خزام يكشف اغتراب الإنسان في «الظل الأبيض»

قال الناقد الدكتور أيمن بكر، إن «الكاتب الإماراتي عادل خزام، قد تحرر من الشكل التقليدي للرواية في عمله الجديد (الظل الأبيض)، لأنه بالأساس كان يسعى إلى ممارسة حالة انعكاس على وعيه الشعري»، معتبراً أن الكاتب لم يكن في حاجة إلى وضع عنوان ثانوي على الغلاف «تجربة استنارة».

وأضاف بكر، خلال الأمسية التي نظمها اتحاد كتاب وأدباء الإمارات فرع أبوظبي، تحت عنوان «الوعي وأزمة الإنسان المعاصر»، مساء أول من أمس، وقدم فيها بكر قراءة نقدية في «الظل الأبيض»، أن «الرواية لم تكن بحاجة لأن تعلن عن نفسها بهذا الوضوح في العنوان، فقد كان يكفي القارئ العنوان الرئيس (الظل الأبيض) ليستشعر هو بنفسه عبر تجربة القراءة أن ما يتجلى أمامه هو (تجربة استنارة) تعكس اتجاه الأضواء البراقة للحضارة الحديثة باتجاه الداخل، ليتحول دور هذه الأضواء من التشويش إلى التنوير منبئة عن ميلاد القصيدة».

فكرة مباغتة

أشار الكاتب عادل خزام، إلى أنه لم يخطط لكتابة الرواية، ولكنها جاءت كفكرة مباغتة وقام بتنفيذها على الفور، لافتاً إلى أن القراءة التي قدمها الناقد الدكتور أيمن بكر، أنارت له الكثير من النقاط في تجربته الروائية الجديدة.

وعن حدود التجريب في روايته، أوضح خزام أنه «كان يمكن أن يذهب في التجريب إلى حدود يتجاوز فيها شروط بناء الرواية المتعارف عليها، ولكنه كان واعياً بالالتزام بهذه الخطوط في حدودها المقبولة، وإن كان لم يلتزم بتعميق كل الشخصيات في الرواية، وإعطاءكل شخصية حقها كاملاً، لما يتطلبه ذلك من مجهود كبير، بينما اعتاد، كشاعر، على الجملة المختزلة، كذلك كانت الفقرات السردية، خصوصاً التي تحمل وصفاً متعبة بالنسبة له»، مضيفاً أنه «من الصعب أن يكتب رواية دون أن يضمنها شعراً، ولكن جاء ذلك بطريقة مقبولة عندما وصل البطل إلى المعرفة والقدرة على عدم التعلق بشيء في الحياة فتحول إلى شاعر ومعلم ينصح المحيطين به بالصدق، وعدم التعلق بالأشياء أو الأشخاص، وينظم في ذلك شعراً ساحراً».

ودعا بكر إلى عقد مؤتمر موسع يتولى نقد النقد الذي كتب حول الكتابات الأدبية لأهل الخليج، لتمييز الغث والسمين، معتبراً أنه توجد كتابات لا تصل إلى مستوى النقد، او تليق بالإنتاج الإبداعي الخليجي.

شعور

ركز الناقد على تناول الرواية لحالة الاغتراب التي تخلقها المدن الحديثة لدى سكانها، موضحاً أن «أزمة الإنسان المعاصر الذي يعيش في المدن الأكثر تطوراً من العالم تتمثل في شعوره بالاغتراب عن ذاته، وما ينتابه من حنين عميق للعودة إلى الطبيعة وإلى براءاته الأولى، مشيراً إلى أن «المدن الأكثر تطوراً كمدينة دبي تبدو كواجهة زجاجية تنعكس عليها ملايين الأضواء بصورة مبهرة، لكنها لا تسمح للناظر أن يرى ما وراء تلك الواجهة، إنها واجهة مُشوِّشة لكل ما هو عميق، بحيث تحاصر البصر والبصيرة كليهما في مساحة السطح. تنعكس حالة الواجهة الزجاجية البراقة المشوشة تلك على وعي الإنسان ونفسيته معاً، فيصبح سطح الوعي متوهجاً بكثير من المشاعر والأفكار البراقة الشهية المتقدة، التي تخفي في الوقت نفسه كل ما هو عميق في الإنسان وتشوشه: مشاعره، فطرته، طاقته الداخلية».

وحرص بكر على الفصل بين الكاتب من جهة، وكتاباته وأبطاله من جهة أخرى، «فكل ما في الرواية من وصف للعالم: كائناته وأماكنه، وكل تعليقات الراوي، وأي تضمينات شعرية أو فلسفية، وكذلك الشخصيات السردية، كل ذلك يمثل أقنعة لوعي الكاتب في لحظة تاريخية معينة من لحظات وعيه بنفسه وبالعالم، لحظة الوعي تلك هي ما يمكن أن يعبر عنه مفهوم المؤلف الضمني الذي يتم تعريفه بأنه: (ذات المؤلف الثانية، أي قناع، أو شخصية مجردة يعاد بناؤها من النص، إنه الصورة المضمنة لمؤلف ما داخل نصه)، المؤلف الضمني إذن حالة اتصال مؤقتة بين شخص المؤلف الواقعي ونصه الروائي، حالة يتجاوزها المؤلف غالباً بمجرد الانتهاء من كتابة نصه. بعبارة أخرى، المؤلف الضمني هو وعي المؤلف حال تفاعله النشط إلى أقصى حد مع نصه خلال مراحل الإبداع المختلفة».

بنية

في تطرقه للنواحي الفنية للرواية، لفت بكر إلى أن «بنية النص الروائي عند خزام تتناسب مع فكرة المرآة التي تعكس آلاف الأضواء، ومع حالة الشخصيات التي تلعب دور القناع للوعي، فهي بنية مقطعة إلى ‬17 مقطعاً قصيراً، ما يسمح للنص بالقفز من لحظة نفسية إلى أخرى، ومن لحظة زمنية إلى أخرى. كما أن النص رشيق في هيكله العام، وهو ما ساعد على ابتلاع الاستطرادات الفلسفية الكثيرة التي تتضافر مع الشخصيات في تجلية وعي المؤلف».

وأضاف الناقد، خلال الأمسية التي قدمها الإعلامي والشاعر وليد علاء الدين: «لقد شعرت في لحظـة من لحظات القراءة أن عادل خزام يشكل سرداً طويلاً للوعي، كمن يسعى إلى توصيف تجربة شعرية سرداً. من هنا جاءت تجريبية نص (الظل الأبيض) إنه تيار عميق من الوعي بأزمة الإنسان المعاصر، وهو في عمقه وعي شعري يتعامل مع العالم بوصفه مجموعة من المعاني المجردة الأقرب لجواهر(جمع جوهر) تتفاوت قدرتها على الوعي بذاتها. يلتفت الشعر غالباً لجماليات لغته حين يحاول بلورة رؤاه للعالم وللإنسان. ما بدا لي من حركة الوعي الذي يسخر الشخوص ويستطرد في تأملاته الفلسفية، أنه وعي شعري بالأساس استطاع تخليق معادلات سردية تمكنه من التبدي للقارئ في حالة انعكاس على تجربته الشعرية واكتشاف أبعادها من زاوية مختلفة وهو ما يبرر وصول بطل الروايـة (إبراهيم) إلى حالة الشاعر لحظة اكتمال وعيه بأعماق ذاته وبأسرار تجربته الوجودية».

الأكثر مشاركة