«في وجه الحائط».. 14 عملاً للبيك يعرضها «غاليري أيام» بدبي
جدران سورية محمّلة بالــرصاص
ليست المرة الأولى التي يرصد فيها الفنان السوري عبدالكريم مجدل البيك الجدران، فقد سبق وقدمها من خلال لوحاته في معرض سابق، معبراً من خلال ألوانه عن ثقافة شعب، وربما تاريخ وطن وأمة من خلال الأثر الذي يخلفه الناس ولا يمكن أن يمحوه الوقت. الجدران التي يرصدها البيك قد تحمل مواقف او أنها أحيانا تبدو كأنها تاريخ ورواية، لكنه في معرضه الذي افتتح أخيراً في غاليري أيام تحت عنوان «في وجه الحائط 2» منح جدرانه رواية تنبثق من الأحداث التي تعيشها سورية اليوم. يروي البيك في معرضه الكثير عن العنف، الدمار، غياب الانسانية، الألم، الجراح وحتى الموت.
في سطور ولد الفنان السوري عبدالكريم مجدل البيك في قرية قريبة من الحسكة في سورية عام 1973. انهى دراسته للفنون في جامعة دمشق، ونال شهادة تكريم في عام 2001. شارك منذ بدء مسيرته الفنية في العديد من المعارض الجماعية، وأقام مجموعة من المعارض الفردية في صالات عرض للفنون، وكذلك مؤسسات فنية في الشرق الأوسط. حاز مجموعة من الجوائز الفنية، منها المركز الثاني في جائزة بينالي اللاذقية، والمركز الثاني في مسابقة أيام للمواهب الشابة، الى جانب ذلك اقتنيت اعماله من قبل مجموعات عامة وخاصة في الشرق الأوسط وأوروبا. |
كولاج
بدل البيك في معرضه الذي يستمر حتى 27 يونيو الأدوات التي يعتمدها في تقديم الجدران، فبينما كان يعتمد على الألوان في أعماله السابقة، لاسيما الأسود والأبيض والرمادي، اتجه في هذا المعرض الى الطبقات في العمل الواحد، معتمدا على الأقمشة والمسدسات والملابس والسكاكين والعصي والرصاص، وغيرها من المواد التي تتحول رموزاً ترصد الفكرة. هذا التوجه في أعمال البيك بدأ عنده تأثراً بالأوضاع السياسية والأمنية في سورية، لذا أوجد كل أدوات الصراع ليعبر عن غضبه من الظروف الراهنة وما ألمّ بوطنه الذي بات هواؤه أسود بلون الحرائق التي تمزقه. الجدران التي يقدمها البيك وحدها تستطيع أن تبقى شاهدة على الماضي من خلال الأثر الذي لا يمكن أن يزول بسهولة. وعلى الرغم من اعتماد البيك في معرضه السابق على الاثر الذي يتركه الناس، يميل في هذا المعرض الى رصد أثر الاقتتال مع وجود أمنية بأن تمحى كل هذه الآثار التي لا تحمل سوى الدماء والجراح. اعتمد البيك على الكولاج في أعماله مستعيناً بالعديد من المواد التي دخلت اللوحات بشكل حسي وبارز، حيث وضع المسدسات والخناجر والرصاص والعصي، وقام بلصقها على الكانفاس الذي حمل خلفيات تفاوتت بين البيج والأسود والابيض. اما الفصل بين أدوات الصراع فبدى متعمداً من قبل البيك الذي لم يجمع ادوات الصراع في عمل واحد، فهو يتجه الى استخدام الرصاص في لوحة، ثم يقوم بلصق المسدسات بطريقة مقلوبة ومتواجهة بين الليل والنهار في أخرى، وبعدها يستخدم الخناجر على مساحة بيضاء وسط أجواء مثقلة بالسواد، لتبدو كأنها اكفان الموتى.
كل أدوات الصراع التي استخدمها البيك وضعها على الكانفاس، لتحمل رسالته التي يعبر من خلالها عن رفضه لكل أشكال القتل المتعدد الأدوات.
مدلولات
تحمل أعمال البيك بعض مدلولات الاحتجاج الواضحة، فالجدران التي تحمل الأسلحة بشكل بارز ومباشر، تبدو كأنها محملة ومثقلة بهموم الناس، فهناك الجزء المخفي منها، الذي يحمل شعاراتهم التي يكتبونها، وربما أوراق الجنائز التي تلصق عليها. هذا المعرض يعبر عن هواجس الناس ومخاوفهم، غضبهم وصرختهم.
وعلى الرغم من الأجواء السوداوية التي تحيط باللوحات، حيث لا نرى سوى القتل وآثاره يبقى هناك بريق من الأمل في الأعمال، ينبثق من بعض البياض الذي يزرعه في اللوحات. أما العناوين التي منحها البيك للوحاته فكانت مباشرة، ومنها الألم، المصيدة، التمزق، والمجزرة التي جمع فيها الملابس ووزعها على اللوحة ليصبغها بالأبيض. هذا الأبيض الذي لون به الملابس يبين القتل المجاني الذي يحول الملابس الى أموات، والناس أينما كانوا ذاهبين بملابسهم الرسمية أو الجينز يسقطون ويتحولون الى أرقام في عداد الموتى.مصيدة الفئران لها حكاية خاصة في أعمال البيك، فقد حولها الى وجوه بشرية في أعماله.
وقد استطاع من خلال المصيدة المفتوحة والمثبتة على الكانفاس بأشكال متراصفة أن يبين وجوه المحتجين في سورية، فقد تدلت من مصائد الفئران خيطان وأحجار كتب على كل حجر كلمة تعبر عن الثورة، منها الاستقرار، الوحدة، الأمان، وغيرها من التعابير التي تبرز التوحد بين جميع هذه الوجوه، على الرغم من التساقط الذي يحصل بين الأبناء تحت هذه الشعارات. وقد تبدو الأعمال جارحة لشدة قساوتها في التعبير، إلا أن البيك بهذا التوجه يعمل على رفع سقف القساوة في أعماله ليناسب حجم الجرح وحجم المأساة التي تعيشها سورية منذ بداية الحراك المطالب بالحرية. أما الأثر الذي يؤرق البيك في أعماله لم يتركه في هذه الأعمال، لذا نجده مركزاً على الدخان الأسود في اللوحات، كأنها حرائق الموت الجماعي التي تلتهم الجماعات وتبتلع الوطن، ولا تخلف وراءها سوى السواد. هذا الأثر حرص البيك على إظهاره في الليل والنهار، لذا نجد احد اعماله حمل عنوان «ليل ونهار»، قُسمت فيها أدوات الموت بالتساوي، فالموت لا يميز بين الظلمة او النور. وفي الختام لا يجول في خاطر المتلقي سوى سؤال عن نهاية ما غير مطروحة في الأعمال، وفيما إذا كانت هذه الأعمال ستؤرخ ما يحدث من خلال رصدها الاثر أو أنها مجرد تعبير عن مشاعر فنان لا يمكن أن ينفصل عن محيطه.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news