كاتب إماراتي يرى أن الحنين في الأدب نتاج صدمة الحداثة

محمد الحربي: مواجهة الواقــع أفضل من الهروب إلى الماضي

محمد الحربي: المنتج الأدبي معطى حيوي لدى المشتغلين في علم الاجتماع والنفس والدراسات النقدية. الإمارات اليوم

يرى الكاتب الإماراتي، محمد حسن الحربي، أن «ظاهرة الحنين إلى الماضي»، أو كما أراد أن يسميها الإعلام بـ«الزمن الجميل» باتت ملموسة بشكل لافت، لتصبح مؤشراً مهماً يفتح الباب على أكثر من بعد، إذ إن المنتج الأدبي يطرح تساؤلاً مثيراً حول تصنيفه للماضي على أنه جميل والحاضر رديء، لاسيما لدى بعض الأدباء والكتاب المحليين والخليجيين.

وأكد الحربي خلال منتدى الأحد الثقافي، الذي تنظمه إدارة الشؤون الثقافية في دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة، أن «المنتج الأدبي يعد معطى حيوياً لدى المشتغلين في علوم الاجتماع والنفس والدراسات النقدية الأدبية، ويجري بناء عليه ابتكار تصورات ونظريات يستفيد منها المجتمع على مستويات الاقتصاد والسياسة والفكر، والمقصود بالمنتج الأدبي هو كل أجناس الأدب والفن من قصة ورواية ونصوص شعرية ومسرحية وأغان ومسلسلات تلفزيونية وبعض الرسومات التشكيلية».

وتابع أن «الحنين بشكل عام نفهمه على أنه شعور طبيعي لدى الانسان، إما أن يكون موجهاً إلى ذكرى جميلة كأن تكون قصة حب التهبت ثم خبت، أو موجهاً إلى بقعة من الأرض كأن تكون منازل العائلة أو القبيلة أو بيتاً ولد فيه المرء، أو ربما مرابع الطفولة والصبا، والحنين إلى تلك الموضوعات والأماكن أمر يمكن للمرء تفهمه وتقديره، كما يمكن أن يكون الحنين موجهاً إلى نمط حياة مضى وانقضى وصار في طي النسيان، وحل محله نمط عصري آخر يختلف عنه، إذ يمكن للمرء تفهم الحنين، لكن يصعب تقبله أو الموافقة عليه».

صعوبة الموافقة

وأوضح الحربي أن «للحنين أشكالاً بعضها يمكن تفهمه وتقديره والآخر تصعب الموافقة عليه، وما يصعب الموافقة عليه يمكن ان نضعه على قائمة نواتج الصدمة النفسية أو الصدمة الحضارية وربما الحداثية، ويبدو أن الحنين إلى الماضي قد تجلى في المطبوعات والتأليف الأدبي الإماراتي والخليجي، وهو نوع من الرغبة الدفينة في العودة إلى نمط محدد من أنماط الحياة، كان سائداً ثم بات في مرحلة زمنية ماضية».

وفي مجمل المنتجات الأدبية والفنية التي وقعت بين أيدينا واطلعنا عليها، جاء الحنين فيها بمعنى آخر مختلف عما يمكن فهمه ظاهرياً، بحسب الحربي، الذي قال «لقد تبدى في الدلالة احتجاج خفي على الواقع المعاش، وتلك الدلالة لا يراد بها التمظهر في أي شكل تعبيري آخر، والاحتجاج أخذ شرعيته من حاضر وسم بـ(الزمن الرديء)، وكان من الطبيعي لزمن رديء أن يمهد لمعادلة موضوعية المقابل وهو الزمن الجميل الذي ارتبط بالماضي، والذي بات الحنين إليه مسألة منطقية».

وتابع أن «التنمية السريعة في المجتمعات الخليجية ضريبة تمثلت في تشويه بعض الجوانب الاجتماعية والثقافية، فصحيح أن التنمية جاءت منفصلة في جوانبها على غير مقاس المجتمع، الأمر الذي لم يستطع الانسان استيعابه، وتسبب له في نوع من الصدمة النفسية والاجتماعية، لذلك يلجأ إلى العودة إلى الماضي».

ويرى الحربي أن الحنين من خلال الهروب إلى الماضي مرفوض، خصوصاً أن الهروب ليس حلاً، إنما يجب قبول الواقع على ما فيه من محاولات إصلاح ما يمكن اصلاحه، وبما يتوافق مع منظومة القيم الثقافية والخصوصية الاجتماعية، وتبقى المنتجات الأدبية من الأهمية بمكان بحيث تصل بالمهتم والمتخصص إلى أماكن يقصر العلم دونها ولا يصل إليها، فالآداب والفنون تعمل في الفراغات التي يتركها العلم المحض فارغة».

رفض الواقع

وطرح الحربي، خلال المنتدى، مسألة مهمة تبين أن رفض الواقع المعاش بالحنين إلى الماضي، تضع الكتاب أمام أمرين خطرين، على حد وصفه، فالأول أن «الحاضر بصفته واقعاً معاشاً عندما جرت صناعته لم تلب فيه المعايير التي كان يتوقعها الجيل الحالي، الذي وجد نفسه بعد فترة أنه غير معني بما يجري فيه أو حوله، ويشعر بعدها بنوع من التغريب النفسي والاجتماعي عن هذا الواقع، إذ يمكن القول بأن الفرد يشعر بانه موجود على أرض الواقع بدنياً فقط، لكنه ليس موجودا كقيمة ممثلة، بالتالي لا يلمس داخله انتماء كافيا وحقيقيا للمحيط، لذلك يريد العودة إلى الزمن الجميل، ومن هنا يجب أن ينتبه القائمون على التنمية إلى هذه القضية الحيوية».

أما الأمر الثاني، فأكد الحربي أن «التحديات الحياتية في الماضي كانت أبسط وأقل قسوة مما هي عليه في الحاضر والواقع الحالي، ما جعل الميل أو الرغبة في العودة إلى الماضي هو الحل الأسهل نفسياً كنوع من الهروب بدلاً من المواجهة، لاسيما أن الهروب يعني في بعض جوانبه أن الجيل الحاضر لم يجر تأهيله وتعليمه ليكون قادراً على التأقلم مع الحداثة التي حصلت بوتيرة متسارعة، بفعل الطفرات الاقتصادية المفاجئة لـ«مرحلة ما بعد النفط»، الأمر الذي جعل فئات واسعة من المجتمع، وتحديداً الشباب، في وضع نفسي حائر، يشعر معه بصعوبة الاندماج في الواقع، لأنه يجده صعباً».

تويتر