في دراما رمضان 2013
غابت الأعمال الدينــية وحضر الداعية بقوة
ملامح عدة يمكن رصدها في دراما رمضان هذا العام، بعضها مرتبط بنجوم هذه المسلسلات، والكثير منها مرتبط بموضوعاتها. ولعل من أبرز هذه الملاحظات غياب الأعمال الدينية التي انحسرت في استثناءات قليلة، ابرزها مسلسل «عمر»، الذي عرض العام الماضي وسط ضجة وجدل كبيرين، وتعيد قناة (ام بي سي) المنتجة له عرضه هذا العام، بناء على طلب المشاهدين، بحسب ما ذكرت. هذا الغياب اللافت للأعمال الدينية قد يعود لاسباب عدة، من بينها ما تشهده الدول العربية من أحداث سياسية، ومن هبوط أسهم أصحاب تيار الإسلام السياسي في دول مثل مصر وتونس على المستوى الشعبي، وهو ما ادى إلى انصراف المنتجين عن هذه النوعية من الأعمال خوفاً من عدم تحقيقها نسب مشاهدة عالية، ما يؤدي بدوره إلى انصراف المعلنين عنها بما يؤدي إلى خسارة مادية كبيرة للمنتجين، خصوصاً ان الأعمال الدينية تحتاج إلى إمكانات انتاجية ضخمة لما تتطلبه من رجوع إلى فترات تاريخية سابقة، وانشاء مواقع تصوير بمواصفات معينة، وكذلك تصميم أزياء واكسسوارات تناسب هذه المرحلة، إلى جانب ضرورة الاستعانة بمجاميع كبيرة من الممثلين والكومبارس في مشاهدها.
غياب الأعمال الدينية قابله ظهور واضح لرجل الدين في أعمال درامية مختلفة هذا العام قدمت الداعية الإسلامي أو رجل الدين في صور مختلفة، بعضها حاول الاقتراب من تفكير الدعاة في الفترة الحالية، والبعض الآخر اهتم بالتناقض بين ما يدعون الناس إليه وبين حياتهم الخاصة، في حين حاولت بعض الأعمال تقصي بداية ظاهرة نجوم الفضائيات من الدعاة، وكيفية صناعتهم ومن وراء ذلك. من أبرز هذه الاعمال مسلسل «الداعية» الذي يمثل أولى تجارب الفنان هاني سلامة في مجال الدراما التلفزيونية، من تأليف الكاتب مدحت العدل ويخرج العمل محمد جمال العدل الذي يقدم تجربته الأولى أيضا في الإخراج التلفزيوني. ويقدم سلامة في المسلسل شخصية الداعية الشاب «يوسف» الذي يحرص على مظهره (الكاجوال)، ما يجعله قريباً للشباب ويلفت إليه انتباه الفضائيات التي تسارع لاستضافته في برامجها ليتحول إلى نجم مشهور، ورغم بعض التفهم الذي يبديه أحيانا إلا انه يتخذ كثيرا من المواقف المتشددة، خصوصا تجاه الفنون المختلفة، فيرفض ارتباط اخته بالشاب الذي تحبه لان الشاب يعمل في مجال الفن، وكذلك يثور عندما يكتشف ان اخته الصغرى تعزف على الكمان فيكسره لها ويمنعها من العزف، ولكنه يبدأ في التغير عندما يقع في حب جارته عازفة الكمان التي تقدم دورها الفنانة بسمة ،ويشعر ان هناك تناقضاً بين ما يشعر به وبين ما ينصح به الآخرين، وما يطبقه عليهم.
ومن خلال سياق الاحداث؛ يعرض المسلسل أيضا وجهاً آخر لرجال الدين أكثر تشدداً يحاولون استقطاب «يوسف» وضمه إليهم.
وجه آخر تعرضه دراما رمضان 2013 للداعية من خلال مسلسل «نيران صديقة» الذي استطاع منذ حلقاته الأولى ان يحقق جماهيرية واسعة بفضل ما يتميز به من قصة بوليسية مشوقة وأحداث المتسارعة، وايقاع سريع، من خلال قصة ستة أصدقاء وصديقات تجمعهم صداقة قوية، ولكنهم يواجهون شخصاً مجهولاً يجمعهم من جديد بعد سنوات من تفرقهم، ويعيد احياء الماضي باسلوب غامض. ومن خلال تنقل الاحداث في العمل بين فترات مختلفة تمتد من 1986 إلى 2009 تقريباً، يستعرض التغيرات التي شهدها المجتمع المصري والمنطقة كلها في تلك الفترة التي شهدت أحداثاً مفصلية اعادت تشكيل خريطة العالم السياسية، مثل سقوط حائط برلين، ودخول العراق للكويت 1990، وتحريرها لاحقاً، والغزو الاميركي للعراق، وظهور اسامة بن لادن وجماعته، وهي الفترة التي شهدت أيضاً ظهور الجماعات الدينية المتشددة والجهاديين في مصر، وعبر هذه الاحداث يقدم المسلسل ما يشبه الرصد لبداية ظهور شخصية الداعية الديني، وتحوله من رجل دين ودعوة إلى «نجم تلفزيوني وإعلامي»، بما يفرضه ذلك أحيانا من تقديم تنازلات تخالف معتقداته، وأحيانا عقد صفقات مع جهات رسمية وغير رسمية، من خلال شخصية طارق يحيى الشاب الفقير الذي يحلم بان يصبح مخرجا للأفلام عقب انتهائه من دراسته للشريعة، ولكن والده يرفض ذلك ويصر على ان يعمل إمام مسجد، ثم يبدأ في تسجيل خطب دينية على اشرطة كاسيت تمولها شخصية غير معروفة، ومع الوقت يبدأ صاحب رأس المال في توجيه الداعية للحديث عن موضوعات أكثر جذباً للجمهور مثل الحجاب وفتنة النساء، وغيرها، ومع تزايد جماهيرية «طارق» يسعى جهاز أمن الدولة لتجنيده ودسه بين المتطرفين، في الوقت الذي يتلقى دعوة من أسامة بن لادن للسفر إليه في أفغانستان، ليتراجع الدين إلى خلفية المشهد وتتقدم الاعتبارات السياسية والأمنية إلى المقدمة لتحول الدين إلى وسيلة لتحقيق مكاسب سياسية.
الفترة الزمنية من منتصف الثمانينات إلى منتصف التسعينات كانت هي محور مسلسل «بدون ذكر أسماء» الذي يعرض على قناة دبي، ويمثل التجربة الاخراجية الأولى لتامر محسن، لكنها ليست المرة الأولى التي يتناول فيها مؤلف المسلسل وحيد حامد هذه الفترة، ويحاول رصد ظهور الجماعات الاسلامية المتطرفة في المجتمع المصري، خصوصاً في المناطق الفقيرة والعشوائيات، حيث تدور الأحداث في حارة مصرية فقيرة.
كما يظهر مجموعة من رجال الدين المتشددين الذين يحاولون السيطرة على حياة السكان باسم الدين والنصيحة، مع التركيز على استمالة الشباب، وهو سياق يعيد إلى الأذهان الفيلم الأشهر لوحيد حامد «الإرهابي» الذي قام ببطولته عادل إمام، ثم مسلسل «الجماعة» الذي عرض في 2010.
ظهور آخر للداعية ولكن بشكل أقل عمقاً، ومساحة أقل للشخصية، ينتظر ان يشهده مسلسل «العراف» للفنان عادل إمام عندما يكتشف إن ابنه الذي يعيش في الصعيد عضو في إحدى الجماعات المتطرفة، ويحاول إقناعه بالابتعاد عنهم.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news