المثقفون المصريون في مواجهة حادة مع وزيرهم
المشهد الذي عاشته دار الاوبرا المصرية، الثلاثاء الماضي، كان حدثا غير مسبوق في تاريخها، وعبر عن انقطاع الجسور بين وزير الثقافة الجديد والمثقفين المصريين الذين شكوا من «أخونة» الثقافة، في ظل حكومة «الإخوان المسلمين»، بعد إطاحة الرئيس حسني مبارك في انتفاضة شعبية قبل عامين.
فبعد ساعات من قيام علاء عبدالعزيز، وزير الثقافة المصري المثير للجدل، بإقالة رئيسة دار الأوبرا المصرية إيناس عبدالدايم، جاء رد فناني الأوبرا مفاجئا إذ صعد المايسترو ناير ناجي في موعد رفع الستار لبدء عرض «أوبرا عايدة»، معلنا إلغاء العرض بحدث غير مسبوق في تاريخ دار الأوبرا، منذ بدء عروضها قبل أكثر من 140 عاما.
ورفض جمهور العرض استرداد قيمة التذاكر، تضامنا مع فناني العرض، الذين ينتمون إلى مصر وإسبانيا وإيطاليا.
وشكر ناجي الجمهور، وقال إن الفنانين والعاملين والفنيين يرفضون قرار الوزير بإقالة إيناس عبدالدايم، ويرونه جزءا من «خطة ممنهجة لتسييس الثقافة والفنون الرفيعة في مصر»، وبدأ فنانو الأوبرا اعتصاما، وأعلنوا إيقاف أنشطة دار الأوبرا ثلاثة أيام كخطوة أولى، وارتفع السقف من إعادة عبدالدايم إلى إقالة الوزير.
وأثار تعيين عبدالعزيز المدرس بأكاديمية الفنون وزيرا للثقافة، قبل نحو ثلاثة أسابيع، قلق مثقفين ومدافعين عن حرية التعبير، قالوا إنه غير معروف في الوسط الثقافي، وإنهم لم يجدوا له إلا مقالا منشورا في موقع «الحرية والعدالة» الذراع السياسية لـ«الإخوان المسلمين»، متبنيا مواقفهم التي يراها المثقفون معادية للحرية.
وبدأ الوزير الصدام بإقالة أحمد مجاهد رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب، التي أصدرت في عهده أعمالا لفنانين ونقاد بارزين، منهم ثروت عكاشة وصلاح عبدالصبور، ومحيي الدين اللباد، وفؤاد حداد، وصلاح جاهين الذي انتقده شيخ سلفي قائلا إن «صلاح جاهين هو تاريخ مصر القذر». وعزا البعض إقالة مجاهد إلى منح جائزة معرض القاهرة الدولي للكتاب، الذي تنظمه الهيئة، في فبراير الماضي لكتاب «سر المعبد»، الذي ينتقد جماعة «الإخوان»، التي ينتمي إليها الرئيس محمد مرسي.
وأعلن مثقفون وفنانون وائتلافات ثقافية ونقابات فنية، في نقابة الصحافيين بالقاهرة، الخميس الماضي، تأسيس «جبهة الدفاع عن الثقافة المصرية»، والتي ستعنى بالتصدي لمحاولات «هدم الثقافة والدفاع عن الحريات»، إضافة إلى تنظيم أنشطة ثقافية وفنية موازية في عموم البلاد «تعبر عن قيم الحرية والعدل»، بعيدا عن الأنشطة الرسمية.
وأعلن مثقفون تصديهم لما يعتبرونه «تجريفا للوعي الوطني، ودفاعا عن حرية الإبداع، في ظل حكم جماعة (الاخوان المسلمين)»، قائلين إنهم سيمنعون وزير الثقافة من المشاركة في أي نشاط تنظمه قطاعات الوزارة، وبدأوا التنفيذ مساء الأحد الماضي حيث افتتح الفنانون التشكيليون المعرض العام الخامس والثلاثين ـ الذي طلب الوزير تأجيله ـ في غياب الوزير، وهو حدث نادر في تاريخ المعرض.
وفي اليوم التالي، أقال الوزير رئيس قطاع الفنون التشكيلية صلاح المليجي، ورفض التشكيليون إقالة المليجي، وطالبوا بعودته، مشددين في بيان على أنهم لن يسمحوا بوجود الوزير في أي مناسبة ثقافية «نريد محاصرته في محيطه الورقي، حتى يرحل عن الوزارة نهائيا».
وأضاف البيان، الذي حمل عنوان «وزير الثقافة المطرود من الجماعة الثقافية المصرية»، أنه «جاء بخطة تدميرية تستهدف معمار الثقافة المصرية العريقة، من منطلق فكر كهنوتي أسود، نابع من الكتب الصفراء» في إشارة إلى الخلفية السلفية لجماعة «الإخوان».
وبعد استقالة الناقد أسامة عفيفي من رئاسة تحرير مجلة «المجلة»، التي تصدرها الهيئة العامة للكتاب، أعلن الشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي، استقالته من رئاسة تحرير مجلة «إبداع»، التي تصدرها الهيئة نفسها، ومن رئاسة «بيت الشعر»، التابع لوزارة الثقافة.
وقال حجازي، في الاستقالة، إنها «احتجاج على ما يقع الآن للمثقفين المصريين، ورجال القضاء، ورجال الإعلام، على أيدي (الإخوان المسلمين)، وحلفائهم الذين استولوا على السلطة وآخرهم وزير الثقافة الحالي، إنها خطة مدبرة للانفراد بالسلطة والبقاء فيها وتزوير التاريخ، وإسقاط الدولة وتدمير مؤسساتها، وانتهاك الحقوق، والعدوان على الحريات والتنكيل بالمعارضين»، مضيفا أنه يرفض العمل في هذا المناخ.
كما استقال مجلس أمناء بيت الشعر جميعا، وهم حجازي، وفاروق شوشة، ومحمد إبراهيم أبوسنة، وسيد حجاب، ومحمد عبدالمطلب، ومحمد حماسة عبداللطيف، وحسن طلب، وسعيد توفيق، ومحمد سليمان، والسماح عبدالله.
والوزير الذي لم يلتقِ وفودا من أي حزب، استقبل الاثنين الماضي وفدا من حزب «الحرية والعدالة»، وأعلن في صفحة الوزارة على «فيس بوك» وجود «تصور شامل لإثراء الحياة الثقافية المصرية وفق منظومة القيم المصرية الأصيلة»، و«إن التغييرات الجارية حاليا في مختلف قطاعات الوزارة، هدفها الأول ضخ دماء ورؤى جديدة، لإحداث حراك ثقافي يعبر عن ثورة 25 يناير. وهناك هدف آخر من هذه التغييرات هو سرعة تفعيل قطاعات الثقافة المصرية كافة، وعملها بأقصى إمكانياتها». كما ناقش الوفد مع الوزير «تكريس ثقافة القيم، من خلال نظرات جديدة للتراث، وتفعيل جديد للمقدرات الثقافية التاريخية والحضارية» لمصر.
لكنّ مثقفين وفنانين أعلنوا إطلاق حملة شعارها «مبدعون من أجل الشعب»، بديلا عن وزارة الثقافة، تنظم أنشطة متنوعة بعد «الاكتتاب العام في كل أرجاء مصر بطولها وعرضها، للسير في طريق الثقافة المستقلة بالشعب، ومن الشعب، وإلى الشعب»، مضيفا أن المثقفين ليسوا مجرد أوراق، وتلال من المكاتب.