معرض للبناني شوقي يوسف في «غرين آرت» بدبي
«الحقول الحمضية».. أجساد ممزقة تخــطط للحياة
يواصل الفنان اللبناني شوقي يوسف، عمله على الأجساد البشرية، من خلال معرضه الأخير، الذي افتتح في «غرين آرت غاليري» في دبي، بعنوان «الحقول الحمضية»، الذي يقدم فيه تصوره الخاص للأجساد وفق احتمالات تبدو غاية في الانسيابية.
يوسف الذي تشغل أعماله أعماق الذات البشرية التي يظهرها من خلال الأجساد المنزوعـة الجلد، والمكونـة من لحم وعظم، يحرص على أن تكون الأخيرة «فيش هيئة ممزقـة وغير مكتملة التكويـن»، ليجعلها أكثر التصاقاً بالحياة، وبالتالي يطرح مفاهيم عدة، منها الكمال والمثالية، والتمزق، والحب، والحرب وغيرها من المشاعر الإنسانية.
حكاية جديدة
سيرة لونية ولد الفنان اللبناني شوقي يوسف عام 1973، درس الفنون وحصل على الإجازة في هذا المجال من الجامعة اللبنانية، قبل أن يكمل دراسته العليا ويحصل على الماجستير في جامعة القديس يوسف في بيروت وذلك عام 2007. وتتعدد الأنماط الفنية التي يعمل عليها، بدءاً من التشكيل وصولاً إلى الفيديو آرت وكذلك التركيب. وقد عمل في معارضه السابقة على الأجساد البشرية وكانت تجربته الأولى مع «تجويف اللحم»، الذي قدمه في غاليري أجيال اللبناني، بينما يعد معرضه الحالي الثاني في دبي، حيث قدم هنا منذ عامين معرضاً منفرداً بعنوان «الإنسان الانسيابي». شوقي يوسف.. بدأ من التشكيل وصولاً إلى «الفيديو آرت» والأعمال التركيبية. |
لا يبحث يوسف في الخط الذي رسمه لنفسه بالتشكيل منذ بدايته عن حكاية جديدة، فالجسد الذي يعمل عليه اليوم، والذي قدمه في معارضه السابقة، يملك الكثير من التفاصيل الكفيلة بجعل الفنان الشاب يروي لنا الكثير من أفكاره وتصوراته، وكذلك الحقائق والوقائع عن الحياة والإنسان. تشكل أعمال يوسف غوصاً عميقاً في داخل الأجساد التي يبني عليها أعماله، فيتعمد اختزال اللحم في بعض الأحيان، ليترك تركيزه على العظام والهيكلية البنائية التي يصنعها بشكل عفوي. أما البنية التي يصورها، فلا تحمل الكثير من الواقع، فهو يطلق العنان لعبثية بارزة في التعاطي مع الكتلة الجسدية، فتكون انسيابية ومتفجرة أحياناً، وتبدو محشوة بفعل الحركات اللونية التي يشرح من خلالها الانفعالات العاطفية في الأحيان الأخرى. وعلى الرغم من تمتع ألوان يوسف بشيء من القساوة التي تثير فينا الخوف، إلا أنها تأخذنا إلى عالمه المسكون بالتأمل، ويدعونا بشكل مبطن إلى البحث عن الرابط بين الأجساد الموزعة على الورق والعالم الحقيقي الخارجي، وفهم هذه العلاقة التي يوجدها شديدة الالتصاق من خلال وضع الأجساد في حالة مكشوفة تماماً، فهم عراة حتى من جلدهم.
التغير عامل أساسي في أعمال يوسف، لوحاته لا تعرف الثبات، ولعل ذلك الذي يقربه من أبراز نزعات بشرية لا يمكن نكرانها، فالإنسان عرضة للتغير المستمر في حياته، بفعل الظروف المحيطة به، وكذلك بفعل تطوره التلقائي والطبيعي. هذا النوع من التغيير يرفقه يوسف بعملية عرض للكثير من المشاعر التي تصاحب التغييرات التي قد تنقل صاحبها من حالة إلى أخرى وأحياناً تكون النقيض، كالحب والحرب والخوف والقلق والمرض والشك. كل هذه المشاعر التي يعرضها تقودنا في الختام الى تأكيد تأثر الفرد بالجماعة باعتباره جزءاً من هذا المجسم الضخم الذي يدعى المجتمع، أو تحديداً الشرق الأوسط، حيث إن معالجة يوسف لهذه الموضوعات في هذا المعرض تحديداً كانت منطلقة من البيئة التي ينتمي إليها. تضاف إلى كل هذه المشاعر التي يطرحها يوسف، فكرة المثالية والكمال في الحياة وفي النفس، فمع الاختزال تزول كل أنواع المثاليات، وتطرح الكثير من الاحتمالات غير المكتملة عبر التجريد الذي يتعمده بشكل ملحوظ في التكوين، على الرغم من اعتماده قليلاً على هندسة العظام البشرية.
أبعاد سياسية
يتخذ يوسف في المعرض، الذي يستمر حتى 23 يونيو، منعطفاً جديداً في مسيرته الفنية، من خلال الأبعاد السياسية التي يطرحها في أعماله، فعلى الرغم من تركيزه على النفس البشرية في الأعمال السابقة، نجده اليوم يميل إلى طرح بعض الهموم الإنسانية الناتجة عن الصراعات السياسية، حيث تأثر الفنان اللبناني بالأحداث التي ألمت بالبلد الجار سورية، فتعقب الهموم والصراعات والنزاعات، ليقدم رؤيته الخاصة التي قد لا تكون بعيدة عن تجارب عاشها في بلده الذي شهد الكثير من النزاعات والحروب أيضاً. وتأخذنا اللوحات عبر هذه الصراعات إلى الأحزان المتنامية في المجتمعات العربية، فيدخلنا يوسف من خلال المساحات السوداء، والمساحات المشبعة بالأصفر والبني إلى تتبع الرموز وفكها، حيث إن الايقاعات اللونية المتباينة تبدو وكأنها حكاية متتابعة الأجزاء، وعلى المتلقي فهم تفاصيلها وسردها.
اعتمد يوسف في معرضه، الذي ضم تسعة أعمال إلى جانب خمس لوحات صغيرة تشبه «السكيتشات»، على الكتابة ليجعل لكل لوحة سياق واضح ومحدد الاتجاه. وكانت العبارات التي كتبها على اللوحات مستمدة من واقع الألم والقتل والدمار الذي تعيشه سورية اليوم، فأخذ يتحدث عن الشهداء، ورسم خرائط البلدين من جديد من خلال الموتى، وإراقة الدماء في الوطن العربي، حيث كشف عن شهية للدماء.
وكتب يوسف على اللوحات التي يرسمها على الورق، «في مادية القتل»، «في شهية الملائكة للدم»، «في أنها أرض تفيض برموش قتلاها»، «في أن ترسم الخرائط بأضلع»، «في مديح التشظي»، «في كذب الأسف»، «في أنها أمة مريبة واحدة ذات رسالة خالدة أو ذاك الاحتضار الطويل». هذه العبارات التي لجأ اليها يوسف عبّرت عن مواقفه السياسية التي يعادي فيها معادلة القتل مقابل الحقوق، ليبرز معادلة أخرى تقوم على الحب والسلام. هذه المشاعر التي فاضت من أعمال يوسف تبين الصدمة العاطفية التي قادته إلى توجيه صرخة ضد كل ما هو غير إنساني.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news