطفل حصانته ضد مثل هذه السلوكيات بحيث يستطيع أن يواجهها ويتعامل معها. |
لا يقتصر تعريف الأطفال على الجانب البيولوجي، لأن الطفل يملك أبعاداً اجتماعية وثقافية تختلف من فئة اجتماعية إلى أخرى، ومن ثقافة إلى أخرى، وفي الإمارات هناك استثناء لأن الطفل يختلط ويتعايش مع جمهور متنوع الثقافات والحضارات واللغات، وبالتالي هو يشكل مع أقرانه طفلاً هجين التوجه، وبالتالي يحتاج الى إعلام واعٍ لمخاطبته، لذلك يترتب على هذا التعريف تبايناً في النظرة إلى بنية برامج الأطفال في التلفزيون والإذاعة والصحف، ومحتوياتها، وفق التصور لاستعداداتهم العقلية وتطورهم العاطفي، وما هو مطلوب منهم اجتماعياً، حسب العاجل التي تابعت أن «وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمكتوبة وحتى الإلكترونية، أصبحت بما تحويه من مبتكرات حديثة مربياً آخر، وتأثيرها يفوق تأثير الأسرة، بل ويتجاوزه في أحيان كثيرة، خصوصاً أن الوقت الذي يقضيه الطفل في المشاهدة والمتابعة والتفاعل مع الإعلام بمختلف أشكاله أكبر بكثير من الأسرة والمدرسة ومؤسسات التنشئة الاجتماعية ممثلة في المسجد والملعب والنادي، لذلك من الضروري اعطاء أخلاقيات إعلام الطفل مزيداً من الاهتمام، باعتبارها حقاً من حقوق الطفل التي لا تقل عن حقه في التعليم والعلاج».
وأشارت إلى ان «طفل اليوم بات قادراً على التمييز والاختيار، لذلك يفترض أن نحرص على الانتقاء والفرز في ما نقدمه للطفل في بداية حياته، لينمي لديه القدرة على الانتقاء، وإدراك ما هو مقبول وغير مقبول وما يناسب بيئته وعالمه، وما يناسب تطلعه وامكانات تحقيق أحلامه، إذ إن أخلاقيات إعلام الطفل لا تعني فقط الفحص والتدقيق في ما يقدم للطفل، لكنها تعني العمل على انخراط الطفل في المادة المقدمة، وطريقة إشراكه وتفاعله معها، كأن يكون كاتباً ومعداً ومقدماً ومشاركاً في صناعة الرسالة».
هجوم منظم
العاجل استشهدت في حديثها بمعلومة مفادها أن «تحالفاً من منظمات أهلية ودينية وتعليمية أميركية، شنت هجوماً على السينما الأميركية، متهمين إياها أنها تروج لأفلام أطفال تحتوي على مشاهد وإيحاءات جنسية تضر بأطفالهم، كما أنها تعمل على ترويج إعلانات تعلم أولادهم ثقافة الجشع والتصرفات الاستهلاكية منذ الصغر».
وأوضحت «أننا في المقابل لم نسمع يوماً عن أي منظمة عربية قد شنت هجوماً أو اعترضت على برامج الأطفال على قنواتنا الفضائية التي تحمل أفكاراً وتروج لأمور غير أخلاقية تنزع البراءة، وتلعب على أوتار العفة والحياء، وتتطاول من أجل مزيد من الفحش والتعري ومزيد من الانحراف».
وأكدت العاجل على مبادئ التعامل إعلامياً مع الطفل، قائلة إن «الاتفاقات الدولية ركزت على مجموعة من المبادئ في التعامل إعلامياً مع الطفل، إذ قامت منظمة (اليونيسيف) بتطويرها لتساعد الإعلاميين على كيفية التعاطي مع شؤون الأطفال، رغم أن الأخلاقيات فعل إنساني يفترض أن يمارسه الإعلامي دون تحديد مسبق ودون إشارة، ولكن مع الانفتاح ومع هذا التنوع والاختلاف وجب ضبط العملية الإعلامية».
اتفاقات دولية
الإعلامية الإماراتية عائشة العاجل قالت إن الاتفاقات شددت على احترام كرامة الأطفال في جميع الأحوال، وحقهم في الخصوصية الشخصية والامتناع عن نشر أي قصة خبرية أو صورة تعرضه للخطر أو تنال منه، كذلك ركزت على استشارة أقرب الأشخاص للطفل حول ما يترتب على استخدامه إعلامياً، وما يترتب على ذلك من تبعات سياسية واجتماعية وثقافية، وحذرت من نشر ما يكرس التمييز بين الأطفال مثل العرق أو الدين أو خلفيات التعليمية أو القدرات البدنية، وحرمت استغلال براءة الطفل في تحقيق ما يريده الإعلام.
وأوضحت أن «إعلام الطفل له دور في تنمية الدافعية للأطفال إذا حمل النماذج الإيجابية، وحاول تعزيزها من خلال مضامين تشرف عليها كفاءات في مجالات الطفل المختلفة، مرتكزين على التنشئة الأولية والبيئة، وعلى نفسية الطفل ومراحل التطور والبناء لديه والفروقات الفردية، فعلى سبيل المثال لابد من الإشارة للنماذج الإيجابية في تعاطي الصحف كوسيلة إعلامية مع قضايا واهتمامات الأطفال، منها قصة الطفل الإماراتي أحمد علي المرزوقي، 13 عاماً، الذي نجح في اختراع نماذج لجرافة آلية ومروحة هوائية ومولد كهربائي، ليصبح أصغر مخترع إماراتي».
أما النموذج الآخر فهو الطفل أديب سليمان البلوشي، الذي توصل إلى تصميم لمكنسة آلية، ويقوم على استخدام بعض الأدوات البسيطة المتوافرة في المنزل، إذ يمكن استخدامها في تنظيف الأماكن الصغيرة والضيقة بالتحكم عن بعد، كما توصل إلى استخدام نوع خاص من الشمع في تجبير الكسور بدلاً من الجبس.
سلبيات وإيجابيات
الإعلام مثل أي وسيلة، لها سلبيات وايجابيات، إذ يمتاز الاعلام بتنمية الحس الجمالي لدى الأطفال، من خلال ما يمنح الطفل من إحساس باللون والشكل والإيقاع الصوتي الجميل، وتناسق الحركة وملاءمة أجزاء الصورة بعضها ببعض، كذلك تنمية الخيال بأنواعه مثل القصصي والدرامي، والخروج عن الواقع بشخصيات خيالية وأحداث لا يمكن أن تقع ما يعطي الطفل القدرة على تشكيل رؤى بعيدة المدى، إضافة إلى تعزيز الشعور الديني وتنمية المشاعر وتنمية الشعور الوطني من خلال حث الطفل على حب الوطن والتضحية في سبيله، والاهتمام بالثروة اللفظية للطفل وفهم العربية الفصحى أكثر.
أما سلبيات الإعلام، حسب العاجل، فهي كثيرة منها نقل أخلاق ونمط حياة البيئات الأخرى إلى مجتمعنا، وهذا النقل العشوائي غير المدروس في غرس قيم جديدة وتقاليد غريبة، أدى إلى احداث تصادم بين القديم والحديث، وزعزعة نسق القيم في عقول الأطفال من خلال المفاهيم الأجنبية التي يشاهدها الطفل العربي، ممثلة في مشاهدة العنف في الأفلام، التي تنعكس بدورها على سلوك الأطفال.
كذلك هنا أضرار تربوية، مثل السهر وعدم النوم والجلوس طويلاً أمام وسائل الإعلام دون الشعور بالوقت وأهميته، ما يترك أثراً في التحصيل الدراسي وأداء الواجبات المدرسية، فضلاً عن أضرار صحية، خصوصاً أن الجلوس طويلاً أمام وسائل إعلام الطفل يسبب العديد من الأضرار الجسمية والعقلية كالخمول والكسل، والتأثير في النظر والأعصاب، وعلاقة ذلك بالصرع والسلبية في التعاطي مع المحيط والاستجابة للمؤثرات الخارجية، أما الأضرار النفسية فمنها إثارة الفزع والشعور بالخوف عند الأطفال عبر شخصية البطل والمواقف التي تتهدده بالخطر والظلمة والعواصف والأشباح، خصوصاً إذا كان الطفل صغيراً.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news