ميدان التحرير: «بنات مصر خط أحمــــــر»

تصاعدت ظاهرة التحرش الجنسي بالنساء في التظاهرات المصرية، فرصدت منظمة حقوقية ‬44 حالة في تظاهرات ‬30 يونيو الماضي، وأكدت مجموعة حقوقية تسجيلها لوقوع ‬101 اعتداء جنسي، فيما تشكلت حتى الآن خمس مجموعات ميدانية من شباب وفتيات خارج الإطار الرسمي لمقاومة التحرش، في الوقت الذي ارتفعت أصوات اتهامات وإدانات من حقوقيين ترفض (تسييس المشكلة)، وتتحدث عن «أيد خفية» تسعى إلى إرهاب المصريين ومنع نزولهم إلى الشارع وتشويه التظاهرات.

وتفصيلاً، تصاعدت الاعتداءات الجنسية في ميدان التحرير، وميادين أخرى، حيث أعلنت «مبادرة قوة ضد التحرش» في بيان لها الأسبوع الماضي، عن وقوع ‬44 حالة «بعضها احتاج إلى عناية طبية».

وقال البيان إنه «تم التصدي للعديد من محاولات اختطاف سيارات أجرة في الشوارع المؤدية إلى التحرير».

تحميل المسؤولية للمرأة

اتهمت مجموعة «نظرة» للدراسات النسوية، لجنة حقوق الإنسان بمجلس الشورى السابق، والمشكّلة معظم عضويتها من قوى الإسلام السياسي، بـ«التواطؤ»، حيث حمّلت اللجنة المرأة مسؤولية ما يقع عليها من اعتداءات بنسبة ‬100٪. وكان رئيس حزب «الأصالة» السلفي، عادل عفيفي، قدأعلن أمام اللجنة أن «الفتاة مسؤولة عما يقع لها من اغتصاب بنسبة ‬100٪، لأنها تضع نفسها في هذه الظروف»، ووصف مخيمات التحرير بأنها «تجمعات دعارة»، كما حمّلت أمين سر اللجنة، ميرفت عبيد، الفتيات مسؤولية ما يحدث لهن لأن «المرأة يجب أن تحكم عقلها قبل النزول للتظاهر». بدوره، اتهم عضو «جبهة الإنقاذ» والبرلماني السابق، مصطفى الجندي، القيادي الإخواني محمد البلتاجي، بإرسال متحرشين إلى التحرير. وقال الجندي في مداخلة لفضائية «أون تي في» في ‬3 يوليو الجاري ونشرتها الصحف المصرية في اليوم التالي، موجهاً خطابهإلى البلتاجي: «القينا القبض على ‬16 متحرشاً أرسلتهم، وستفاجأ بأننا سلمناهم».

وسجلت مجموعة «نظرة» في بيان لها وقوع ‬101 اعتداء جنسي، ورصدت «الإمارات اليوم» وجود خمسة ائتلافات شبابية ميدانية، مكونة من شبان وفتيات متطوعين، ويعملون ضمن إطار أهلي لا صلة له بالجهات الرسمية، ويواجهون التحرش ميدانياً وعلى مدى ‬24 ساعة، أثناء التظاهرات في قلب الميدان، من بينهم ائتلاف «شفت تحرش»، و«بنات مصر خط أحمر»، و«مبادرة قوة ضد التحرش».

وشملت حالات التحرش والاعتداء فتيات مصريات بسيطات ذهبن إلى المشاركة في التظاهرات، كما شملت أيضاً شخصيات عامة وفنانات، مثل يسرا وليلى علوي وبسمة وتيسير فهمي وشيريهان، وأيضاً صحافيات أجنبيات كالهولندية يونيك مارغين، التي تم اغتصابها ‬12 مرة، والمذيعة في «فرانس ‬24» صوفيا دريدي.

وقالت الناشطة في مجموعة «شفت تحرش»، سلمى سعيد، لـ«الإمارات اليوم»: «نحن منتشرون في مختلف أرجاء الميدان، بعضنا يرتدي (يونيفورم الائتلاف) وآخر متخف، وفي حال رصدنا لأي حالة تحرش نتواصل عبر الموبايلات أو الاتصال المباشر، ونستدعي قوة تدخل سريع للتحرك».

ورفضت سعيد، المسؤولة عن شارع محمد محمود، تصويرها من قبل «الإمارات اليوم»، موضحة أن «كثيراً من نجاح مجموعتها قائم على مدى سرية حركتها». كما رفضت الإفصاح عن طبيعة الهيكل التنظيمي للمجموعة وشكل تحركها.

وقالت سعيد: «نحن نعمل بالتنسيق مع المنظمات الخمس الأخرى المواجهة للتحرش، ولدى كل طرف منا مناطقه، وتركيزنا في (شفت تحرش) على بث الوعي بين الناس، واستقطاب أكبر عدد ممكن ليكون معنا، لأن نجاحنا في هذا يحول مجموعتنا من عشرات الأفراد إلى آلاف العاملين، كما نقوم بتوزيع أرقام هواتفنا لتصبح مع كل فتاة وسيدة، وسيلة تدافع بها عن نفسها إذا تعرضت للخطر، ونحن نتعامل مع مكالمات هذه الهواتف بمنتهى الجاهزية».

وتابعت سعيد: «إن وجود فتيات وشبان يرتدون (تي شيرت شفت تحرش) وبأعداد واسعة المقصود به، غير تسهيل التواصل في ما بينهم، هو بث رسالة طمأنينة للفتيات والسيدات والأسر، إننا موجودن هنا في كل مكان بجانبكم فلا تخشوا من البلطجية والمتحرشين».

ولاحظت «الإمارات اليوم» وجود أعداد ضخمة من الفتيات والسيدات والأسر في منطقة الصينية بميدان التحرير، حيث الوجود المركزي لجماعة «شفت تحرش»، وابتعاد النساء عن أطراف الميدان.

من جهتها، قالت منسقة ائتلاف «بنات مصر خط أحمر»، دينا فريد، إن «ساعة الذروة للتحرش والاعتداءات الجنسية هي ما بين السادسة والثامنة مساءً، وذلك استغلالاً للازدحام، على عكس ما يعتقد كثيرون من وقوع الحوادث المشار إليها ليلاً».

وأضافت فريد أن «مجموعتها استطاعت إنقاذ خمس حالات من التحرش والاعتداء، بينها حالة احتاجت إلى تدخل طبي، كما انها اخفقت في إنقاذ ضحية رغم كل المحاولات».

وتابعت فريد: «إن ما يحدث داخل ميدان التحرير من تحرش واعتداء مختلف تماماً عن شبيهه الذي يحدث في الشارع، ففي الأخير لا يتجاوز الأمر ملامسات جنسية خفيفة وعابرة يقوم بها المتحرش تجاه ضحيته، أما داخل الميدان فهناك مجموعات تشكل حلقة من أشخاص كثيراً ما يكونون مسلحين تحيط بالضحية وتعزلها عن العالم، وتقوم بالتحرش أو الاعتداء عليها ـ أحياناً بشكل جماعي ـ لمدى زمني يتجاوز في حالات الساعة والنصف الساعة، ويقترن هذا في حالات كثيرة باستخدام العنف». واستطردت فريد أن «هذا النوع من الاعتداءات غالباً يكون غريباً ومريباً، ويثير شكوكاً لأهداف بعينها أبسطها بث رسالة تخويف وترهيب للنساء تهدف إلى عدم نزولهن التظاهرات».

وكشفت فريد أن مجموعتها مدربة إلى حد ما على التعامل مع الحالات المختلفة، وهي دوماً محفوفة بالمخاطر، حيث يتم استدعاء مجموعة اقتحام سريعة من قلب الميدان، والتي تسعى إلى اختراق حلقة المغتصبين أو البلطجية الساعين إلى اعتداء جنسي على الضحية، وتنتشل الفتاة أو السيدة، ثم تبدأ الرحلة الأصعب وهي إخراجها من الميدان».

وأوضحت فريد أنهم «في بعض الحالات يشيعون أنهم أنقذوا الفتاة وأخرجوها من حلقة المتحرشين، حتى ينفض التجمع، ويصبح التعامل مع الموقف أكثر سهولة».

وتابعت فريدة أن «عملهم ليس نزهة، وعلى الرغم من أن مجموعتها لم تتعرض لاعتداءات أثناء عملها، إلا أن ناشطاً آخر واسمه بشارة، في مجموعة أخرى هي (تحرير بودي جارد)، وقع عليه اعتداء بسكين أحدث قطعاً عرضياً في رأسه أثناء محاولته حماية فتاة من اغتصاب في التحرير الشهر الماضي». وأكدت أن دورهم لا يقتصر فقط على المواجهة المباشرة للمعتدين، بل في البحث عن مواجهة جذرية، وأنهم أعدوا قانوناً خاصاً لمواجهة التحرش، كما أنهم يتصلون بكل الدوائر صانعة القرار من الرئاسة وحتى أقل مسؤول تنفيذي.

في الإطار ذاته، ألقى السجال السياسي الدائر في مصر بظلاله على نقاش وقائع التحرش الجنسي، ففيما أصرت أصوات منسوبة لتيار الإسلام السياسي على اعتبارها «ظاهرة تخص تظاهرات التحرير العلمانية ولا تخص تجمعات رابعة العدوية»، اتهمت حقوقيات عناصر ليست بعيدة عن «الإخوان» بتأجيج التظاهرة لبث الفزع بين المتظاهرات ودفعهن لعدم المشاركة.

فقد كتب نائب رئيس حزب «الوسط»، عصام سلطان، على حسابه على «تويتر»، عقب حادث اغتصاب الهولندية، يونيك مارغين، إن «أنصار البرادعي وحمدين صباحي وعمـرو موسى اغتصبوا الهولندية من ‬9 إلى ‬12 مرة».

كما وصف المستشار الإعلامي للجماعة الإسلامية، صابر حارص، ميدان التحرير بـ«الدنس»، حيث شهد سبعة اغتصابات في ‬30 يونيو، مقابل ميدان «رابعـة العدويـة»، الذي يشهد التطهر وقيام الليل.

الأكثر مشاركة