«قرقيعان».. «عطونا الله يعطيكم»
على الرغم من اكتساح مظاهر الحداثة وطغيانها على أوجه مختلفة من الجوانب الاجتماعية التي تنتمي إلى التراث التقليدي للأسر الإماراتية، مازالت مجموعة كبيرة منها متمسكة بأبرز ملامحها التي تعكس أوجه مختلفة من التراث التقليدي، في مقدمتها الاحتفال بليلة النصف من شعبان فرحاً بقرب قدوم شهر رمضان الكريم، التي صادفت مساء أول من أمس، وقد تابعت «الإمارات اليوم» مظاهرها وطقوسها في أكثر من موقع منذ بدايتها عصراً حتى انتهائها مع غروب الشمس.
بدأت أولى مراسم الاحتفال بليلة النصف من شعبان والمعروفة بـ«قرقيعان» بتجهيز أفراد الأسر الحلويات والمكسرات والمشروبات الخاصة بالاحتفال، وقام بعضهم بابتكار تغليفات خاصة بها وتقديمها بوسائل مبتكرة لتكون جاهزة للتوزيع، تلاها ارتداء الأطفال ملابس وحلياً تقليدية وحملوا على أكتافهم الأكياس إيذاناً ببدء أبرز طقوس الاحتفال.
انطلق الأطفال مع انتهاء صلاة العصر خارج منازلهم ليقوموا بالتجوال في ممرات (سكيك) حيهم السكني «الفريج»، و«الفرجان» المجاورة، على البيوت ليجمعوا في أكياسهم أكبر قدر ممكن من الحلويات والمكسرات الخاصة بالاحتفال، غير مكترثين بحرارة الجو وارتفاع درجاته ومرددين في الوقت نفسه أناشيد خاصة بـ«الليلة»، منها «عطونا الله يعطيكم.. بيت مكة يوديكم»، «عطونا حق الليله.. جدام بيتكم وادي والخير كله ينادي»، و«أعطونا الله يعطيكم بيت مكة يوديكم لأهاليكم - يا مكة يا معمورة يا أم السلاسل والذهب يا نورة».
لمشاهدة الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط. |
واستقبل الأهالي الأطفال بالابتسامات وكلمات الترحاب التي لم تنسهم مبتغاهم الذي تهافتوا عليه وازدحموا للظفر بأكبر الحصص، أملاً في أن تمتلئ أكياسهم بما لذ وطاب، لاسيما أن الهدف في نهاية جولتهم التجمع حول الأكياس للتفاخر بأكبر الحصص وتوزيعها في ما بينهم، وتبادل بعض أنواعها. الأهالي بدورهم قاموا كذلك بالتجوال على بيوت الجيران والأهالي في زيارات قصيرة، لا لجمع الحلويات بل لتوزيعها في ما بينهم وتبادل التهاني والتبريكات بقرب قدوم الشهر الكريم.
ومع غروب الشمس وانتهاء مراسم الاحتفال، تفاخر الأطفال بالحصص التي جمعوها، ولم ينهكهم تعب التجوال فاجتمعوا لتوزيع الحصص في ما بينهم، خصوصاً في ظل فوزهم بأنواع مختلفة من الحلويات والمكسرات إلى جانب المشروبات، وبذلك يسدل الستار على آخر مراسم الاحتفال بـ«قرقيعان».
موروث
وحول هذه المراسم والطقوس قالت المواطنة أم عبدالله «على الرغم من التطور الكبير الذي تشهده جوانب اجتماعية مختلفة من حياتنا، إلا أننا نحرص وبشدة على التمسك بأبرز الملامح التي تعكس أوجه مختلفة من تراثنا التقليدي، منها الاحتفال بليلة النصف من شعبان فرحاً بقرب قدوم شهر رمضان الكريم»، الأمر الذي يتمثل في قيامنا بالتحضير لمراسمه وطقوسه التي تتمحور حول فرحة الأطفال بالحصول على الحلويات والمكسرات إلى جانب المشروبات، وصلة الرحم وزيارة الجيران. وأضافت: يقوم أفراد أسرتي صباح ليلة النصف من شعبان بتجهيز معدات الاحتفال لتكون جاهزة قبل قدوم الأطفال بعد صلاة العصر مباشرة ويقومون بتقديمها لهم، وكذلك يقومون بتوزيع الحلويات على الجيران، من أشهرها حلوى «الزلابية».
وقالت المواطنة أم إبراهيم «أحرص وأفراد أسرتي صغاراً وكباراً على الاحتفال بـ«قرقيعان»، تعبيراً عن فرحتنا بقرب قدوم الشهر الفضيل، وذلك عن طريق القيام بتحضير تجهيزات الاحتفال والاستعداد لاستقبال الأطفال الذين يمثلون دور البطولة فيه، مخصصين لهم نصف وقت الاحتفال»، وأوضحت «أما النصف الآخر فيصطحب فيه كبار أفراد الأسرة أطفالنا إلى منازل الجيران للحصول على حصصهم من الحلويات وغيرها، وفي الوقت نفسه يتبادلون التهاني والتبريكات بين الجيران بمناسبة قرب حلول الشهر الفضيل».
ونوهت أم إبراهيم بأن «قرقيعان» فرصة مثالية بالنسبة لنا لصلة الرحم وزيارة الجيران التي غالباً ما تلهينا عنها مشاغل الحياة وضغوطها المختلفة، وعليه نحرص سنوياً على الاحتفال بها وتوريث أطفالنا طقوسها المميزة.
وقالت أم حسن التي يتحول مدخل منزلها إلى ساحة تراثية تقليدية لاستقبال أفواج من أطفال وأهالي الفريج «يعد (قرقيعان) عادة وعرفا تقليديا توارثته الأجيال جيلاً بعد جيل، وعليه أحرص سنوياً على الاحتفال خصوصاً أنه تعبير عن الفرحة بقرب قدوم شهر رمضان الفضيل».
ظاهرة خليجية
ويطلق اسم «قِرقيعان»، أو «حق الليلة» أو «النُص» على الاحتفال بقدوم النصف من شهر شعبان في يوم 14، الأمر الذي يمثل أحد أبرز الطقوس المحلية التي تنتمي إلى التراث التقليدي احتفالاً وابتهاجاً بقرب قدوم شهر رمضان الكريم.
يقوم الأطفال في هذا اليوم بقصد البيوت في حيهم السكني «الفريج» والأحياء المجاورة للظفر بمجموعة منوعة من الحلويات والمكسرات والمشروبات، خصوصاً في هذا الاحتفال، يجمعونها في أكياس محملة على أكتافهم، والمسماة بالمحلي «خرايط». ويتنافسون في ما بينهم في عملية الجمع من البيوت التي يقصدونها والتي في العادة تفتح أبوابها لاستقبالهم من بعد صلاة العصر حتى غروب الشمس.
يردد عادةً الأطفال مقاطع خاصة بهذا الاحتفال منها «عطونا الله يعطيكم.. بيت مكة يوديكم»، «عطونا حق الليله.. جدام بيتكم وادي والخير كله ينادي»، و«أعطونا الله يعطيكم بيت مكة يوديكم لأهاليكم - يا مكة يا معمورة يا أم السلاسل والذهب يا نورة».
وتحتفل دول الخليج في العادة بنصف شهر رمضان مثل دولة قطر، ويطلق عليه «قرنقعوه» ويعد أبرز الطقوس الرمضانية التي مازال القطريون يحرصون على ممارستها، وفيه يرتدي الأطفال الملابس التقليدية ويجوبون بعد صلاة العشاء «الفرجان» قاصدين البيوت التي يكافؤهم أصحابها بتقديم الحلوى والمكسرات مرددين أثناء تجوالهم «قرنقعوه قرنقعوه.. عطونا الله يعطيكم.. بيت مكة يوديكم.. يا مكة يالمعمورة.. يا أم السلاسل والذهب يا نورة.. عطونا تحبة ميزان.. سلم لكم عزيزان.. يا بنية يالحبابة.. أبوك مشرع بابه.. باب الكرم ما صكه ولا حطله بوابة».
وكذلك يعد الاحتفال بليلة النصف من شهر رمضان من أبرز طقوس سلطنة عمان الرمضانية تحت عنوان «قرنقشوه» وفيه كذلك يرتدي الأطفال الملابس التقليدية ويجوبون بعد صلاة العشاء «الفرجان» مرددين أثناء تجوالهم طالبين الحلوى وغيرها «قرنقشوه قرنقشوه.. أعطونا شي حلواه»، أو «قرنقشوه يو ناس.. عطونا بيسه وحلوى-دوس دوس في المندوس.. حارة حارة في السحارة». وفي حال لم يحصل الأطفال على «القرنقشوه»، يرددون «قدام بيتكم صينية.. ورا بيتكم جنية».
أما في البحرين فيردد الأطفال في ليلة النصف من رمضان:
سلم ولدهم يا الله
وخله لأمه يا الله
اييب المكده يا الله
ويحطها في جم امه
يا شفيع لأمه
قرقاعون عاده عليكم
آوه يالصيام ما بين قصير ورميضان
سلم ولدهم يالله.. خله لأمه يالله
وفي المنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية التي تحتفل بليلة النصف من رمضان يردد الأطفال:
قرقع قرقع قرقيعان
بين قصير ورمضان
عطونا الله يعطيكم.. بيت مكة يوديكم
يوديكم لأهاليكم
ويلحفكم بالجاعد
عن المطر والراعد
عام عام يا صيام
جعلكم تصومونه بالتمام
الله عطانا خوخ ورمان
عطونا عادت عليكم
أما الثواب ولا الجواب
ولا نيتفه من صاير الباب
لولا فلان ما جينا
يا ربي تخليه لأُمَّه
وفي الكويت يرددون «قرقيعان وقرقيعان.. بيت قصير ورمضان.. عادت عليكم صيام.. كل سنة وكل عام.. سلم ولدهم يالله.. خله لامه.. عسى البقعة لا تخمه ولا توازي على أمه.. عطونا الله يعطيكم بيت مكة يوديكم.. يا مكة يا معمورة يا أم السلاسل والذهب يا نورة».